الوقت- كتب "ديفيد هيرست"، المحلل الإنجليزي المعروف ورئيس تحرير موقع ميدل إيست آي، في تحليله الجديد حول التطورات في غزة والمعركة الدائرة بين المقاومة والقوات المسلحة للكيان الصهيوني يستعرض النتائج الإيجابية لمعركة الأقصى على الدعم الدولي المتزايد، وذكر قضية فلسطين وأعلن أنه بعد 7 أشهر من العدوان الإسرائيلي على غزة لا يزال اسم فلسطين على لسان الناس في كل مكان في كل أنحاء العالم يعلنون دعمهم للشعب الفلسطيني.
ومن نتائج هذه المعركة أيضاً أن "إسرائيل" أصبحت الآن في موقف المتهم أمام محكمة العدل الدولية، واليوم، ولأول مرة في تاريخ صراعهم الطويل مع "إسرائيل"، أدرك الفلسطينيون أن لديهم قادة لا يتخلون أبداً عن مطالبهم الأساسية، ويتمتع هؤلاء القادة باحترام كبير بين شعبهم.
واليوم نشهد تكوين جيل جديد في أمريكا، واليهود في غاية القلق والخوف من أن اسم دينهم يستخدم الآن في كل عمليات القتل والحروب الهمجية التي يقوم بها الإسرائيليون، واليوم نشهد حركة يهودية تتحدى الرواية الصهيونية.
تعبئة الرأي العام العالمي ضد "إسرائيل"
منذ الـ7 من أكتوبر وحتى اليوم، بدأت "إسرائيل" عملية تدمير واسعة النطاق داخل قطاع غزة، وهي في الواقع حرب إبادة جماعية ضد المدنيين، أدت إلى تدمير المنازل والمستشفيات والمدارس والجامعات، وهذه القضية هي نقطة تحول في تغيير نهج الرأي العام والعالم.
ومن ناحية أخرى، فإن جو بايدن، بصفته رئيس الولايات المتحدة، والذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي، يقدم دعماً غير محدود لحرب "إسرائيل" على غزة، وهذا ما حدث في عام الانتخابات الأمريكية، وبعد ذلك رأينا الجامعات الأمريكية تنظم احتجاجاً حاشداً ضد هذه الحرب ودعم الحكومة الأمريكية لـ"إسرائيل" في الإبادة الجماعية ضد أهل غزة.
أهمية التظاهرات الطلابية الأمريكية المناهضة لـ"إسرائيل"
وفي هذه الأثناء تقود جامعة كولومبيا هذه الانتفاضة الجامعية الكبرى وأصبحت مركزاً للثورة الطلابية، وانتقلت هذه الانتفاضة تدريجياً إلى جامعات أخرى، لكن ربما تكون النقطة المشتركة التي تربط الانتفاضة الطلابية في جامعة كولومبيا وجامعة ييل وجامعة هارفارد هي العلاقة بين هذه الجامعات و"إسرائيل".
وفي جامعة كولومبيا، وبسبب العقد الذي أبرمته هذه الجامعة مع "إسرائيل" بقيمة 1.2 مليار دولار، يطالب الطلاب إدارة الجامعة بسحب استثماراتهم من عملاقي التكنولوجيا أمازون وجوجل.
وفي جامعة بيل يطالب الطلاب إدارة الجامعة بسحب استثماراتهم من كل شركات تصنيع الأسلحة التي تستخدم أسلحتها لمهاجمة الشعب الفلسطيني، وتجدر الإشارة إلى أن جامعة بيل لديها برنامج تبادل طلابي مع 7 جامعات إسرائيلية، كما أن جامعة هارفارد لديها برنامج تبادل طلابي مع ثلاث جامعات إسرائيلية، كما يمكن لجامعة كولومبيا تبادل طلابها مع أربع جامعات إسرائيلية.
تفنيد مزاعم أمريكا حول الديمقراطية وحرية التعبير
وبعد التظاهرة الطلابية الكبرى في الجامعات الأمريكية، رأينا استخدام القوة والعنف لقمع هذه الاحتجاجات السلمية، وفي جامعة كولومبيا أمر رئيس هذه الجامعة شرطة مدينة نيويورك بتفريق المتظاهرين ومهاجمة 50 خيمة نصبت في الساحة الجنوبية للجامعة، ما أدى إلى اعتقال 100 طالب من جامعة كولومبيا وكلية برنارد، بما في ذلك ابنة إلهان عمر، عضو الكونجرس الأمريكي.
كما صدر أمر بإيقاف الطلاب عن العمل وإخبارهم بأنهم لا يستطيعون إكمال الفصل الدراسي الأكاديمي، وتم القبض على 50 متظاهرًا في جامعة بيل، وفي جامعة أوهايو، تعرض المتظاهرون للضرب المبرح، وبشكل عام، وتم اعتقال ما يقرب من 900 متظاهر منذ بداية الاحتجاجات في جامعة كولومبيا في الـ18 من أبريل.
من ناحية أخرى، شهدت لندن مؤخرا المظاهرة العامة واسعة النطاق الـ 13 منذ بداية حرب غزة، وتعتبر هذه الاحتجاجات التي تقام للتنديد بالهجمات الإسرائيلية على غزة، غير مسبوقة من حيث حجم وعدد المشاركين.
جهود اللوبي الصهيوني في أمريكا لإنقاذ "إسرائيل"
وهذه الحركات الاحتجاجية التي انطلقت في أمريكا وأوروبا ضد "إسرائيل" كان لها أيضا تأثير عميق في غزة نفسها، لأن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، الذي يتحمل وزر هذه الاعتداءات الإسرائيلية، لم يعد يشعر بأنه وحيد، وخاطبت الصحفية الفلسطينية "بيسان عودة" أنصار فلسطين في العالم وقالت "استمروا في هذه العملية ونعاهدكم بأننا سنبقى صامدين ونقاوم وسنقول لكم الحقيقة دائما، لا تدع العنف ضدك يخيفك، ليس لديهم (أنصار الصهيونية) خيار سوى إسكاتكم وترهيبكم لأنكم تدمرون عقوداً من غسيل الدماغ الذي كانوا يقومون به".
