الوقت - لا يستطيع العديد من المحللين وحتى الحكومات الغربية، أن يفهموا سبب جدية أنصار الله والشعب اليمني في دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن شعب قطاع غزة.
ومع ذلك، يدرك عدد من الخبراء الغربيين العلاقة العميقة بين الشعبين اليمني والفلسطيني، وبالتالي يحذرون من أن الولايات المتحدة لا تستطيع إنهاء هذا الدعم، أو الفوز في الحرب مع الشعب اليمني.
مؤخراً تناولت مجلة "جاكوبين" الأمريكية الموضوع نفسه في تقرير بعنوان "حرب الولايات المتحدة غير المعلنة ضد اليمن ستؤدي إلى الفشل"، بقلم "يوناس إيكة" الباحث والناشط في مجال حقوق الإنسان.
إيكة، الذي خدم في دول مثل اليمن وجنوب السودان وليبيريا، يكتب عن فلسطين من خلال تجاربه في إجراء مقابلات مع الشعب اليمني، ويوضح أن الرابطة بين اليمنيين والفلسطينيين أقوى من أن تكسرها القنابل الأمريكية، وما يلي هو مقتطف من تقرير جاكوبين.
هاجمت حركة أنصار الله اليمنية السفن في البحر الأحمر بطائرات انتحارية دون طيار وصواريخ باليستية، رداً على الهجوم الإسرائيلي على غزة، والغرض المعلن من هذه الهجمات هو تعطيل تجارة السفن المتجهة إلى "إسرائيل" أو التابعة لها، من أجل فرض تكلفة اقتصادية على تل أبيب بسبب جرائمها في غزة من خلال طريق بحري حيوي للتجارة العالمية (إغلاقه أو جعله غير آمن).
ومن ناحية أخرى، ردت الولايات المتحدة وبريطانيا بضربات جوية واسعة النطاق على مواقع الحوثيين (أنصار الله)، ووعدتا بمواصلة هذه الهجمات حتى ينهى الحوثيون (أنصار الله) عملياتهم في البحر الأحمر، لكن ما رأي شعب اليمن، البلد الذي دمرته سنوات من الحرب الأهلية والتدخل الأجنبي، في تصرفات أنصار الله ورد فعل الولايات المتحدة؟
تظهر المقابلات التي أجريت مع مواطنين يمنيين عاديين، أن تضامنهم مع الفلسطينيين بدأ بالفعل يغير مواقفهم السياسية، وهو عميق لدرجة أنه لا يمكن لأي عمل عسكري أمريكي أن يقوضه، وإن العديد من اليمنيين المعادين سياسياً لأنصار الله (حتى أولئك الذين حملوا السلاح سابقاً ضد قوات أنصار الله)، يوافقون على المواجهة التي تخوضها الجماعة مع "إسرائيل" وحلفائها الغربيين.
نشعر بألم الآخرين
يقول أحد اليمنيين: لقد عملت كعامل إغاثة في عدن بين أبريل وديسمبر 2022؛ المدينة التي يعترف بها المجتمع الدولي عاصمةً رسميةً لليمن.
ينقسم اليمن حاليًا إلى منطقتين منفصلتين: جنوب اليمن الذي يهيمن عليه السنة، ولدول الخليج نفوذ كبير فيه؛ وشمال اليمن الذي تحكمه جماعة أنصار الله؛ وهي جماعة تابعة للشيعة وترتبط بإيران.
معظم الأشخاص الذين تحدثت إليهم هم من جنوب اليمن، ويتحدث الشعب اليمني بشكل عام بموقف حاسم عن القضية الفلسطينية، وتظهر ملاحظاتي أن اليمنيين يظهرون مشاعر عاطفية عندما يتحدثون عن فلسطين، أكثر مما يظهرون عندما يتحدثون عن بلدهم.
وفي هذا السياق، تكتسب أنصار الله الشرعية لنفسها من خلال المقاومة النشطة نيابةً عن الشعب الفلسطيني، وهي مقاومة تعتبر مشروعةً عملياً في جميع البلدان ذات الأغلبية المسلمة، والحجة التي سمعتها مرات عديدة حول أهمية الوضع الفلسطيني بالنسبة لليمنيين، هي فهم الفلسطينيين واليمنيين للروابط التي تربط فلسطين واليمن في تاريخهما الإسلامي المشترك.
وأعرب طالب صيدلة يمني متفائل في أوائل الثلاثينيات من عمره، عن أمله في أن يتمكن اليمنيون من الانضمام إلى القتال من أجل فلسطين "إذا فتحت الحدود"، ثم أوضح أن من أسباب وقوف "جميع الدول العربية، وخاصةً اليمن" إلى جانب فلسطين، هو أن "جميع الدول العربية أصلها من اليمن؛ وخاصةً فلسطين، وهي دولة مظلومة".
