الوقت- تحولت أمطار الخير التي يستبشر بها الناس إلى نقمة على النازحين في غزة الذين يعيشون أصعب الظروف ففي الوقت الذي يحتفل فيه العالم بالعام حاملين آمالاً كثيرة، لم يتبقَ للفلسطيني أي أمل في الحياة في هذا العالم المنحط الذي يرى ويسمع معاناته ولكنه يفضل ألّا ينشغل بذلك عن احتفالاته وألّا يفكر بالخيام البدائية المصنوعة من القماش التي نصبت لتأوي النازحين والتي لم تعد قادرة على مواجهة قسوة الطبيعة، حيث أغرقتها مياه الأمطار، لتضاعف من معاناة المواطنين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة مأساة إنسانية جديدة.
إذاً بينما يحتفل العالم برأس السنة الميلادية، وينتظر أطفال الغرب هدايا سانتا كلوز بفرح وشغف، يعيش أطفال غزة واقعًا مختلفًا تمامًا، حيث يستقبلون العام الجديد في خيام بالية لا تقيهم من البرد أو المطر، بينما تصلهم "هدايا" الاحتلال الصهيوني على شكل قنابل ورصاص.
في ظل هذه المفارقة الموجعة، يبقى السؤال: أين الإنسانية في عالم يحتفل بينما يُقتل الأبرياء وتُهدم منازلهم؟ إن معاناة الفلسطينيين ليست مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، بل هي وصمة عار على جبين المجتمع الدولي، يتطلب الأمر وقفة جادة من كل إنسان حرّ، لإعادة التوازن إلى هذا العالم المختل أخلاقياً وإنسانياً!.
غرق بمياه الصرف الصحي
الانحطاط الأخلاقي للعالم أمام المعاناة الفلسطينية: الخيام العائمة فوق أمطار الشتاء تعبير صارخ عن الانحطاط الأخلاقي الذي يعيشه عالم اليوم فلا يمكن للمرء أن يشاهد هذا المشهد في غزة دون أن يشعر بالخزي الذي يثقل كاهل العالم بأسره، هذا المشهد، الذي أصبح رمزًا لمعاناة الفلسطينيين في ظل الحصار والتهجير والحرمان من أدنى مقومات الحياة الكريمة، يعكس بوضوح مدى العجز الدولي عن مواجهة هذا الظلم الصارخ.
مأساة تتجدد كل شتاء
هذه المأساة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة ليست شيئاً غريباً إنما هي مأساة متجددة، ففي كل شتاء، تتجدد معاناة آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في خيام أو منازل مدمرة غير صالحة للسكن، تغمر المياه الباردة أماكن لجوئهم، وتنعدم وسائل التدفئة، وتغدو الحياة اليومية معركة مستمرة من أجل البقاء، تتسرب مياه الأمطار إلى الفرش، وتتحول الأرضية إلى وحل، في مشهد يجسد انعدام الإنسانية، فالأطفال، بملابسهم الرثة وأقدامهم العارية، يجوبون هذه البرك الموحلة بحثًا عن مأوى أو قطعة خشب لإشعال النار.
العالم مشغول بالاحتفال
في الوقت الذي يتلقى فيه أطفال العالم الهدايا ويستمتعون بالألعاب، يكافح أطفال غزة للبقاء على قيد الحياة، ويعيشون في خيام مهترئة لا تقيهم من المطر ولا البرد، بعد أن دمرت منازلهم جراء القصف الإسرائيلي، في كل عام، تتجدد معاناتهم، حيث لا ألعاب ولا أضواء بل صوت الطائرات والقنابل، يفتقدون أدنى مقومات الحياة الكريمة، لكنهم يتمسكون بأحلام صغيرة، قد لا تتجاوز الحصول على وجبة دافئة أو ملابس تقيهم برد الشتاء.
في العالم العربي والغربي، تُنفق ملايين الدولارات على احتفالات رأس السنة، وتنطلق الألعاب النارية التي تضيء السماء، بينما تغيب هذه الأنوار عن سماء غزة التي يغمرها الدخان الناتج عن القصف، والمفارقة المؤلمة هي أن ما يُنفق على احتفالات ليلة واحدة قد يكون كافيًا لتخفيف معاناة آلاف الفلسطينيين.
لا يقتصر الأمر على التجاهل الشعبي، بل إن الصمت الدولي يزيد من مأساة الفلسطينيين، فالعالم الذي يرفع شعارات حقوق الإنسان والعدالة يغض الطرف عن الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، والدعم السياسي والعسكري الذي تتلقاه "إسرائيل" من الدول الكبرى يجعل الاحتلال يمعن في عدوانه دون رادع.
إن الصمت العالمي إزاء هذه المأساة يثير أسئلة عميقة حول القيم والمبادئ التي يدّعي المجتمع الدولي التمسك بها، فمنظمات الإغاثة تُصدر تقارير عن الكارثة، ولكن صرخاتها تضيع وسط ضجيج المصالح السياسية والاقتصادية، أما الحكومات، فتكتفي بإصدار بيانات "القلق" و"الدعوة لضبط النفس"، بينما تستمر المأساة بلا حلول حقيقية.
انهض أيها العالم
إن مشهد الخيام العائمة يجب أن يكون جرس إنذار لكل ضمير حي، لا يمكن أن تستمر هذه المعاناة دون رد فعل حقيقي من الشعوب قبل الحكومات، فالمظاهرات، وحملات الدعم، والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم هي خطوات ضرورية لإحداث التغيير.
على العالم أن يتحرر من الإعلام المسيس والمأجور الذي يلعب دورًا خطيرًا في تزييف الحقائق أو التعتيم على الجرائم، فبينما تُعرض الكوارث الإنسانية في أماكن أخرى بتفصيل واستنكار، يتم تجاهل المأساة الفلسطينية أو تصويرها كصراع متكافئ، هذا التلاعب الإعلامي يساهم في تطبيع المعاناة وتقليل الوعي العالمي بحقيقة الوضع.
ختام القول
العالم الذي يصمت أمام مشهد الخيام العائمة فوق أمطار الشتاء في غزة هو عالم يتخلى عن إنسانيته وقيمه الأساسية، لا يمكن لمجتمع يدعي التقدم والتحضر أن يبرر تجاهله لمعاناة بهذا الحجم، إن تحمل المسؤولية الأخلاقية يبدأ بالاعتراف بالمعاناة والعمل على إنهائها، وليس بالاكتفاء بالصمت أو التبرير، ما يحدث في فلسطين ليس مجرد كارثة إنسانية، بل هو اختبار للقيم الأخلاقية التي يدعي العالم المتحضر الدفاع عنها، كيف يمكن أن يصمت العالم أمام قصف المنازل فوق رؤوس سكانها، وترك الناجين يعيشون في ظروف غير إنسانية؟ كيف يمكن أن تبرر الحكومات صفقات السلاح والدعم السياسي لمن يرتكب هذه الجرائم؟.