الوقت– مع وقف إطلاق النار في لبنان والانخفاض النسبي للتوتر في غزة، أصبحت الجبهة اليمنية أكثر سخونة من ذي قبل، مع استمرار هجمات أنصار الله اليمنية بالصواريخ والطائرات من دون طيار على الأراضي المحتلة، تسمع هذه الأيام أحاديث كثيرة في وسائل الإعلام العبرية حول هجوم الكيان الصهيوني الجديد على اليمن، والذي يخطط من خلاله لقصف صنعاء والبنى التحتية العسكرية الحساسة في اليمن ومنع أنصار الله من الاستمرار بالعمليات الصاروخية في البحر الأحمر.
ونقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصهيونية عن مصدر إسرائيلي قوله: "وجهنا رسالة للأمريكيين مفادها بأن الهجمات على اليمن ستزداد، لأن هجمات الحوثيين تهدد استقرار المنطقة بأكملها".
كما ترددت أنباء عن مشاركة التحالف الأمريكي في هذا الهجوم، وهدد يسرائيل كانتس، وزير الحرب الصهيوني، بأنهم سيفعلوا باليمن نفس ما فعلوا بلبنان وغزة، كما هدد قيادات أنصار الله باغتيال قادة المقاومة في المنطقة.
يأتي هذا بينما نفذ الجيش الإسرائيلي هجمات على العاصمة صنعاء وميناء الحديدة غرب اليمن الأسبوع الماضي، استهدفتها منشآت الكهرباء والنفط بشكل رئيسي.
ورغم أنه لم يتم الإعلان عن موعد الهجوم واسع النطاق للجيش الصهيوني على اليمن، ويقال إنه من المحتمل أن يتم مع بداية الحكومة الأمريكية الجديدة، إلا أن هناك العديد من الخبراء الدوليين وحتى الشخصيات بين الصهاينة يعتقدون أن الجبهة اليمنية هي مستنقع لتل أبيب، الأمر الذي يمكن أن يجعل متطرفين من دعاة الحرب في مجلس الوزراء يندمون.
ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أمس، بعض تحذيرات هؤلاء المحللين، قال خلالها "محمد الباشا"، المحلل الأمني لشؤون غرب آسيا المقيم في الولايات المتحدة، في إشارة إلى التقدم الكبير الذي أحرزته جماعة أنصار الله اليمنية في اليمن في العقدين الماضيين: "في عام 2004 "كانوا مجموعة محاصرة في الجبال... لكنهم الآن يطاردون ناقلات النفط الأمريكية بطائراتهم من دون طيار وصواريخهم ويهاجمون وسط إسرائيل من مسافة 2000 كيلومتر".
كما تنقل هذه الصحيفة عن يوئيل غازانسكي، الخبير السابق في مجلس الأمن الداخلي الصهيوني، الإشارة إلى الصمود العالي والكبرياء الذي تتمتع بها قوات الجيش اليمني، ويعترف بأنه لا توجد قوة ردع ضد قوات أنصار الله اليمنية وليس ممكن احتواؤهم.
عواقب المغامرة في اليمن
وربما يتمكن جيش الاحتلال بمساعدة حلفائه من تدمير البنية التحتية للطاقة والنفط في اليمن بضربات جوية، لكن عواقب هذه المغامرة ستكون ثقيلة على الاحتلال.
وفي العام الماضي، أظهر اليمنيون أن تهديدات قادة تل أبيب والولايات المتحدة لا تمنعهم من قتال الأعداء، وطالما استمرت الحرب في غزة، فإن اليمنيين لن يوقفوا عملياتهم.
وجماعة أنصار الله، بهجماتها الصاروخية والطائرات المسيرة اليومية على الأراضي المحتلة، تبعث برسالة مفادها بأن أي عدوان على الأراضي اليمنية سيقابل برد مدوٍ.
وتمكن أنصار الله خلال العام الماضي من تقليص حركة السفن الصهيونية من البحر الأحمر إلى الصفر تقريبا بعمليات صاروخية محدودة، ما ألحق أضرارا بمليارات الدولارات باقتصاد هذا الكيان، حيث تضرر ميناء إيلات في البحر الأحمر وكان جنوب الأراضي المحتلة خاليا من السفن.
