الوقت - في لحظة تاريخية فارقة، أصدر المرشد الأعلى للثورة في إيران توجيهاً تاريخياً في 28/9/2024، حيث أكد بقوله: "أن الفريضة الشرعية القطعية تحتّم على الجميع بذل كل طاقاتهم ومقدراتهم لاستعادة فلسطين إلى أحضان أمتها الإسلامية وأهلها الشرعيين، والوقوف إلى جانب الشعب اللبناني وحزب الله العزيز، ومؤازرتهم في نضالهم المشروع ضد الكيان الغاصب"، هذه الكلمات المضيئة أطلقت شرارة حراك شعبي غير مسبوق في ربوع إيران تحت راية "إيران المتضامنة".
التلاحم الإيراني مع لبنان؛ تجسيد للأخوة الإنسانية
إن ما يثير الإعجاب حقاً هو ذلك التدفق العفوي للمشاعر الإنسانية النبيلة من الشعب الإيراني تجاه أشقائهم اللبنانيين، والذي تجسّد في المشاركة الحاشدة في حملة "إيران المتضامنة"، ما يؤكد عمق الروح الإنسانية المتأصلة في الوجدان الإيراني.
لقد سطر الشعب الإيراني على مرّ التاريخ ملاحم خالدة في العطاء الإنساني، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، فمن المبادرات الإنسانية الجليلة في كارثة زلزال "بم"، إلى الهبة الشعبية العارمة خلال فيضانات لرستان، وصولاً إلى مدّ يد العون لإخوانهم في أفغانستان والعراق، كلها شواهد ناصعة على نبل وسمو الروح الإيرانية.
ولعل المشهد الإنساني المهيب الذي تجلى خلال الفيضانات الكارثية التي اجتاحت باكستان في سبتمبر 2010 يقدّم نموذجاً مشرقاً آخر، حيث تجسدت أرقى معاني الأخوة الإنسانية في موجة تضامن عارمة، دفعت بقوافل المساعدات الإيرانية نحو الأشقاء في باكستان، في ملحمة إنسانية تستحق التخليد.
المساعدات الكبرى في "إيران المتضامنة"
في مشهد يعكس عمق التضامن الإنساني، أطلقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية حملة "إيران المتضامنة"، مُحرّكةً موجةً غير مسبوقة من العطاء الشعبي لدعم الأشقاء في لبنان وغزة المنكوبين بويلات الحرب، وفيما يلي استعراض لأبرز المساهمات التي تجسّد روح التكافل الإيراني:
• نيشابور تُبهر بسخائها: في لفتة استثنائية، نجحت مدينة نيشابور في جمع ما يناهز المليار تومان خلال يوم واحد، وقد أشاد قائد منطقة المقاومة في الحرس الثوري بالمدينة، بالدور البارز للنساء والأطفال في هذا الإنجاز الملفت.
• همدان تتصدر المشهد: برز أهالي همدان بمساهمة سخية بلغت 39.7 مليار تومان، وفقاً لما أعلنه ممثل الولي الفقيه في المدينة، مؤكداً على عمق الالتزام الشعبي بقضايا الأمة.
• لرستان تُثري الحملة: قدّمت محافظة لرستان نموذجاً في التنوع، حيث شملت مساهماتها 1500 بطانية، و50 غراماً من الذهب، فضلاً عن مليار تومان نقداً، وفق ما أفاد به المدير العام للجنة إمداد الإمام الخميني بالمحافظة.
• هرمزجان تتألق بعطائها: تميزت محافظة هرمزجان بمساهمة قيّمة بلغت 4.929 مليار تومان، موجهةً خصيصاً لدعم الشعب اللبناني الشقيق ضمن حملة "لبنان ليس وحده".
• آباده تُسجل حضوراً لافتاً: أسهمت مدينة "آباده" بما يزيد على 3.5 مليار ريال، موزعةً بين 3 مليارات ريال نقداً و600 مليون ريال كمساعدات عينية، وفق تصريح رئيس جمعية الهلال الأحمر المحلية.
• لفتة مؤثرة من سيدة حافظة للقرآن: في مشهد يجسّد عمق الإيمان والتضحية، قدمت سيدة حافظة للقرآن الكريم سبع مسكوكات ذهبية وقلادتين، كانت قد نالتها كجوائز في مسابقات قرآنية، لتثري بها رصيد الحملة.
• "الجهاد الذهبي" يتألق في لرستان: في لفتة تجسد أصالة المجتمع الإيراني، أعلن السيد أحمد رضا شاهرخي، ممثل الولي الفقيه في محافظة لرستان، عن حصيلة استثنائية من التبرعات الذهبية بلغت 774 غراماً، وقد تصدرت خرم آباد قائمة المدن المتبرعة بـ 247 غراماً، تلتها بروجرد بـ 237 غراماً، ثم أزنا بـ 147 غراماً، في حين قدمت باقي مدن المحافظة مساهمات قيّمة تراوحت بين 8 و47 غراماً، وهذه المبادرة النبيلة تعكس عمق التضامن مع الشعبين الفلسطيني واللبناني.
