الوقت- مع كل صاروخ وكل عملية اغتيال ينفذها كيان الاحتلال الصهيوني الغاصب إن كان في غزة أو في لبنان أو حتى في دمشق يبرهن على أنه تحول إلى كيان مأزوم يتخبط في أعماله وقد ينهار من الداخل في أي لحظة دون أن يحتاج إلى حربٍ شاملة.
على النقيض ومنذ انطلاق معركة طوفان الأقصى شهد العالم بأسره تكاتف المقاومة في بيئاتها المختلفة وتوسع الحاضنة الشعبية لها الأمر الذي يفتقر له العدو، ففي الطرف المقابل تتعمق التصدعات في الإجماع الإسرائيلي على أهداف الحرب وخيارات وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى.
فيما يحاول الصهاينة تصدير أزماتهم الداخلية خارج الحدود عبر إطلاق وابل من الصواريخ هنا وهناك، وهو ما اعتاد عليه الكيان الصهيوني على مدى السنوات الماضية، ولن ينجح بالتأكيد.
مظاهرات وإضراب عام
شهدت شوارع فلسطين المحتلة خلال الحرب الدائرة على غزة أكبر مظاهرات في تاريخ قيام الكيان الغاصب في هذه البقعة وكان المطلب الأساسي للمتظاهرين على الدوام إسقاط نتنياهو بهدف إنجاح عملية تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية.
ومهما قيل عن الحرب ونتائجها فإن نتنياهو لم ينتصر فيها، وكان الإضراب العام الذي شلّ الكيان في بداية سبتمبر بالإضافة لاستقالة زعيم المعارضة بيني غانتس من حكومة الحرب الدليل الأقوى، حول نفاد الصبر الذي يشعر به الكثيرون، ولكن لا يبدو أن نتنياهو مهتم بهذا، لكن مشكلته المباشرة هي أن الغضب من فشل حكومته في التوصل لصفقة مع “حماس” أثار اضطرابات في داخل "إسرائيل" نفسها، فقد شلّت الحركة في تل أبيب ودفعت نقابات العمال للإعلان عن إضراب عام.
مأزوم على جميع الأصعدة
في الحقيقة، لم يشهد الكيان الصهيوني مثل هذا الوضع الهش خلال السبعين سنة الماضية، الهشاشة الموجودة اليوم في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وحتى العسكرية والأمنية للكيان الصهيوني قد سلبت النوم من أعين كبار مسؤوليه وداعمي الصهاينة في جميع أنحاء العالم.
في الواقع، الأحداث التي وقعت في السنوات الأخيرة لم نشهد لها مثيلاً، ومن بين هذه الأحداث، يمكن أن نذكر فشل الكنيست في تشكيل حكومة مستقرة، وعدم القدرة على تشكيل تحالف بين التيارات السياسية، وظهور العديد من المشاكل بين السياسيين والمتدينين في الأراضي المحتلة، فخلال ما يقرب من أربع سنوات، تغير أربعة رؤساء وزراء في هذا الكيان، وعلى الرغم من كل المساعدة التي قدمتها الصهيونية العالمية لهم وما زالت مستمرة، إلا أنهم لم يتمكنوا من تشكيل حكومة مستقلة يمكنها حل المشاكل في البلاد.
التخبّط يمكن رؤيته اليوم في القضايا الاجتماعية في هذا الكيان بسبب انعدام الهوية التي وقع فيها غاصبو هذه الأرض، لقد كان هروب القوّات العسكريّة طوال الأعوام السبعين الماضية غير مسبوقاً، وهذا حدث في هذه الأيام، وحدث مهم آخر تمثّل في عدم استعداد الجنود لإكمال خدمتهم العسكرية، حسب إحصائيات عام 2021 و 2022 التي تسربت من الجيش، فإن أقل من 45٪ ممن كان من المفترض أن يحضروا إلى المعسكرات قد تواجدوا فيها.