ووفقا لمسؤولين إسرائيليين، فإن استمرار هذا الوضع على المدى الطويل سيكون له تكاليف لا يمكن تعويضها على اقتصاد هذا الكيان، وبفضل الرقابة الاستخباراتية للبحر الأحمر ومضيق باب المندب الاستراتيجي، يستطيع اليمن توجيه ضربات قاصمة لكيان الاحتلال وحلفائه في هذه المنطقة المائية، وإذا اتسع نطاق التوترات، فربما تتحرك الحركة أكثر من ذلك وسيتم النظر في حظر السفن الصهيونية من البحر الأحمر بشكل دائم.
وأطلقت أنصار الله عدة مرات صواريخها "الأسرع من الصوت" باتجاه الأراضي المحتلة، والتي فشلت المنظومات الدفاعية لهذا الكيان في اعتراضها، الأمر الذي أثار الخوف والذعر بين المستوطنين.
وفي العملية الأخيرة التي تم تنفيذها يوم السبت (1 ديسمبر) باستخدام صاروخ أسرع من الصوت، أصيب 16 صهيونيًا بإصابة مباشرة من هذا الهجوم، كما أصيب 14 آخرون بجروح خطيرة أثناء فرارهم من رعب هذا الصاروخ، كما هرع مليونا شخص خوفا من هذه الصواريخ إلى الملاجئ، وأصيب بعضهم أثناء فرارهم.
وحتى في الهجوم الصاروخي اليمني على تل أبيب الذي نفذ يوم الثلاثاء وادعى جيش الاحتلال أنه اعترضه، فقد تكبد الصهاينة أيضاً خسائر بشرية، وأعلن قسم الطوارئ الإسرائيلي أنه نتيجة الشظايا الناجمة عن اعتراض الصاروخ، وتوجه الصاروخ إلى المستشفى لحقت أضرار ببعض المباني المجاورة كما ترددت أنباء عن مقتل نحو تسعة أشخاص في التدافع الذي حجبته وسائل الإعلام الصهيونية كعادتها.
هذا الكم من الخوف والإصابات كان بسبب إطلاق صاروخ واحد، وإذا تم إطلاق عدد كبير من صواريخ أنصار الله، فإن الأراضي المحتلة ستتحول إلى مدينة أشباح، وبقضاء ساعات النهار في الملاجئ، تتدهور الحياة اليومية في سوف تضطرب الأراضي المحتلة وبسبب دقة إصابة الصواريخ اليمنية في الأراضي المحتلة، لا يثق المستوطنون في أداء القبة الحديدية وأنظمة الدفاع الأخرى، الأمر الذي سيوجه ضربة قوية للصهاينة خلال تصاعد الصراع، وقد أظهر اليمنيون حتى يتمكنوا من التعامل مع هذه المهمة بشكل جيد.
عدم قدرة "إسرائيل" على ضرب أنصار الله
وبصرف النظر عن القوة العسكرية لأنصار الله، هناك قضية أخرى مهمة وهي أن الجيش الصهيوني لا يملك القدرة على توجيه ضربة قوية لليمن، ويرى محللون ووسائل إعلام إسرائيلية أن هذا الكيان يعاني من نقص في بنوك المعلومات في اليمن، وهذا الأمر جعل من الصعب الوصول إلى الهدف.
ويهاجم الكيان الصهيوني منشآت الكهرباء والنفط في اليمن فقط وهو غير قادر على تحديد موقع القوات المسلحة اليمنية ويواجه معضلة في إمكانية تحقيق أهداف عسكرية استراتيجية في اليمن.
وحسب قادة تل أبيب، فإن أنصار الله يختلفون عن حزب الله اللبناني، وبسبب المسافة الجغرافية وعوامل أخرى، ليس لديهم الكثير من المعلومات عن القادة والمراكز الاستراتيجية لليمن، ويعتمدون في الغالب على المعلومات التي تقدمها الولايات المتحدة، وهي مسألة نسبة النجاح في أي نوع من العدوان تجعل الأمر صعبا.
