الوقت- بعد تراجع كبير في وتيرة الصراع بين القوات الروسية والأوكرانية، اشتعلت نيران الحرب من جديد في الأيام الأخيرة ووقعت اشتباكات واسعة النطاق.
وفي هذا الصدد، وخلال موجة جديدة من العمليات العاصفة، هاجمت القوات العسكرية الأوكرانية مقاطعة "كورسك" الروسية الحدودية يوم الثلاثاء (16 أغسطس/آب) في هجوم مفاجئ.
زعمت القوات المسلحة الأوكرانية أنها استهدفت مطارًا عسكريًا في عمق الأراضي الروسية ودمرت مستودعاته بالقنابل الموجهة.
وأعلن الجيش الأوكراني في بيان، عن هجوم ليلي وحريق ضخم وانفجارات متعددة في مطار ليبتسك الواقع على بعد 350 كيلومترا من الحدود الأوكرانية.
كما أكدت السلطات المحلية في ليبيتسك وقوع الانفجار في "منشأة للبنية التحتية للطاقة" وأعلنت حالة الطوارئ في جميع أنحاء المنطقة.
وفقًا لحاكم ليبيتسك إيجور أرتامونوف، تسببت غارة واسعة النطاق بطائرة من دون طيار في تدمير محطة للطاقة مساء الخميس بعيدًا عن الحدود الأوكرانية، وكتب أرتامونوف على تيليغرام أن "البنية التحتية للطاقة تضررت" وأن الهجوم أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي، والذي أعيد لاحقا إلى معظم المنازل المتضررة، ومع إعلان حالة الطوارئ في المنطقة، أمر حاكم ليبيتسك بإخلاء أربع قرى مجاورة "لضمان سلامة السكان"، والتي تضم 416 عائلة.
وتم إجلاء آلاف الأشخاص من كورسك، وتم الإبلاغ عن سقوط ضحايا من المدنيين، وأثارت الاشتباكات العنيفة قرب مدينة سوجان، حيث يتم نقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوكرانيا، مخاوف بشأن التوقف المفاجئ لتدفقات العبور إلى أوروبا.
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطاب ألقاه يوم الخميس: إن روسيا جلبت الحرب إلى البلاد ويجب أن تشعر بعواقب هذه الحرب، وأكد أن "الأوكرانيين يعرفون كيف يحققون أهدافهم، ونحن لم نختر تحقيق أهدافنا في الحرب".
ويعد الهجوم على كورسك هو الهجوم المضاد الثالث للأوكرانيين خلال العام الماضي، بعد فشل العمليتين السابقتين، ويأمل الأوكرانيون في تحقيق شيء ما هذه المرة.
وكانت الهجمات الأوكرانية السابقة على روسيا، بالقرب من مدينة بيلغورود، نفذتها مجموعات روسية مناهضة للكرملين، ولكن هذه المرة كان الهجوم الذي شنته القوات الأوكرانية عبارة عن مزيج من المشاة والمدرعات والطائرات من دون طيار والحرب الإلكترونية والدفاع الجوي.
ولا توجد إحصائيات دقيقة حول عدد الضحايا الروس في هذا الهجوم، لكن مقاطع الفيديو المنشورة تظهر أن عشرات الجنود الروس أسروا على أيدي الأوكرانيين عند نقطة التفتيش غرب منطقة صودجا.
لكن خلافا لادعاءات كييف، أعلن مسؤولون عسكريون روس فشل العملية الأوكرانية وخسائر كبيرة في الأرواح، وحسب وزارة الدفاع الروسية، تم تدمير ما لا يقل عن 1000 جندي أوكراني وعدد من الدبابات والعربات المدرعة.
واعتبر الروس هذا الهجوم من أكبر الهجمات الأوكرانية على الأراضي الروسية منذ بداية الحرب في فبراير/شباط 2022.
ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا العمل الذي قامت به أوكرانيا بأنه استفزازي للغاية.
رد فعل روسيا الخاطف
ورغم أن روسيا فوجئت بالقوات الأوكرانية والتي اكتسبت قدرة على المناورة في كورسك لبضعة أيام، إلا أن الجيش الروسي تمكن من استعادة التوازن لمصلحته بإرسال قوات وأسلحة.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، الجمعة، مشيرة إلى أن أوكرانيا فقدت ما يقرب من 280 جنديًا و27 مركبة عسكرية خلال الـ 24 ساعة الماضية: "في المجمل، منذ بداية القتال في كورسك، بلغت خسائر العدو 945 عسكريا و102 مركبة مدرعة، منها 12 دبابة و17 ناقلة جند مدرعة و6 مركبات مشاة قتالية و67 مركبة قتال مدرعة.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن مقاتلة من طراز سوخوي-34 تابعة لجيش البلاد هاجمت أفرادا ومعدات عسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية في المنطقة الحدودية بمقاطعة كورسك واستهدفت مواقعهم.
