الوقت - في ساعات الفجر الأولى من يوم الأحد 25 اغسطس، دشّن حزب الله المرحلة الابتدائية من عملية الثأر لاغتيال الشهيد فؤاد شكر، القائد الأعلی في جبهة المقاومة.
تمثلت هذه المرحلة في إطلاق ما يناهز 340 صاروخاً من طراز كاتيوشا صوب الأراضي المحتلة، مصحوبةً بحرب إلكترونية متزامنة، وكان الهدف الاستراتيجي من هذه الخطوة، هو إرباك المنظومات الدفاعية الصهيونية، وتهيئة المجال الجوي لاختراق الطائرات المسيّرة الانتحارية.
وفي هذا السياق، كشف مصدر ميداني رفيع المستوى - كان يرصد مجريات الأحداث عن كثب فجر الأحد - عن تفاصيل دقيقة للعملية ضد الكيان الصهيوني، قائلاً: في المرحلة الأولى من العملية، ومع انهماك المنظومات الدفاعية، نجحت ما يقارب 30 طائرة مسيّرة انتحارية في اختراق الأجواء الفلسطينية المحتلة بسلاسة فائقة، مستهدفةً بدقة متناهية نقاطاً محددةً سلفاً في إحدى عشرة منشأة عسكرية استراتيجية.
لقد راهن الصهاينة على أن رد حزب الله سيقتصر على استهداف إحدى عشرة قاعدة عسكرية، وينتهي في مرحلتين محدودتين، بيد أنهم أصيبوا بصدمة عميقة وذهول تام عند انطلاق المرحلة الرئيسية من العملية، حيث تم اقتناص قاعدتين استراتيجيتين بالغتي الأهمية في زمن قياسي لم يتجاوز دقائق معدودة، وذلك بواسطة الطائرات الانتحارية عالية الدقة والفتك.
وأماط المصدر الميداني رفيع المستوى اللثام عن تفاصيل استراتيجية بالغة الأهمية، مؤكداً أن قاعدة "عين شيمر" كانت إحدى الأهداف الرئيسية في العملية النوعية.
وأوضح قائلاً: تمثّل قاعدة عين شيمر صرحاً عسكرياً متعدد الطبقات، يجمع بين القدرات الجوية والصاروخية في نسيج دفاعي متكامل، إنها المعقل الرئيسي لمنظومات الدفاع الصاروخي المتطورة، بما فيها "حيتس" (السهم)، و"مقلاع داوود"، و"القبة الحديدية"، كما تحتضن القاعدة لواء منشيه الإقليمي، وتعدّ مركزاً حيوياً لاختبار وتطوير الطائرات المسيّرة.
يكتسب هذا المجمع العسكري أهميةً استثنائيةً نظراً لموقعه الاستراتيجي، حيث يبعد 72 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية، ويشكّل همزة وصل حيوية بين المحور الشرقي والضفة الغربية، وهذا الموقع الفريد يجعل منه نقطة ارتكاز محورية في المنظومة الدفاعية الصهيونية.
وأضاف المصدر، مسلطاً الضوء على الأهمية الجيوستراتيجية للقاعدة: تقع هذه القاعدة الاستراتيجية على بعد 43 كيلومتراً فقط من قلب تل أبيب، و36 كيلومتراً شمال غرب مدينة حيفا الساحلية، وتتصل من الجهة الغربية بالشريان الحيوي الرابط بين حيفا وتل أبيب، مع قربها الشديد من ساحل البحر المتوسط، إذ لا تبعد عنه سوى 12 كيلومتراً.
وفي إفصاح عن هدف استراتيجي آخر، كشف المصدر الميداني أن قاعدة جليلوت (غليلوت)، المقر القيادي المركزي لجهاز الاستخبارات المضادة في جيش الاحتلال، كانت محور الاستهداف في المرحلة الختامية من العملية النوعية لحزب الله.
وأردف موضحاً: تعدّ قاعدة جليلوت مجمعاً استخباراتياً متكاملاً، يضمّ كتيبة الاتصالات المتخصصة، والوحدة النخبوية 9900، إضافةً إلى الوحدة 8200 المتخصصة في الاستخبارات الإلكترونية والسيبرانية، والتي تعدّ العمود الفقري لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان".
كما تحتضن القاعدة مدارس تعليمية وتدريبية بالغة الأهمية، تشمل مدرسة الاستخبارات العسكرية، ومركز تأهيل القيادات العسكرية، فضلاً عن الكلية المتخصصة في علوم الاتصالات التابعة لقطاع الاستخبارات العسكرية.
