الوقت- من نتائج العدوان الغاشم الذي بدأه الكيان الصهيوني على غزة في أكتوبر 2023 أنه ساعد على التمييز بين الروايات والحقيقة حول أحداث يوم النكبة عام 1948، لقد ظل الكيان الصهيوني المعتدي والضحية الفلسطينية يقدمان رواياتهما المتناقضة للعالم منذ 77 عامًا لإثبات العدالة، ولكن إذا كانت هناك قبل حرب غزة تحيزات غير عادلة من قبل بعض الدوائر السياسية حول تعرض الصهاينة للاضطهاد، فإن حرب غزة الحالية هي حرب إثبات أن الروايات الفلسطينية المستمرة منذ ثمانية عقود هي أقرب إلى الواقع من ادعاءات زعماء تل أبيب الكاذبة والملفقة.
إن فكرة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني التي تجري حاليا في غزة ليست بالأمر الجديد، بل هي قديمة قدم المشروع الصهيوني وتأسيس العصابة المارقة لهذا الكيان، إن كلام ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء عصابة في الكيان الصهيوني، الذي قال: "الوضع في فلسطين سيحل بالقوة العسكرية الصهيونية"، يعتبر إشارة ونقطة انطلاق لقتل الشعب الفلسطيني.
منذ عام 1948، حول الكيان الصهيوني الأرض الفلسطينية إلى مسلخ للفلسطينيين من خلال الهجمات العسكرية وأساليب الإرهاب، وأتاحت حرب غزة الفرصة للفلسطينيين لإعادة رواية تاريخ الجرائم الصهيونية في العقود الثمانية الماضية، حتى أنه يمكن للعالم أن يرى بسهولة ما هو الصواب وما هو الخطأ في هذه القضية.
ويحرص الكيان الصهيوني على نقل هذه الرواية للعالم بأنه غير مسؤول عن أحداث يوم النكبة، وأنه لا يتحمل مسؤولية مجزرة وقتل الشعب الفلسطيني وتدمير المدن والقرى، ولكن الأرشيف الذي قدمه الفلسطينيون كشف جرائم هذا الكيان، ما لا يترك مجالا لإنكاره.
لذلك، وبمناسبة الذكرى السادسة والسبعين ليوم الـ 15 من مايو 2024، نشر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إحصائية شاملة لجرائم الكيان الصهيوني، والتي تبين أن عملية الإبادة الجماعية للفلسطينيين تكثفت مع مرور الوقت، وبلغت ذروتها في الحرب الحالية في غزة.
وحسب تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن نحو 134 ألف فلسطيني وعربي استشهدوا في فلسطين منذ نكبة عام 1948، وبالنظر إلى أن الآلاف من أبناء غزة استشهدوا خلال الأشهر الأخيرة في هجمات كيان الاحتلال، فإن عدد الشهداء، بمن فيهم الذين استشهدوا في غزة، يصل إلى أكثر من 145 ألف شخص.
ويشير هذا التقرير إلى أن إجمالي عدد الفلسطينيين في العالم بلغ 14,630,000 نسمة في نهاية عام 2023، ويذكر أن عدد السكان الفلسطينيين قد تضاعف حوالي 10 مرات منذ يوم النكبة، وأعلنت هذه الوكالة عن توزيع السكان الفلسطينيين حول العالم: 5 ملايين و500 ألف نسمة في فلسطين (الضفة الغربية وغزة) ونحو مليون و750 ألف نسمة في أراضي 1948 (الأراضي المحتلة)، كما يبلغ عدد الفلسطينيين في الدول العربية حوالي 6 ملايين و560 نسمة وفي الدول الأجنبية حوالي 772 ألف نسمة.
وقالت السلطة الفلسطينية إن أكثر من مليون فلسطيني اعتقلوا منذ عام 1967، مؤكدة أن هناك حاليا حوالي 9400 فلسطيني في السجون الإسرائيلية، هذا فيما بلغ عدد المعتقلين في الضفة الغربية 8520 معتقلاً منذ يوم الـ 7 من أكتوبر 2023، بعضهم طلقاء وبعضهم معتقل.
وعلى مستوى الاستيطان، تم التأكيد أيضًا على أن عدد المراكز العسكرية والمدنية الإسرائيلية وصل إلى 483 مكانًا في الضفة الغربية نهاية عام 2022، وحسب هذا التقرير فإن عدد المستوطنين في الضفة الغربية بلغ 745,467 مستوطناً نهاية العام 2022، منهم 336,272 مستوطناً يعيشون في مدينة القدس، وقالت هذه الوكالة أيضًا عن الضفة الغربية: في عام 2023، دمر الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 659 مبنى ومنشأة، وصدر 1333 أمرًا بهدم منشآت فلسطينية بحجة عدم الترخيص.
