الوقت – في 30 آذار/مارس 1976، استولت قوات الاحتلال التابعة للكيان الصهيوني على آلاف الهكتارات من الأراضي الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1948، في حين كانت غالبية هذه المناطق لا تزال فلسطينية، وفي الوقت نفسه، تم تنظيم إضراب كبير وسار آلاف الفلسطينيين من الجليل إلى النقب، وهاجمت قوات الاحتلال الصهيوني المتظاهرين وأسفرت المواجهات عن مقتل عشرة فلسطينيين وإصابة واعتقال المئات على يد قوات الأمن الإسرائيلية.
وكانت هذه هي المرة الأولى منذ عام 1948 التي ينظم فيها الفلسطينيون الذين يعيشون في الأراضي المحتلة أو من يسمون "عرب إسرائيل" مظاهرة حاشدة ردا على سياسات الاحتلال التي تنتهجها الحكومة الصهيونية، حيث يتصرفون بصفة وطنية فلسطينية.
ومنذ ذلك الحين، يعتبر يوم الأرض حدثًا مهمًا في النضال التاريخي للأمة الفلسطينية ضد الاحتلال، ويحتفل الفلسطينيون بهذا اليوم.
لكن من المؤكد أن احتفال يوم الأرض هذا العام سيقام في ظروف مختلفة تمامًا عن السنوات السابقة، حيث ينشغل الفلسطينيون في غزة هذه الأيام بالدفاع عن أرضهم ضد الغزو الهمجي العسكري الصهيوني، ومنذ بداية الغزو استشهد أكثر من 30 ألف شهيد ومئات الآلاف من الجرحى، وهم يعيشون حياة مؤلمة في ظل الغزو الإسرائيلي، وضغط النزوح الشديد وأزمة المجاعة والجوع.
خلال هذه الفترة، تحول قطاع غزة بشكل منهجي إلى خراب، وقد تم استهداف البنى التحتية المدنية، بما في ذلك المنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد ودور العبادة والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية، من خلال الهجمات البرية والجوية التي شنها النظام الصهيوني، كما تم استهداف المباني التابعة للأونروا من خلال الغارات الجوية وتدميرها، والآن هذا قطاع غزة غير صالح للسكن تماما.
من ناحية أخرى، تزامن يوم الأرض لهذا العام مع الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، حيث يستعد مسلمو العالم، وخاصة سكان الضفة الغربية، للجمعة الأخيرة من هذا الشهر ويوم القدس المهم، في كل عام، ومع نهاية شهر رمضان المبارك، ينفذ الصهاينة إجراءات وبروتوكولات أمنية مشددة، وخاصة في مسجد الأقصى، وهذا العام، يشعر مجلس الوزراء الصهيوني بقلق بالغ إزاء الأزمة في الضفة الغربية بسبب الحرب على غزة خلال شهر رمضان المبارك، وزادت الضغوط الأمنية على سكان الضفة الغربية، ولذلك فإن هذا التزامن بين يوم الأرض ورمضان وحرب غزة يمكن أن يحول كابوس الصهاينة إلى واقع جميل للانتفاضة الفلسطينية.
وخلافا لادعاءات القادة الصهاينة مثل ديفيد بن غوريون وغولدن ماير بأن الكبار سيموتون والصغار سوف ينسون يوم النكبة 1948، فإن الفلسطينيين لم ينسوا أبدا قضية الحرية الفلسطينية، رحل العجائز، لكنهم بعد ذلك سلموا مفاتيح المنازل التي أجبروا على تركها وشعلة النضال من أجل الحرية للشباب لمواصلة رحلتهم، والآن أصبح الشباب أنفسهم كبارًا في السن، لكنهم لن ينسوا هذا اليوم هم ولا أطفالهم أبدًا.
إن الفلسطينيين يعذبون ويعاقون ويستشهدون، لكنهم ما زالوا يهزون الأرض تحت أقدام الصهاينة دفاعا عن أرضهم وشرفهم
يقول محمود درويش، الشاعر الفلسطيني الراحل، في ذكرى "يوم الأرض": "في شهر مارس، عام الانتفاضة، أخبرتنا أرضنا بأسرارها العنيفة"، ولو عاش اليوم لقال بلا شك: "في شهر آذار/مارس، أثناء اقتحام الأقصى، أخبرتنا الأرض بكل أسرارها العنيفة".
يحتفل جميع الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة بيوم 30 آذار/مارس باعتباره يوم الأرض، ولا شك أن هذا اليوم يمثل رمزا وتحديا كبيرا يكسر الحدود التي فرضها الاحتلال بمآسيه وجرائمهن وهذا تذكير بنضال الفلسطينيين المستمر منذ 76 عامًا، وليس هناك ما هو أثمن من الأرض التي يمكن أن تعبر عن وطنية الفلسطينيين ونضالهم من أجل استعادة الوئام والوحدة الوطنية بين جميع الفصائل الفلسطينية، كما أنه يعبر عن آمال وآلام الأمة التي تحاول القوى العالمية وضباع هذا العالم تدمير الفلسطينيين.
الانتفاضة هي الترياق للفصل العنصري اليهودي
أصدرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 العديد من القوانين في محاولة لإضفاء الشرعية على سيطرتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة، من بينها "قانون أملاك الغائبين" و"قانون الأراضي".
وفقاً لقانون أملاك الغائبين، فإن "الغائبين" هم المقيمون غير اليهود في فلسطين الذين تركوا مكان إقامتهم المعتاد إلى أي مكان داخل البلاد أو خارجها بعد صدور قرار التقسيم التابع للأمم المتحدة، وبموجب هذا القانون، يُطلب من المالكين "الغائبين" إثبات "وجودهم" حتى تعترف الحكومة الإسرائيلية بحقوقهم في الملكية.
وقد سمح ذلك لنظام الفصل العنصري الصهيوني بالاستيلاء على أكثر من مئة ألف هكتار من أخصب الأراضي في فلسطين.
كما أن هناك عددًا من القوانين الأخرى تحد من حركة السكان العرب بين الأراضي المحتلة عام 1948 والأراضي المحتلة عام 1967، وتهدف جميع هذه القوانين إلى تعزيز التهويد الكامل للأراضي المحتلة، والتي يبلغ عدد سكانها حاليًا ما لا يقل عن 20٪ من غير اليهود، وقد فُرضت سياسات تهويد ممنهجة على المواقع التاريخية الفلسطينية وعلى المساجد والكنائس.
وتتركز عملية التهويد في منطقتي الجليل والنقب في فلسطين المحتلة، وكذلك في القدس، وحاولت حكومة بنيامين نتنياهو العنصرية إخضاع النظام القضائي الإسرائيلي للسيطرة السياسية، وهو ما يرتبط بانتهاك حقوق الفلسطينيين أكثر من ارتباطه بالصهاينة المحتلين، ويريد نتنياهو ووزراؤه اليمينيون المتطرفون إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش السيطرة على عملية صنع القرار السياسي دون رقابة قضائية، وهو ما تمليه أجندة الأحزاب الدينية المتطرفة والعنصرية، ومن القرارات التي تكرّس التطهير العرقي للسكان الأصليين.
في حين أن المحكمة العليا تدعم الاحتلال في كل مرة تظهر فيها حالات انتهاك واضحة للحقوق الفلسطينية، ولا تتخذ أي إجراء ضد مرتكبيها، إلا أن القضية تبين أن الشعب الفلسطيني وحده هو القادر على حمل سلاح المقاومة والانتفاضة لحماية حقوقه واستعادة أراضيه، أسوة بنضال سكان غزة البطولي أثناء اقتحام الأقصى والدفاع عن الأرض.