كما تظهر لقطات تم نشرها لأرتال تتحرك نحو كورسك مع أنظمة غراد ومدفعية ودبابات ومعدات ثقيلة مجنزرة.
وقالت الوزارة الروسية: إن "عمليات هزيمة القوات المسلحة الأوكرانية مستمرة، والجيش الروسي يواصل صد المحاولات الأوكرانية للتسلل إلى منطقة كورسك".
من ناحية أخرى، أعلنت اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب في روسيا أنها ستنفذ إجراءات مكافحة الإرهاب في مناطق كورسك وبريانسك وبيلغورود لضمان سلامة الناس ووقف الهجمات الإرهابية لنظام كييف.
هجوم أوكرانيا الجديد بالأسلحة الغربية
وأثناء شن الهجوم على كورسك، تلقت أوكرانيا المزيد من المساعدات من الغرب في الأشهر الأخيرة.
قبل ثلاثة أشهر، وافق الكونجرس الأمريكي على مشروع قانون مساعدات بقيمة 61 مليار دولار لأوكرانيا، حتى تتمكن الحكومة من إرسال أسلحة جديدة إلى أوكرانيا في أقرب وقت ممكن.
ووسط القتال في كورسك، قال البنتاغون في بيان يوم الجمعة إنه لمساعدة كييف على تلبية "احتياجاتها الأمنية والدفاعية الحرجة"، ستشتري الولايات المتحدة لاجل أوكرانيا صواريخ ستينغر المضادة للطائرات، وذخائر لأنظمة صواريخ هيمارس المدفعية من عيار 155 ملم و105 ملم، قذائف وصواريخ جافلين ومضادات الدبابات AT-4 وTOW وذخيرة للأسلحة الصغيرة والألغام.
منذ أن تولى الرئيس جو بايدن منصبه، أرسلت الولايات المتحدة أكثر من 56.2 مليار دولار كمساعدات عسكرية لأوكرانيا، وفقًا لأرقام البنتاغون.
بالإضافة إلى إرسال آلاف الصواريخ والدبابات إلى أوكرانيا، تم أيضًا تقديم المساعدة لأوكرانيا في المجال الجوي مؤخرًا، وبعد عامين من المشاورات بين كييف وحلف شمال الأطلسي، تم أخيرًا تسليم أول شحنة من مقاتلات إف-16 إلى أوكرانيا.
قبل أسبوعين، كتب وزير الخارجية الليتواني جابريليوس لاندسبيرجيس على قناة X: F-16 في أوكرانيا، أصبحت مهمة مستحيلة أخرى ممكنة تماما.
ويأمل الغربيون بأنه مع دخول طائرات إف-16 إلى ميدان المعركة مع روسيا، يمكنهم تغيير التوازن الميداني لمصلحتهم، لكن سلطات موسكو قالت إن هذا النظام لن يساعد أوكرانيا في عملية الصراع أيضًا.
وفي السنوات الثلاث التي تلت الحرب، تمكن الروس من تدمير العديد من أسلحة الناتو، وليس من المستبعد أن تعاني طائرات F-16 من نفس مصير الأسلحة السابقة.
واضطر الجيش الأوكراني حتى الآن إلى الاعتماد على أسطول صغير نسبيًا من طائرات الحقبة السوفيتية السابقة لصد القوات الروسية، لذلك يرى المسؤولون الأوكرانيون أن إضافة طائرات F-16 إلى أسطولهم الجوي بمثابة ترقية حيوية.
وعلى الرغم من أنه لم يُعرف بعد عدد مقاتلات F-16 التي سيتم تسليمها إلى أوكرانيا، فقد تعهدت الدنمارك بالتبرع بإجمالي 19 طائرة ووعدت هولندا بتسليم 24 طائرة.
وإذا تمكنت طائرات إف-16 من تحقيق النجاح في ساحة المعركة، فمن المحتمل أن يكون إرسال عدد كبير من هذه الأسلحة على أجندة الغرب.
الأهداف الأوكرانية للجولة الجديدة من الهجوم المضاد
إن الهجوم المفاجئ الذي شنته أوكرانيا على كورسك لم يكن من موقف قوة، بل كان تحركاً تكتيكياً ومؤقتاً لضرب روسيا.