في هذه الأثناء يصف اللوبي الصهيوني في أمريكا أنصار فلسطين بالمنحرفين ويتهمهم بمعاداة السامية، ونشطاء هذا اللوبي هم الذين يستفزون مديري الجامعات الجبناء ليطردوا الطلاب والأساتذة، وإن نشطاء اللوبي الصهيوني الذين يدعون الديمقراطية ويعتبرون أنفسهم ديمقراطيين، أيديهم بالكامل في أيدي الفاشيين، وهؤلاء هم الذين يعرضون القانون وحرية التعبير والحق في الاحتجاج للخطر.
جيل اليهود المناهضين للصهيونية
واليوم، يقود الثورة ضد الصهيونية جيل جديد من اليهود في أمريكا، الذين يشارك الكثير منهم في الاحتجاجات المناهضة لـ"إسرائيل".
ويقول أحد طلاب جامعة كولومبيا واثنان من طلاب كلية بارنارد، وهما يهوديان، في هذا السياق "إن قمع ومضايقة أكثر من 100 طالب مؤيد للفلسطينيين في جامعة كولومبيا هو أسوأ أعمال عنف شهدتها جامعتنا منذ عقود، وبينما نكتب هذه الرسالة، يهيننا الطلاب الإسرائيليون المارة ويطلقون علينا ألفاظا سيئة بالعبرية، على افتراض أن لا أحد منا يفهم ما يقولون، وهنا يتبادر إلى الأذهان كلام يوآف جالانت، وزير الحرب الإسرائيلي، عن الفلسطينيين، الذي قال إن الفلسطينيين حيوانات ويجب معاملتهم كالحيوانات".
وفي الواقع، خلقت الحرب في غزة جدلاً غير مسبوق بين اليهود، وتقول بعض الشخصيات اليهودية المستنيرة مثل الصحفية الكندية ناعومي كلاين: إن الصهيونية ليست سوى صنم كاذب استخدم حلم الأرض الموعودة لإقامة دولة عنصرية عسكرية، لقد أوصلتنا الصهيونية إلى لحظة الكارثة الحالية وحان الوقت للصراخ والقول إن الصهيونية أوصلتنا إلى هنا ووضعتنا على طريق غير أخلاقي وعلينا الآن أن نكسر قواعدها.
فلسطين في كل مكان
وسنرى في المستقبل القريب كيف أحيت الحركة المناهضة للحرب في غزة القضية الفلسطينية بشكل غير مسبوق وأعادتها إلى اهتمام العالم، واليوم كانت ردود أفعال العالم على حرب غزة على النقيض تماما مما فعلته "إسرائيل" وحلفاؤها، ولطالما افترض بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء "إسرائيل" الحالي، وغيره من المسؤولين، أنهم إذا دمروا الأجيال السابقة من الفلسطينيين، فإن الجيل الجديد سيتوقف عن القتال، لكننا نرى كيف أحيا نتنياهو نفسه الرابطة المفقودة بين الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم اليوم بسلوكه الوحشي.
ومن ناحية أخرى، دمرت هذه الموجة من الدعم للشعب الفلسطيني في العالم مخططات "إسرائيل" وداعميها لخلق فجوة بين القضية الفلسطينية وشعوب العالم العربي، حيث كانت "إسرائيل" ومؤيدوها يأملون في إبعاد القضية الفلسطينية عن الأضواء بعد الأحداث التي شهدها العالم العربي خلال العقد الماضي وأعمال الشغب التي نشأت، وسعت "إسرائيل" إلى تجاوز القضية الفلسطينية من خلال إقامة علاقات مباشرة مع الدول العربية الغنية وتوسيع نطاق التطبيع معها، ولو لم تحدث معركة الأقصى لكانت "إسرائيل" قد حققت هذا الهدف.
نتيجتان طويلتا المدى لطوفان الأقصى
وبالإضافة إلى تداعيات معركة طوفان الأقصى وحركة تأييد الشعب الفلسطيني لـ"إسرائيل" في المرحلة الحالية، لا بد من الانتباه إلى نتيجتين بعيدتي المدى لهذه العملية، ولعلهما الأهم:
- أولاً، ولأول مرة في تاريخ الصراعات الطويلة مع "إسرائيل"، أظهرت غزة أن لديها إصراراً غير مسبوق ومنقطع النظير على مقاومة ومحاربة الاحتلال، وأن الشعب متمسك بأرضه ولن يتخلى عنها تحت أي شكل من الأشكال؛ وما لم نشهده في أي من الفترات، وخاصة أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تبد مثل هذه الإرادة من قبل.
في الواقع، اليوم، ولأول مرة في تاريخهم، أصبح لدى الفلسطينيين زعيم غير مستعد للتخلي عن مطالبهم الأساسية، وهذه القيادة تحظى باحترام كبير من قبل الشعب.
- النتيجة الثانية هي أن جيلاً جديداً قد تشكل في أمريكا مناهض لـ"إسرائيل"، في حين أن أمريكا هي الداعم الأكبر لـ"إسرائيل" وهي الدولة الوحيدة التي تستطيع وقف الحرب في غزة من خلال وقف الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي لـ"إسرائيل".
ومن ناحية أخرى، انكشفت رواية الصهاينة الكاذبة للعالم أجمع، ولم يعد بإمكانهم تبرير جرائمهم باسم الدين اليهودي.