الإحصائيات الكارثية لحرب غزة
ورغم أن الإحصائيات النهائية تشير إلى أن أكثر من 145 ألف فلسطيني قتلوا على يد الكيان الصهيوني، إلا أن عدد القتلى في حرب غزة مثير للصدمة، وفي الأشهر الخمسة عشر الماضية، استشهد أكثر من 45 ألف شخص منذ الهجمات المدمرة التي شنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة.
وحسب تقرير أعده الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ونشره ليلة رأس السنة، فقد انخفض عدد سكان غزة بسبب هجمات كيان الاحتلال، وحسب الإحصائيات الجديدة، يبلغ عدد سكان غزة حوالي 2.1 مليون نسمة، بانخفاض قدره 6% مقارنة بتقديرات عام 2023، الذي يضم مليون طفل تحت السن القانوني، وهو ما يشكل 47% من سكان غزة.
وحسب تقرير المركز، فقد أدت الهجمات الإسرائيلية إلى مقتل أكثر من 17,581 طفلاً، وقتلت 10,048 امرأة، وخلفت أكثر من 11,000 في عداد المفقودين، يقال إن معظمهم مدفونون تحت أنقاض المباني المدمرة، بالإضافة إلى ذلك، وحسب آخر الإحصائيات، أصيب أكثر من 108 آلاف شخص في غزة.
وحسب تقرير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية أخرى، فإن الأرقام تشير إلى أن العدو الصهيوني ارتكب 9973 مجزرة في غزة، ودمر الاحتلال 1413 عائلة فلسطينية بشكل كامل، ولم يبق من أفراد هذه العائلات أي فرد. وحسب الإحصائيات الرسمية لوزارة الصحة الفلسطينية حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، فإن عدد القتلى في الحرب الأخيرة في غزة يبلغ نحو 10 أضعاف عدد القتلى في جميع الصراعات السابقة في غزة منذ عام 2008.
ووفقا لأحدث تقرير للأمم المتحدة حول الوضع الكارثي في غزة، والذي نشر الأسبوع الماضي، فإن عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في غزة يعيشون ظروفا إنسانية كارثية بسبب البرد القارس ونقص الموارد المائية والغذاء، وتكبد القطاع الزراعي الكثير من الخسائر مع نفوق 95% من الماشية وتدمير شبكات الري والدفيئات الزراعية، 47% فقط من المستشفيات و37% من مراكز الرعاية الطبية الأولية تعمل، والباقي متوقف عن العمل نتيجة التفجيرات المتكررة.
وبالنظر إلى الإحصائيات الكارثية في غزة، والتي تشمل 45% من إجمالي عدد القتلى الفلسطينيين منذ يوم النكبة وحتى عملية اقتحام الأقصى، فقد وضعت مسؤولية كبيرة على عاتق المجتمع الدولي لحل قضية هذه الإبادة الجماعية، وهو الأكبر من نوعه في هذا القرن ويعتبر ليتم تحليله بشكل منفصل.
ورغم تحركات أولية من جانب جنوب أفريقيا وعدد من الدول في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن الحكم الأخير الذي أصدرته المحكمة باعتقال نتنياهو وجالانت، أظهر أن هذه الإجراءات وحدها ليست كافية لمنع قادة تل أبيب من القتل وللتوصل إلى النتيجة المرجوة، وينبغي للمجتمع الدولي أن يتابع قضية الإبادة الجماعية هذه بجدية.
في العقود الأولى من بداية الصراع الفلسطيني، حاول القادة الصهاينة تشويه الحقائق في الأراضي المحتلة وتغيير مكانة الظالمين والمظلومين، لكن في السنوات الأخيرة، بسبب انفتاح الفضاء الإعلامي وخاصة شبكات التواصل الاجتماعي، التي حدثت، نقلت الأحداث لحظة بلحظة، وانكشفت ادعاءات الصهاينة الكاذبة، وأظهرت موجة الاحتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم ضد جرائم "إسرائيل" في غزة أن سجل هذا الكيان أسود للغاية لدرجة أن الصراخ ضد رفع دعاوى قضائية عبر المحافل الدولية لن يساعدهم أيضًا.
رغم إبادة الفلسطينيين منذ 77 عاما، أظهرت عملية "طوفان الأقصى" أن الكيان الصهيوني هش على كل المستويات العسكرية والأمنية والسيبرانية، ولهذا السبب تسعى حكومة نتنياهو الإرهابية إلى تحقيق إنجاز وهمي من خلال توسيع الهجمات على شعب غزة الأعزل للخروج من وطأة الضغوط الداخلية والدولية، لكن هذه الإجراءات غير مجدية.
إن الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، رغم الطريق الطويل والمؤلم الذي قطعه في طريق الحرية وتحقيق النصر الحاسم على عصابة الإبادة الجماعية المتمركزة في تل أبيب، أحبطا كل الأهداف المعلنة للصهاينة، وليس فقط لم يتم تدمير فصائل المقاومة في غزة، ولكن مع تشكيل نواة شكل جديد من أشكال المقاومة في المستقبل، ستصبح الأراضي المحتلة غير آمنة أكثر فأكثر.