واستناداً إلى المعلومات الاستخباراتية التي كشف عنها هذا المصدر الميداني، يتبيّن أن الوحدة 8200 - وهي نخبة وحدات الاستخبارات الإلكترونية - تضطلع بمهمة الإشراف الاستراتيجي على شبكة متكاملة من القواعد الاستخباراتية ذات الأهمية القصوى، وتشمل هذه الشبكة المركز القيادي في جليلوت، والمنشآت الحساسة في جبل الشيخ، فضلاً عن مجمعات التنصت المتطورة المنتشرة في صحراء النقب.
تتموضع هذه الوحدة الاستراتيجية على بعد 110 كيلومترات من الشريط الحدودي اللبناني، وتتخذ موقعاً استراتيجياً يبعد حوالي 1200 متر إلى الشمال من تل أبيب، ما يضمن لها تغطيةً شاملةً ورصداً دقيقاً لكل التحركات في المنطقة.
وفي سياق متصل، أولى المصدر الميداني اهتماماً بالغاً بالعمليات النوعية المنفذة انطلاقاً من محافظة البقاع في الشرق اللبناني، وأوضح أن هذه المنطقة الاستراتيجية تبعد مسافة 60 كيلومتراً عن الحدود الشمالية للأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي حال انطلاق الطائرات المسيرة من هذا المحور، فإنها تكون قد اجتازت مسافة 180 كيلومتراً في عملية استهداف قاعدة جليلوت ذات الأهمية الاستراتيجية القصوى، و132 كيلومتراً للوصول إلى قاعدة عين شيمر، محققةً بذلك أهدافها بدقة متناهية.
يشكّل هذا التطور الاستراتيجي منعطفاً تاريخياً وسابقةً غير مسبوقة في مسار الصراع الراهن، إذ يمثّل أول اختراق عملياتي من نوعه منذ اندلاع المواجهات الحالية.
وأکد المصدر الميداني أن الإعلان عن تنفيذ العمليات العسكرية النوعية انطلاقاً من محافظة البقاع - التي تبعد زهاء 60 كيلومتراً عن حدود الأراضي المحتلة - يُشكّل صفعةً مدويةً وإنذاراً استراتيجياً للكيان الصهيوني.
وقد أبان حزب الله، بلغة صارمة لا تحتمل التأويل، عن قدراته الفائقة في استهداف منشآت حيوية بدقة متناهية، من مناطق ومسارات أبعد مما كان متوقعاً، كما وجّه رسالةً حاسمةً، مفادها بأن بمقدوره، متى شاء وأنّى أراد، تدمير وتحييد أي نقطة استراتيجية في عمق فلسطين المحتلة.
وما يستدعي التنبيه إليه، أنه لو تم إطلاق الطائرات المسيرة الانتحارية من الشريط الحدودي المتاخم لشمال الأراضي المحتلة، وقطعت مسافة 180 كيلومتراً، لكانت قد أصابت أهدافاً في المناطق المحتلة من قطاع غزة، وهذا في حد ذاته يُبرهن، بما لا يدع مجالاً للشك أو الريبة، على القدرة الفائقة والمتفوقة لجبهة المقاومة في استهداف أي منطقة داخل فلسطين المحتلة بدقة عالية ومذهلة، متجاوزةً كل الحسابات والتوقعات السابقة.
وفي ضوء ما أفصح عنه الأمين العام لحزب الله في خطابه الأخير، يتجلى أن محور المقاومة، رغم امتلاكه القدرة على استهداف أي بقعة أو نطاق، قد آثر في المرحلة الراهنة إيلاء الأولوية للمنشآت العسكرية، مُستبعداً البنى التحتية الاقتصادية والتجمعات الاستيطانية من دائرة الاستهداف.
إن الإعلان الصريح عن هذا النهج الاستراتيجي، من شأنه أن يُجهض ويُعطّل أي مخططات محتملة للكيان الصهيوني للقيام بعمليات إيذاء ذاتي (على غرار ما شهدته مجدل شمس)، حيث إن المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة يولون ثقةً أكبر لتصريحات السيد حسن نصر الله مقارنةً بما يصدر عن قياداتهم.
وهذا الأمر، الذي أقرت به وسائل الإعلام الصهيونية مراراً، من شأنه أن يُكبّل أيدي رؤوس العصابة الإجرامية، حائلاً دون تكرار مثل هذه الممارسات الخادعة.
وفي سياق متصل، بعد مرور أيام عدة على عملية "الأربعين"، بدأت تتكشف تباعاً تفاصيل الخسائر الفادحة التي تكبدها الكيان الصهيوني، في حين تتهاوى أكاذيب المحتلين بشأن الضربات الاستباقية المزعومة.
علاوةً على ذلك، فإن مسار التطورات الميدانية يُظهر جلياً أن الكيان الإسرائيلي وزمرته الإجرامية، لا يزالان يرزحان تحت وطأة ضغط هائل، ولم يُفلح الدعم الأمريكي في إحداث أي تحول جوهري في مجريات المعارك ونتائجها.