الانهيار من الداخل بات وشيكاً
لا يمكن لأحد أن يتجاهل أنه منذ سنوات يتم تقديم الكيان الصهيوني باعتباره المكان الأكثر أماناً في العالم وأنه أكثر الأماكن حضارة وديمقراطية في العالم، الآن يأتي نتنياهو الذي لديه العشرات من قضايا الفساد الأخلاقي والمالي ليحكمهم، ولكي يهرب من المحاكمة يستعين بالقانون القضائي الذي يثير حنق هؤلاء المستوطنين، وحتى عندما يتراجع ويعتذر ويستسلم بطريقة ما أمامهم فلا يقبلون منه الاعتذار ويواصلون الاعتراض على الحكومة، حيث تأتي كل أسبوع حشود ضخمة إلى ساحة منزل نتنياهو، لدرجة أنهم في بعض الحالات، اضطروا إلى إخراج عائلة نتنياهو من مكان إقامتهم ليلاً عبر طرق سرية وإيصالهم إلى مأوى ومكان آمن.
لذلك، لم يتوقع أحد هذا الوضع، عدم القدرة على مواجهة مرض كوفيد -19، والمشاكل الاقتصادية الموجودة هناك، والفقر الذي نشأ، واختلاف الطبقات الحاصل، وهروب الجنود، وهروب القوات العسكرية، وعدم الاستجابة لدعوة الوحدات العسكرية في الحرب القائمة على قطاع غزة اليوم، كلها أزمات تعرض لها الصهاينة وما زالوا يواجهونها.
أصبح الوضع في الكيان الصهيوني على هذا النحو بحيث إن كبار المسؤولين وذوي الخبرة هناك، لا يرون أنه سيصل لعامه الـ80، لذلك اليوم لا حاجة إلى حرب شاملة لتدمير هذا الكيان، فلم يعد الأمر مشكلة، اليوم اتضح جيدًا أن الانهيار من الداخل بات وشيكًا لغياب الهوية وغياب الحافز وعدم تحقيق التطلعات والقيم الموضوعة.
المسألة باتت واضحة
رغبة نتنياهو في تحويل الأنظار عن الإخفاق في غزة، حيث إن مهمة القضاء على حماس واستعادة الأسرى لم تتحقق، وليس هناك إجابة واضحة حول اليوم التالي في غزة، والصفقة تنتظر على الطاولة والإدارة الأمريكية تستعد لطرح جديد سيضع نتنياهو أمام مهمة إفشاله من جديد، مع ما يرافق ذلك عادة من مظاهرات لأهالي الأسرى في غزة بأعداد باتت تقلق نتنياهو وحكومة اليمين من حوله، والتقديرات تقول إنها قد تصل إلى المليون متظاهر .
الأهم من كل هذه العوامل أن نتنياهو الذي حاول طوال عام شراء الوقت والاستمرار في الحرب لأسباب شخصية باتت معروفة، بالإضافة إلى الحفاظ على حكومته من الانهيار، أصبح الآن أمام لعبة بالوقت معاكسة، أمامه فقط شهر ونصف الشهر حتى موعد الانتخابات الأمريكية، وهو يعرف أن الأحداث في الشرق الأوسط تؤثر على الانتخابات وعلى المرشحين للرئاسة ( هاريس ، وترامب )، وليس خافيا أن نتنياهو عمل على أن يكون جزءا من الماكينة الانتخابية لدونالد ترامب، ((هذا ما قاله الكاتب الأمريكي المؤيد لإسرائيل توماس فريدمان ))
وفي الوقت الذي يعلم نتنياهو أن دونالد ترامب سيكون حليفا مثاليا له ولليمين المتطرف لا يهتم بالشارع الإسرائيلي ويتجاهل مطالبهم.
ختام القول
رغم الجراح إلا أن لدى المقاومة الفلسطينية واللبنانية على حد سواء مكاسب مهمة في هذه الحرب التي طال أمدها على كل الصعد العسكرية والسياسية والشعبية وعلـى مستوى وعي الأمة وعلى صعيد مكانة ومصير كيان الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة والعالم ويمكن البناء عليها في هذه المعركة، والمستقبل أصبح واعدا، نعم الجراح عميقة والمعركة قاسية ليس في جانبها العسكري فقط، فقد استخدموا فيها كل أوراقهم القذرة من إعلام .. وصهاينة عرب .. وتشويه وتثبيط ، وقدمنا ضحايا وشهداء ودماء وأرزاق، معركة طاحنة لكنها تبشر بولادة جديدة، بعد عقود من التدمير الممنهج للقضية الفلسطينية وتمدد الكيان المزروع في أرض فلسطين، وتهويد صامت، واستيطان وتطبيع، وبلطجة، فالمقاومة مستمرة والرهان عليها، والحاضنة الشعبية تتوسع في الوقت الذي يتخبط الكيان داخلياً ويتآكل.