تاريخياً، لعبت اليمن دوراً مهماً في نشوء الأمم العربية، ويذكر القرآن حضارة "سبأ" في اليمن، ووقعت في فلسطين أحداث مهمة في تاريخ الإسلام؛ وهي الأرض التي يوجد بها المسجد الأقصى.
وكما أخبرني طالب الصيدلة نفسه: "المسجد الأقصى هو المكان الذي عرج فيه رسولنا الحبيب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أعلى مستوى من السماء"، كما أشار الطالب اليمني إلى أوجه تشابه أخرى واضحة بين تاريخ البلدين اليمن وفلسطين، وقال: "لقد مر اليمن بالحرب وهو على دراية بعواقب الحرب والدمار والموت والنزوح والجوع، نحن بشر ونشعر بألم الآخرين".
آراء اليمنيين حول فلسطين
وفقاً لمن أجريت معهم مقابلات، فإن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على المسجد الأقصى تثير القلق بشكل خاص، حيث قال مواطن يمني عاش في أمريكا الشمالية لفترة طويلة: رد فعل اليمنيين "هو علامة على إيمانهم بالله والجهاد في سبيل الله لنصرة إخواننا في فلسطين وتحرير المسجد الأقصى المبارك من الغزاة القساة، والهمجيين الذين ليس لديهم أي إحساس بالإنسانية".
وشدّد على أن "المسلمين في جميع أنحاء العالم هم إخوة في الدين، وإذا قرأت تعاليم ديننا وتأملت فيها ستدرك أن الله أمرنا بأن نكون إخوة وهذا جزء مهم (من تعاليم ديننا)، ديننا يقول إن المسلمين كالجسد الواحد، فإذا جرح أو تألم جزء من هذا الجسد، تألم الجسد كله".
ثم استذكر التاريخ الغني للتضامن العسكري في العالم الإسلامي خلال العقود الأخيرة، وقال: "لقد ذهب العرب والأجانب إلى الحرب والجهاد في سبيل الله لنصرة إخوانهم في أفغانستان والشيشان ويوغوسلافيا، واستشهد الكثير منهم، لكنهم انتصروا في النهاية؛ وهذا وعد الله للمجاهدين: إما النصر وإما الشهادة".
وتوقع هذا المواطن اليمني أنه إذا فتحت الحدود الفلسطينية في يوم من الأيام "سترى أهل اليمن والمسلمين في كل أنحاء العالم يتسابقون نحو فلسطين سيراً على الأقدام، ولن تبقى إسرائيل ولو ليوم واحد، والإسرائيليون الذين ليس لديهم مأوى يهربون ويركضون إلى البيت الأبيض (للراحة) والنوم هناك".
وقدّمت امرأة أخری تمت مقابلتها، وهي طبيبة شابة تقضي معظم وقتها متطوعةً في مستشفى للأطفال، وجهة نظر أكثر عموميةً، قالت هذه السيدة اليمنية: "لن أكلمك كعربية؛ بل أنا أتحدث إليكم من الجانب الإنساني، أنا لا أؤيد أبداً قتل المدنيين؛ ولكن إذا حمل أحد السلاح ضد الفلسطينيين فإن الحرب معه ليست غير إنسانية".
إن تعاطفها مع فلسطين يتشكل إلى حد كبير نتيجةً لعلاقتها مع فلسطيني؛ أحد الفلسطينيين الكثيرين الذين فروا إلى اليمن: "لدي زميل فلسطيني درس في جامعة عدن، هو طبيب منذ تخرجه، زار غزة عدة مرات، وهو الآن مصاب ومحتجز في المستشفى".
إن خبرة هذه الطبيبة اليمنية أعطتها الأمل في أن تتمكن من تقديم خدمات طبية عملية للفلسطينيين: "المشاهد التي أراها تصيبني بالجنون، أقسم لو فتحوا الحدود سأذهب إلى هناك (فلسطين)، أنا غير قادرة على تحمل ذلك بعد الآن، هناك الآلاف من المصابين الذين يحتاجون إلى مسعفين وأطباء ومعدات طبية... لدي خبرة كبيرة في علاج الجروح والأطفال المصابين، يمكنني المساعدة".
الأعداء السابقون والمؤيدون الجدد لأنصار الله
العديد من اليمنيين الجنوبيين، الذين قاتلوا أنصار الله خلال هجومهم على عدن عام 2015، يدعمون الآن العمليات العسكرية لهذه الحرکة في البحر الأحمر.