ويعلم قادة كييف، الذين فقدوا 15% من أراضي بلادهم وحسب موقف سلطات موسكو، أنه من غير الممكن العودة إلى هذا المنطق، لذلك يحاولون تصعيب الوضع على الروس بوسائل مضادة، مثل هجمات على الأراضي الروسية في ما يقرب من أربع مقاطعات تشارك في الحرب.
ومن خلال دخول أراضي روسيا، تخطط أوكرانيا لإلهاء الروس عن التقدم على أراضي أوكرانيا، حيث استولوا على عدة مناطق في الأسابيع الأخيرة.
ويعتقد أغلب المحللين أن روسيا سوف تطرد القوات الأوكرانية من أراضيها في وقت قريب جداً، ولكن رغم ذلك أراد الأوكرانيون أن يبعثوا برسالة إلى زعماء الكرملين مفادها بأنه إذا طال أمد الحرب فإن انعدام الأمن سوف يمتد أيضاً إلى حدود روسيا.
ويبدو أن الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا مؤقت، لأن أوكرانيا لا تمتلك القوات اللازمة أو الرغبة في احتلال المنطقة لفترة طويلة من الزمن، والمقصود منه فقط هو دفع القوات الروسية إلى التراجع عن الخطوط الأمامية في دونباس وبث الخوف بين القوات الروسية.
ويعتقد بعض الخبراء أن أوكرانيا لم تكن لديها الشجاعة لمهاجمة أراضي روسيا وأنه تم تنفيذ حوافز خارجية قوية مثل حكومة الولايات المتحدة، التي تحاول التظاهر أمام شعب هذا البلد عشية الانتخابات الرئاسية، وأن سياساتهم كانت مفيدة في ساحات القتال في أوكرانيا.
ولهذا السبب، دافعت المتحدثة باسم البنتاغون صابرينا سينغ عن الهجوم على كورسك الجمعة، وادعت أن هجمات الجيش الأوكراني تتماشى مع السياسة الأمريكية ولم تؤدِ إلى تصعيد التوترات في المنطقة، والآن تقع مسؤولية احتواء التوترات على عاتق فلاديمير بوتين.
ألمانيا هي المتهم الأول للكرملين
ومنذ أن استخدمت أوكرانيا الأسلحة الغربية في هجومها على روسيا، حذر زعماء موسكو المرسلين من العواقب.
وفي إشارة إلى استخدام الدبابات الألمانية من قبل القوات الأوكرانية في الهجوم على كورسك، كتب ديمتري ميدفيديف، نائب مجلس الأمن القومي الروسي، في رسالة على موقع التواصل الاجتماعي إكس: "نشرت صحيفة بيلد الألمانية مقالاً تفتخر فيه تعلن عودة الدبابات الألمانية إلى الأراضي الروسية ورداً على دعم ألمانيا للهجوم الأوكراني على الأراضي الروسية، ستبذل موسكو قصارى جهدها لجلب أحدث الدبابات الروسية إلى برلين.
وجاء وجود الدبابات الألمانية في كورسك بعد أن تخلت الدول الأعضاء في الناتو عن جميع الاعتبارات الأمنية ضد روسيا وأعطت الإذن لكييف باستخدام الأسلحة الغربية لمهاجمة الأراضي الروسية.
وقد تؤدي هذه الخطوة، التي تهدف إلى دفع روسيا إلى التراجع، إلى زيادة احتمالية حدوث مواجهة مباشرة بين الناتو وموسكو، حيث حذر بعض المسؤولين الألمان من العواقب على برلين.
وفي هذا الصدد، أكد مايكل كيرشمر، رئيس وزراء ولاية ساكسونيا الفيدرالية الألمانية، الجمعة: "إذا تم استخدام الدبابات الألمانية في هجوم القوات المسلحة الأوكرانية على منطقة كورسك، فهذا انتهاك آخر للخط الأحمر، على مدار عامين، رأينا أن كل ما أعلنته السلطات الألمانية لا يتم تنفيذه على أرض الواقع... إننا نقترب من أن نصبح طرفاً في الصراع في أوكرانيا، والناس قلقون بشأن ذلك".
كما شدد رئيس وزراء ولاية ساكسونيا على أنه يتعين على برلين التوقف عن إرسال المساعدات العسكرية إلى القوات المسلحة الأوكرانية.
إن تجاوز منظمة حلف شمال الاطلسي للخطوط الحمراء التي فرضتها روسيا خطوة بخطوة لا يساعد في حل الأزمة فحسب، بل إنه قد يؤدي إلى إشعال شرارة حرب عالمية ثالثة، حيث لا منتصر فيها في وجود القوى النووية.