الوقت - بعد مرور خمسين عاماً على المواجهة المباشرة الثانية والأخيرة بين الجيش العراقي والجيش الإسرائيلي في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، لا يزال العراقيون يذكرون بفخر حضورهم في الجبهتين السورية والمصرية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
بينما بعد النجاحات الباهرة الأولية في الحرب للعرب، وبسبب دعم الغربيين، سرعان ما تحولت كفة الميزان لمصلحة الجيش الصهيوني وبدأ الصهاينة تقدماً سريعاً في الأراضي السورية، وحتى دمشق كانت على وشك الهزيمة، في الـ 11 من أكتوبر 1973 أي في اليوم السادس للحرب، دخلت القوات العراقية هذه الحملة ولم تسمح للغزاة بالتقدم أكثر.
والآن، بعد مرور سنوات طويلة على هذا الحدث المشرف في تاريخ العراقيين المعاصر، مرةً أخرى وبسبب الحرب في غزة تفتح القوات العراقية جبهةً مباشرةً ضد الأراضي المحتلة، ويتسع نطاقها يوماً بعد يوم.
فمنذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أعلنت فصائل المقاومة العراقية مسؤوليتها عن عشرات الهجمات على أهداف في الأراضي المحتلة، فضلاً عن مواقع للقوات الأمريكية في العراق وسوريا.
إن تكرار الضربات المؤلمة والهادفة والمتواصلة التي وجهتها المقاومة العراقية للمصالح الاقتصادية والأمنية للكيان الصهيوني في الأيام الأخيرة، يعزز التكهنات بأن التصرفات المتهورة لمجلس الوزراء الصهيوني التي تؤجج نار الحرب من خلال مهاجمة القنصلية الإيرانية في دمشق، تجعل تفعيل الجبهة العراقية على جدول الأعمال، كإحدى أوراق المقاومة المتوقعة لإطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها في استراتيجية "وحدة الساحات".
إجراءات واستراتيجية المقاومة الإسلامية العراقية في الحرب
بدأ الدخول غير الرسمي للمقاومة العراقية في الصراع في الـ 17 من أكتوبر/تشرين الأول، بالتحضير لشن هجمات على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا، بهدف الضغط على واشنطن لوقف الغارات الجوية المكثفة التي يشنها الکيان الإسرائيلي على غزة.
لكن بعد الهجوم الجوي للولايات المتحدة الأمريكية على منشآت تابعة للقوات العراقية والحشد الشعبي، والذي أدى إلى استشهاد أبو باقر الساعدي قائد كتائب حزب الله العراقي، وكذلك بدء العمليات البرية للجيش الصهيوني في غزة بضوء أخضر من واشنطن، أعلنت المقاومة العراقية بدء المرحلة الثانية من عمليتها العسكرية بضرب أهداف مباشرة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأعلن أبو آلاء الولائي، الأمين العام لكتائب سيد الشهداء العراقية، في الأيام الأولى لبدء المرحلة الثانية من العملية، عن التحضير لهجمات صاروخية وطائرات انتحارية مسيرة ضد ميناء أشدود على ساحل البحر الأبيض المتوسط في الأراضي المحتلة، وقبل ذلك في حيفا وحقل غاز "كاريش".
وخلال الأشهر الماضية، أعدّ العراقيون العديد من العمليات الناجحة ضد المراكز الاقتصادية في الأراضي المحتلة، لكن معظم الاهتمام الدولي تركز على جبهة البحر الأحمر وعمليات أنصار الله البحرية ضد السفن الصهيونية، أما الآن، ومع انحسار موجة الصراعات في البحر الأحمر، فقد شهد عدد عمليات المقاومة الإسلامية العراقية تطوراً كبيراً على المستويين الأمني والاستراتيجي.
وفي مارس/آذار، أعلنت "المقاومة الإسلامية في العراق" مسؤوليتها عن هجمات على مجموعة واسعة من الأهداف، بما في ذلك ما لا يقل عن سبعة مطارات وموانئ بحرية وقاعدة جوية عسكرية في الکيان الإسرائيلي.