في معرض إشادته بالزعيم الحالي لأنصار الله، قال أحد العاملين الشباب في مجال الخدمات في عدن: "نبارك هذه العمليات البطولية، ونعطي قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي مهمة ونيابة اتخاذ الإجراءات اللازمة لدعم الشعب الفلسطيني، وبينما لم يجرؤ أحد من زعمائکم (في إشارة إلی الكاتب) على قول "لا" لعدوان العدو الصهيوني على غزة، أو حتى إدانة جرائم واعتداءات بني صهيون، وقف رجل القول والفعل السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بموقفه المشرف والشجاع".
وباعتبار أن سكان عدن عام 2015 كانوا يعيشون في ظل الرعب من حركة أنصار الله، فوجئت بإجابته وسألته إذا كان يثق في أنصار الله أم لا، فأجاب: "في رأيي أنهم فعلوا الأفضل (في فلسطين)، ولكن مهما كان الأمر، فإن عدونا موجود في اليمن، ومع ذلك، ليس علينا أن نؤمن بهم؛ وأخيراً، كل طرف في هذه الحرب له مصالحه الخاصة".
كما تظهر آراء اليمنيين، فإن أنصار الله لا يرون أي سبب لوقف هجماتهم، ومن غير المرجح أن تتمكن الولايات المتحدة من التغلب على تقنياتهم الرخيصة، التي توفرها إيران، وبهذه الطريقة، تكتسب أنصار الله الشرعية في جميع أنحاء اليمن؛ حتى في المناطق التي لا يحكمونها، ويمتد هذا التأثير إلى الشرق الأوسط بأكمله و"الجنوب العالمي".
حتى أن عدداً من المواطنين الغربيين، الذين تعذبهم صور معاناة الناس في غزة، لديهم المشاعر نفسها، وقال أستاذ قانون يعيش في شمال اليمن عن الوضع الاجتماعي في هذا البلد: بعد تدخل القوى الأجنبية في "دعم مشاريع تهدف إلى زعزعة استقرار الحكومة (اليمنية)، لم يعد لدينا ما نخسره"؛ وهي الحقيقة التي أكد "أنها كانت واضحةً على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية".
حيث أدى الحصار البحري المفروض على شمال اليمن (الذي من المتوقع أن يكون رفعه جزءا من اتفاق السلام بين أنصار الله والسعودية) إلى وضع وصفته الأمم المتحدة بـ "أسوأ أزمة إنسانية في العالم"؛ إلی أن خلقت حرب "إسرائيل" على غزة وضعاً أكثر كارثيةً من الوضع في اليمن بالنسبة لأهل هذا القطاع.
يواجه كل من اليمن وفلسطين عقوبات تفرضها قوى أجنبية؛ بينما يتم تقديم أقل المساعدة لتخفيف المعاناة وتقديم الخدمات المنقذة للحياة لهم، وحتى يونيو/حزيران 2023، لم تتلق وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، سوى 107 ملايين دولار من الميزانية البالغة 300 مليون دولار المطلوبة لمواصلة عملياتها، هذا في حين أن الدول الرئيسية الممولة لهذه الوكالة، توقف الآن مساعداتها لها.
كما أظهرت إحصائيات أغسطس 2023، أن أقل من ثلث الميزانية التي يحتاجها برنامج الاستجابة الإنسانية التابع للأمم المتحدة، تم توفيرها لمساعدة اليمن، وفي الوقت نفسه، تواجه الجهود الأمريكية لتشكيل تحالف ضد أنصار الله حالياً مأزقاً، إذ إن الإمارات والسعودية، حليفتا واشنطن في الخليج، غير مهتمتين بدعم الحملة الأمريكية علناً.
وأحد أسباب هذا التردد هو أن القتال لمصلحة "إسرائيل"، ليس عرضاً جذاباً على الإطلاق، والسبب الآخر هو أن هذه الدول تعلمت الآن درساً تعلمه العثمانيون والبريطانيون والمصريون من قبلهم: من الصعب للغاية هزيمة اليمنيين في ساحة المعركة.
إن المحللين الغربيين، عندما يدرسون ردود أفعال الدول ذات الأغلبية المسلمة إزاء الفظائع المرتكبة في غزة، كثيراً ما يركزون بشكل حصري على عامل معاداة السامية، في حين أن مثل هذه التعليقات سطحية للغاية.
تتجاهل هذه التحليلات الهوية والخبرة التاريخية المشتركة لهذه المجتمعات من الاستعمار والتدخل العسكري والاحتلال، والدكتاتوريات المدعومة في كثير من الأحيان من قبل القوى الأجنبية، هذا في حين أنه يکفي أن ينظر اليمنيون في عدن أو صنعاء من نافذة منازلهم، ليروا أنقاض المباني التي تم قصفها (مثل منازل الفلسطينيين) بأسلحة غربية، وهذه الصور هي تذكير مرير ودائم بالمعاناة التي يعيشها الفلسطينيون حاليًا.