ويحاول نتنياهو وأصدقاؤه شن هجوم واسع النطاق على اليمن، فيما يدور جدل بين المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين حول نسبة نجاح هذه العملية، لأن ما ستفعله "إسرائيل" في المستقبل تم القيام به بقوة أكبر عدة مرات من قبل حلفائها، لكن تجربة أكثر من 9 سنوات من هجمات التحالف السعودي الإماراتي على اليمن، فضلاً عن هجمات الولايات المتحدة التي استمرت لمدة عام وقد أظهرت الولايات المتحدة وإنجلترا أن أنصار الله لا يمكن إيقافهم.
ولو كان أنصار الله تحت السيطرة، لما قدمت أمريكا هذا الفخر لـ"إسرائيل"، ومع هجمات واسعة النطاق على اليمن، كان من الممكن أن تقدم نفسها على أنها الحارس الأمني لشحن البحر الأحمر في العالم.
وأظهرت التجربة أن اليمنيين يحققون إنجازات جديدة في المجال العسكري بالتوازي مع هجمات الأعداء، بالإضافة إلى ذلك، كان تطوير الغواصات غير المأهولة والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت ناجحًا جدًا مؤخرًا في تعطيل أنظمة الدفاع الأمريكية.
وسبب إطلاق السفينة الأمريكية الخطأ على المقاتلة إف 18 هو شدة هجوم أنصار الله الذي خدع أنظمة واشنطن القوية بإطلاق عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة، ولذلك فإن الكيان الصهيوني المتخلف تكنولوجياً عن الولايات المتحدة لن ينجح أمام اليمنيين.
إن الاستهداف المتكرر لليمن من قبل التحالف الأمريكي، الذي فشل في تحقيق أهدافه، دفع الصهاينة إلى الاعتقاد بأن الهجوم المحتمل لن يجلب المكاسب المتوقعة لتل أبيب، ولن يؤدي إلا إلى زيادة تكاليف هذا الكيان، كما حدث في غزة ولبنان.
وفي هذا الصدد، قال "عيران أورتال"، العميد الاحتياطي في الجيش الصهيوني: "إن القتال ضد اليمنيين سيستمر لسنوات"، وأضاف: "نحن في بداية حقبة جديدة يتعين علينا فيها إعادة التفكير في سياسة إسرائيل وإستراتيجيتها العسكرية للتعامل مع مجموعة من التهديدات".
وقال هذا المسؤول الصهيوني لصحيفة "دافار" العبرية: إن صنعاء أصبحت أقوى على عدة مستويات، وما يؤكد قوة صنعاء هو أنهم ما زالوا في ميدان الحرب ضد إسرائيل بينما البعض الآخر أقل نشاطا، أي إن اليمنيين هم الوحيدون الذين يواصلون الحرب ضد إسرائيل، وحسب تصريحات السلطات الإسرائيلية، يمكن القول إن الصهاينة في اليمن يواجهون حصنا منيعا من المستحيل اختراق أسواره.
ورغم أن قادة تل أبيب يعتقدون أنهم إذا تمكنوا من تدمير البنية التحتية لليمن، فيمكنهم استعادة أمن الشحن إلى البحر الأحمر، إلا أن تصريحات قادة صنعاء تظهر أن مثل هذه الخطة لن تنجح.
وما قاله يحيى سريع، المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية، هو أنه "حتى لو ألقوا قنبلة ذرية على اليمن، فإنهم لن يتوقفوا عن دعم فلسطين"، لذلك، من الصعب بل من المستحيل الفوز على هؤلاء المحاربين الشجعان.
إن الهجوم واسع النطاق الذي شنه الكيان الصهيوني على اليمن هو تكرار لنفس المسار الفاشل الذي سلكه التحالفان الأمريكي والسعودية من قبل، ولن تكون عواقب هذا الترويج للحرب سوى تفاقم حالة انعدام الأمن في الأراضي المحتلة.