وحتى نهاية الشهر الماضي (مارس)، أعلنت المقاومة مسؤوليتها عن هجمات على ميناء إيلات (9 مرات على الأقل)، ومرتفعات الجولان (7 هجمات على الأقل)، وحيفا (6 هجمات)، ومطار بن غوريون (هجومان).
وأعلنت المقاومة الإسلامية في العراق، أمس، أنه رداً على جرائم الکيان الصهيوني، "استهدف مجاهدونا مصفاة النفط الإسرائيلية في حيفا بطائرة دون طيار". وقبل ذلك بثلاثة أيام، استهدفت هذه المجموعة قاعدة رمات ديفيد الجوية، وهي إحدى القواعد الجوية الإسرائيلية الثلاث الرئيسية والمهمة جنوب شرق حيفا، شمال الأراضي المحتلة، والتي تُظهر بنك أهدافها الدقيقة وتكنولوجيا الأقمار الصناعية والأسلحة الدقيقة المتقدمة لديها.
تجدر الإشارة إلى أن "المقاومة الإسلامية في العراق"، هي تنظيم عسكري حديث النشأة، يضم عدداً من فصائل وجماعات المقاومة العراقية، أعلنت وجودها بعد الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتعتبر حركة النجباء وكتائب سيد الشهداء القوتين الأساسيتين اللتين تشكلان "المقاومة الإسلامية في العراق"، التي تطلق طائرات مسيرة وصواريخ كروز باتجاه الکيان الإسرائيلي.
ويعتقد البعض أن المقاومة ربما تكون قد تمكنت من إطلاق صواريخها عبر طريق مجهول، ربما على طول الحدود العراقية السعودية، وعلى طول جنوب الأردن حتى ميناء إيلات الاستراتيجي.
وكانت المقاومة الإسلامية في العراق قد أعلنت يومي الـ 7 والـ 16 من كانون الثاني/يناير، أنها استخدمت صواريخ كروز الأرقب (من سلسلة القدس) ضد الکيان الإسرائيلي، لكن معظم العمليات (حوالي ثلاثة أرباعها) تم تنفيذها باستخدام طائرات دون طيار، ما يدل على التقدم الكبير الذي حققته المقاومة العراقية في الحصول على هذه التكنولوجيا العسكرية المهمة، والضعف الكبير للکيان في هذا المجال.
وسبق أن تحدث حسين الموسوي المتحدث الرسمي باسم حركة النجباء في العراق لـ"الميادين نت"، عن سبب التركيز بشكل أكبر على موانئ "إسرائيل" ومنشآت استراتيجية أخرى في المرحلة الثانية بالقول: "تهدف هذه الهجمات إلى حرمان إسرائيل من الموارد المالية، وخلق ضغوط اقتصادية والحد من التجارة البحرية للکيان في منطقة البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر".
وأشار الموسوي إلى أن "المقاومة العراقية لديها القدرة على إنتاج أسلحة لاستهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي"، وأضاف: "إن أهمية استهداف المصالح والقواعد الأمريكية في المنطقة، والمناطق الحيوية والاستراتيجية والعسكرية لکيان الاحتلال، تتجلى في المرحلة المقبلة من التخطيط الاستراتيجي (الحربي) طويل المدى".
قبل أكثر من ثلاثة عقود، خلال حرب الخليج الأولى، كتب عكيفا الدار، المحلل الإسرائيلي المعروف، في صحيفة هآرتس: "ليس هناك شك في أنه مع انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، أصبحت الجبهة الشرقية خطيرةً للغاية بالنسبة لإسرائيل، وعاجلاً أم آجلاً، يتعين علينا أن نتعامل مع التهديد الذي يمثّله العراق، حتى لو سقط آلاف الضحايا".
رغم أن هذا الموقف اتخذ آنذاك بمثابة استفزاز من جانب الکيان الإسرائيلي للهجوم الأمريكي على العراق، على الرغم من انسحاب القوات البعثية من الكويت، وذلك لإضعاف القوات المسلحة العراقية، إلا أن دقة تنبؤات وتحذيرات عكيفا الدار " محلل سياسي ومؤلف وصحفي إسرائيلي" انكشفت الآن؛ حتى عندما لم تنزل كل فصائل المقاومة العراقية، بل جزء محدود منها، إلى الميدان، وضيّقت المجال علی الصهاينة في الجبهة الشرقية.