الوقت - أعلن الجيش الصهيوني يوم الأحد الماضي أن كل قوات الجيش، باستثناء لواء واحد مهمته منع انتقال السكان من جنوب قطاع غزة إلى شماله، قد غادرت جنوب القطاع، ونشرت وكالة رويترز هذا النبأ دون تقديم أي توضيحات أخرى من المتحدث باسم الجيش الصهيوني.
يقدم الکيان الصهيوني علی سحب قواته البرية من جنوب قطاع غزة في وقت يمر بوضع خاص، وبعد الفشل في إطلاق سراح الأسرى الصهاينة لدی المقاومة في غزة من جهة، واستمرار وجود المقاومين الفلسطينيين في هذه المنطقة من جهة أخرى، فإنه يخبر الجميع بالهزيمة المشينة للكيان الصهيوني والأهداف المحددة سلفاً لهذه المعركة.
الوضع الخاص للكيان الصهيوني مع بداية الشهر السابع من الحرب
يواجه الكيان الصهيوني حالياً أربع أزمات خطيرة، كل واحدة منها تضع هذا الكيان في مأزق.
فمن ناحية، بعد استهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، ينتظر الكيان الصهيوني الرد الإيراني، وهذا التوقع جعله في حالة تأهب، ومن ناحية أخرى، اشتدت صراعات هذا الكيان مع حزب الله في شمال فلسطين المحتلة، وأعلنت سلطات الكيان الصهيوني عن صراع وشيك مع حزب الله في الأشهر الأخيرة.
وثالثاً، يتعرض الکيان الصهيوني لضغوط احتجاجات في الشوارع يقوم بها بعض الصهاينة المقيمين في فلسطين المحتلة - الذين يعبّرون عن تعاطفهم مع أهالي أسرى هذا الکيان - والتي تزداد حدتها يوماً بعد يوم.
وأخيراً، منذ أن أعلن الصهاينة أنهم يستعدون لهجوم بري على منطقة رفح، كان لديهم خلاف خطير مع الحكومة الأمريكية، وهذا الاختلاف جعلهم يتعرضون لضغوط من إدارة بايدن، رئيس الولايات المتحدة.
الأسباب المحتملة لانسحاب القوات البرية من قطاع غزة
بالنظر إلى الأزمات الأربع المذكورة أعلاه، يبدو أن انسحاب قوات الجيش من قطاع غزة أمر مشكوك فيه، والسؤال الآخر هو لماذا يسحب الکيان الصهيوني معظم قواته من قطاع غزة في هذه الظروف؟ والسؤال الأساسي هو أن الكيان الصهيوني الذي سبق أن أعلن عن استعداده لمهاجمة رفح، وشهر رمضان يقترب من نهايته، لماذا قرّر فجأة الانسحاب من غزة؟
الاستعداد للتعامل مع الرد الإيراني
إن هجوم الکيان الصهيوني على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، كان بمثابة تجاوز لخط أحمر يعرفه الصهاينة أنفسهم أكثر من أي شخص آخر، ولن يمر دون رد، وفي الواقع، فإن هذا اليقين بالرد الإيراني، جعل الکيان الصهيوني في حالة تأهب قصوى منذ أسبوع مضى.
ولا يشمل هذا الاستعداد القوات العسكرية والأمنية فحسب، بل يشمل أيضًا قوات الإنقاذ ومنظمات الإغاثة، ويعلم الکيان الصهيوني أن إيران تصمّم وتنفّذ دائماً أفعالها بصبر، وهذا الصبر التكتيكي يؤدي إلى تآكل القوى وضغط الرأي العام.
ولذلك، يبدو أن أحد الأسباب المحتملة لانسحاب القوات البرية للكيان الصهيوني، هو أنهم يقومون بإعداد هذه القوات لضربة إيرانية.
الهجوم على جنوب لبنان
منذ اليوم الثاني للحرب في الـ 8 من أكتوبر 2023، دخل حزب الله اللبناني في معركة مع الكيان الصهيوني في شمال فلسطين المحتلة، واشتبك مع ثلث قوة جيش الكيان هناك، وترافق دخول حزب الله إلى الحرب مع منحدر تصاعدي خفيف.
حيث زادت المقاومة الإسلامية في لبنان تدريجياً من ضغط هجماتها، لدرجة أن أكثر من 80% من المستوطنات في شمال فلسطين المحتلة أصبحت الآن فارغةً، وفي استطلاع حديث للرأي، قال 81% من سكان المستوطنات الشمالية إنهم غير مستعدين للعودة إلى المستوطنات الشمالية، حتى ينتقل حزب الله إلى أعلى نهر الليطاني.