• مبادرة عقارية تتحول إلى ظاهرة خيرية: قام السيد علي رضا جلولي وزوجته بتحويل حلمهما بامتلاك منزل جديد إلى فرصة للعطاء السخي، فقد عرضا منزلهما الذي لم يُسكن بعد للبيع بقيمة أولية بلغت 3.5 مليارات تومان، مخصصين إياه لدعم الشعب اللبناني، وفي تطور مذهل، قام أحد المحسنين بشراء المنزل ثم أعاد طرحه للبيع، ما أدى إلى مضاعفة قيمة التبرعات لتتجاوز 7 مليارات تومان، كُرست بالكامل لدعم الأشقاء في لبنان وغزة.
• الهيئات الدينية في طهران: نموذج للتكافل المجتمعي: شهد الاجتماع الافتتاحي للمتبرعين من الهيئات الدينية في العاصمة طهران، حضوراً لافتاً من المنشدين والمحسنين والرياضيين، تكلّل بنجاح باهر في جمع تبرعات نقدية بلغت 14.5 مليار تومان، وهذا الحدث يؤكد على الدور المحوري للمؤسسات الدينية في تعزيز روح التضامن وتوحيد الجهود الوطنية.
يمكن تسليط الضوء على عدة نقاط جوهرية فيما يتعلق بأهمية حملة "إيران متضامنة":
المحور الأول: تقويض المخطط الصهيوني
تتجلى القيمة الاستراتيجية لحملة التضامن الإيراني، في قدرتها على إحباط المساعي الصهيونية في الساحتين اللبنانية والفلسطينية، فقد استهدفت الآلة العسكرية الصهيونية، عبر حملتها العدوانية على غزة وجنوب لبنان، تهجير السكان قسراً وتدمير البنية التحتية للمناطق المستهدفة، غير أن المبادرة التضامنية الإيرانية قد أرست الأسس اللوجستية والمادية لإطلاق عملية إعادة الإعمار بوتيرة متسارعة، فور توقف العمليات العسكرية.
المحور الثاني: البُعد الشعبي
تمثّل الحملة التضامنية نموذجاً فريداً للدعم الشعبي المباشر، حيث تسهم في: تقليص التبعية اللبنانية للمساعدات العربية المشروطة، ترسيخ نموذج المساعدات الإنسانية الخالصة غير المقيدة بأجندات سياسية، وتعزيز التلاحم الشعبي العابر للحدود.
وتكتسب هذه المبادرة أهميةً استثنائيةً لكونها تنطلق من دوافع إنسانية محضة، وتتحرر من القيود البيروقراطية الحكومية، وتتجاوز المساومات السياسية المعهودة في المساعدات الرسمية، وتؤسس لنموذج تضامني شعبي مستدام.
إن الطبيعة الشعبية الخالصة للمبادرة، واستقلاليتها عن التوجهات الحكومية، تضمن فعاليتها القصوى في تحقيق أهدافها النبيلة لدعم المتضررين في لبنان وغزة، وترسي نموذجاً يُحتذى في العمل الإنساني المستقل.
تأثير #إيران_المتضامنة: تتجلى القوة التأثيرية الفائقة للمبادرة التضامنية الإيرانية في الارتدادات الإسرائيلية غير المسبوقة، حيث برز ذلك جلياً في المساعي الحثيثة للناطق الفارسي للكيان الصهيوني في محاولة تقويض المبادرة، والتوظيف المُمنهج للملف الداخلي الإيراني كأداة تشكيك، ومحاولات التشويش على زخم الحملة التضامنية.
بيد أن هذه المحاولات البائسة تصطدم بحقيقتين جوهريتين، هما أولاً أن المساعدات الموجهة للبنان، تمثّل جزءاً يسيراً من المنظومة الإيرانية الشاملة لمكافحة الحرمان، وثانياً أن حالة الارتباك الصهيوني إزاء حجم التدفقات المالية، تؤكد عمق الأثر الاستراتيجي للمبادرة.
الدعم المعنوي للمناضلين في لبنان وفلسطين: يشكّل الدعم الشعبي الإيراني أداةً معنويةً تتجلى في تعزيز الثقة لدى المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين، وترسيخ مفهوم العمق الاستراتيجي الشعبي للمقاومة، والتأكيد علی استمرارية الدعم رغم التباعد الجغرافي، وتحويل التضامن من شعار إلى ممارسة ملموسة.
کما أن هذه الحملة تكرّس نموذج التضامن العابر للحدود، وتعزّز منظومة الصمود المشترك، وتحوّل التحديات إلى فرص للتلاحم الشعبي، وترسّخ مفهوم المقاومة كخيار استراتيجي شعبي.