ولذلك، فإن الکيان الصهيوني يواجه حالةً من الفوضى في الشمال، الأمر الذي يفرض في الواقع تكاليف باهظة على هذا الکيان، وخلال الشهرين الماضيين، دأبت السلطات العسكرية والسياسية في الکيان الصهيوني على إعلان صراع مؤكد مع حزب الله في الشمال، وأعلنت أنه بعد غزة، سيأتي دور الصراع في الشمال ولذلك، يمكن القول إن انسحاب قوات الجيش الصهيوني من غزة، يمكن أن يكون مقدمةً لسيناريو الهجوم على لبنان.
الاستعداد لمهاجمة رفح
لقد أعلنت سلطات الکيان الصهيوني دائمًا لوسائل الإعلام الصهيونية والغربية أن الهجوم على رفح أمر ضروري، وأن عدم تنفيذ هذا الهجوم سيجعل الأشهر الستة الأخيرة من الحرب في غزة دون أي نتائج.
وهذه القضية خطيرة للغاية بالنسبة لسلطات الکيان الصهيوني، لدرجة أنها قبلت تكلفة الخلاف مع أمريكا، ورغم الإعلان الرسمي للمسؤولين الأمريكيين، فقد صرحوا بأنه إذا لم ترافقهم الولايات المتحدة في الهجوم على رفح، فإنهم سيفعلون ذلك دون دعم أمريكي.
ونتيجةً لذلك، فإن أحد الخيارات الممكنة هو أن يقوم الصهاينة في هذه المرحلة، بهدف تجميع القوات وتجهيزها، باستدعاء قوات جيشهم من غزة للاستعداد لهجوم بري على رفح؛ وخاصةً أن شهر رمضان المبارك على وشك الانتهاء أيضاً، ويتخلصون جزئياً من همومهم الماضية بشأن إثارة مشاعر وأحاسيس المجتمعين الإسلامي والعربي.
تخفيف الضغوط الدولية
يتعرض الکيان الصهيوني لضغوط دولية وإقليمية شديدة، بسبب جرائم الإبادة الجماعية والقتل التي ارتكبها في قطاع غزة.
في الوقت الحاضر، فإن أزمة الاحتجاجات الداخلية، وضغوط الحكومة الأمريكية لمنع الهجوم على رفح، والضغوط النفسية الناجمة عن الرد الإيراني، والأزمة المتنامية الناجمة عن تصرفات أنصار الله في البحر الأحمر، والضغوط التي تمارس على الکيان بعد هجماته على مؤسسات الإغاثة الدولية، قد وضع الصهاينة في وضع صعب أكثر من أي وقت مضى، ولذلك، فإن احتمال سقوط هذا الکيان في هاوية الدمار والانهيار قائم بإحدى هذه الأزمات.
وأحد الخيارات المحتملة هو أن يتخذ الکيان الصهيوني إجراءً مؤقتًا وتكتيكيًا لتقليل هذه الضغوط، ومحاولة تخفيف بعض هذه الضغوط من خلال سحب قواته من قطاع غزة.
عملية تبادل الأسرى
يتواجد حالياً في القاهرة وفد من حركة حماس بقيادة "خليل الحية"، لإجراء مفاوضات غير مباشرة مع الصهاينة بوساطة مصرية وقطرية بشأن تبادل الأسرى.
كما تتحدث وسائل إعلام الکيان الصهيوني عن استعداد الفريق المفاوض التابع للكيان الصهيوني للسفر إلى القاهرة، وأحد الخيارات المحتملة هو أن يسحب الکيان الصهيوني جزءًا من قواته من غزة، في إطار خطة تبادل الأسرى.
خداع المقاومة لاغتيال قادة المقاومة
أحد الاحتمالات هو أن الکيان الصهيوني، الذي لم يتمكن بعد من تحقيق أهدافه – أي تحرير الأسرى وتدمير حماس باغتيال قادتها – سيخدع فصائل المقاومة بسحب قواته من قطاع غزة.
بحيث إنهم بخروجهم من مخابئهم وتواجدهم في الميدان، سيعطون الأجهزة الأمنية للكيان الصهيوني المزيد من الإشارات لوصول الصهاينة إلى أهدافهم، وخاصةً أنه خلال الأيام الماضية تزايدت دوريات الطائرات دون طيار التابعة للكيان الصهيوني.
بالإضافة إلى كل الخيارات الممكنة المذكورة أعلاه، ربما يكون الكيان الصهيوني قد صمّم عدة خيارات معًا وسحب قواته لتنفيذ عدة خيارات، بحيث إنه إلى جانب خداع المقاومة في قطاع غزة، سيبدأ عمليات ضد حزب الله، وفي الوقت نفسه يخدع الرأي العام العالمي من أجل تخفيف الضغط الدولي.
وباختصار يمكن القول إن قيام الكيان الصهيوني بسحب قواته من قطاع غزة لا يخرج عن حالتين: فإما أن الصهاينة يستعدون لعمل عسكري جديد، أو أنهم يستعدون لقبول الهزيمة في قطاع غزة، والتحرك نحو إنهاء الأزمة بالاعتماد على الحلول المدنية.