الوقت - تستمر الحرب في غزة منذ 143 يومًا، بينما لم يتم التوصل إلى وقف فعال لإطلاق النار لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والغذاء والدواء، وإنهاء جرائم الصهاينة ضد المدنيين، بل دفع اتساع نطاق الصراعات من شمال غزة إلى جنوب هذا القطاع، مسؤولي الأمم المتحدة إلى التحذير مراراً وتكراراً من كارثة إنسانية، تتمثل في المجاعة ونقص المرافق الصحية.
ومع ذلك، فقد تزايدت في الأيام الأخيرة التحركات السياسية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتتحدث الأطراف الغربية المتفاوضة في باريس عن إمكانية أن تكون هذه الجولة من المفاوضات مثمرةً.
في غضون ذلك، أعلنت بعض المصادر الإعلامية عن خطط لدمج الفصائل الفلسطينية في حكومة تكنوقراط، ووصفت استقالة رئيس وزراء السلطة الفلسطينية محمد اشتية أمس بأنها مقدمة لتنفيذ هذه الخطة.
لكن رغم هذه التفاؤلات، فإن السلطات الصهيونية، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو، ورغم الضغوط الداخلية الواسعة من جانب المعارضة وعائلات الأسرى، تصر على مواصلة الحرب حتى في حال التوصل إلى اتفاق مؤقت مع حماس، وهو الأمر الذي تعتبره الحرکة غير مقبول على الإطلاق لتحقيق أي نجاح، وطالبت بضرورة توفير الضمانات الدولية لوقف اعتداءات الکيان والوفاء بالتزاماته.
وتواصل الحكومة الأمريكية، التي تدعي الضغط على تل أبيب لقبول الاتفاق ووقف إطلاق النار، استخدام حق النقض (الفيتو) على القرارات التي اقترحتها الدول الأخرى في مجلس الأمن لوقف الحرب، وهي قضية تثير الشكوك في صدق مواقف البيت الأبيض.
نظراً لهذا الغموض، وللحصول على معلومات أكثر تفصيلاً حول سير مفاوضات باريس وسيناريوهاتها، تحدث "الوقت" مع السيد أصغر زارعي، الخبير في قضايا المنطقة.
الوقت: محادثات باريس جارية، فهل تم إحراز تقدم ملموس في تقريب وجهات النظر للتوصل إلى اتفاق؟
السيد أصغر زارعي: حسب الأخبار التي نشرت في وسائل الإعلام، فقد تم الاتفاق على وقف إطلاق النار لمدة أسبوع، وتبادل الأسرى لدى حماس بعدد كبير من الأسرى لدى الکيان الصهيوني، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق حازم حتى الآن، وتشارك في هذه المفاوضات عدة دول أوروبية وقطر ومصر وفرنسا والكيان الصهيوني، لكن لا يوجد منظور واضح لهذه القضية.
إن إرسال المساعدات الإنسانية ووقف العمليات العسكرية في غزة، شرط مسبق مهم تصرّ عليه حماس، وبعد التوصل إلى وقف إطلاق النار، فإن القضية الأهم هي تبادل الأسرى، كما قال نتنياهو في مقابلة: إن هناك ضغوطاً كبيرةً علينا بسبب إطلاق سراح الأسرى، وأعترف بأن أحد أهدافنا المهمة هو إطلاق سراح الأسرى، لكن ذلك لم يتحقق بعد.
کذلك، أعلنت وكالات الأنباء الأمريكية ومراكز استخباراتية وأمنية في آخر تقديراتها، أن نسبةً كبيرةً من قوات حماس لا تزال باقيةً في قطاع غزة، ولم يتمكن الکيان الصهيوني من إجبارهم على الاستسلام، ويمكن القول إن هذه هي القدرة التي تمتلكها قوات حماس، وقد شكلت هذه القضية ضغوطاً كبيرةً على نتنياهو والكيان الصهيوني.
الوقت: أعلن نتنياهو أنه سيواصل مهاجمة رفح حتى لو تم التوصل إلى اتفاق... ما هي نظرة السلطات الصهيونية إلی أوضاع ساحة المعركة وطاولة المفاوضات؟، وهل يهدر الکيان الإسرائيلي الوقت ويصل بالمفاوضات إلى طريق مسدود؟
السيد أصغر زارعي: إن استمرار الحرب لأكثر من أربعة أشهر، يظهر إصرار وعناد نتنياهو والحكومة الصهيونية في استمرار الحرب، وكما قلت، لم يتحقق أي من أهداف الصهاينة في غزة.
والقضية التي يصرّ عليها المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية اليوم، هي أن الشرط الأول الذي يمكن أن يجعل المفاوضات أقرب إلى النجاح، هو أن يقبل نتنياهو شخصياً مسألة وقف العمليات العسكرية في غزة ورفح، حتى تكون الظروف مهيأةً للمفاوضات، وأي إجراء مثل تبادل الأسرى ممكن بعد ذلك.
الوقت: في غضون ذلك، تم طرح الخطة العربية المقترحة لدمج الجماعات الفلسطينية، بما في ذلك حماس، في حكومة تكنوقراط. أولاً، ما هو الغرض من هذه الخطة، وثانياً، هل ستكون فعالةً في ظل معارضة مسؤولي السلطة الفلسطينية؟
السيد أصغر زارعي: أعتقد أن هذه الخطة مؤامرة جديدة، ولا ينبغي لسلطات حماس أن تستسلم لها، وكانت هذه القضية أحد الأهداف التي سعى إليها الكيان الصهيوني منذ بداية الصراع.
لقد كان تدمير حماس هو الهدف الرئيسي للصهاينة، والآن بعد مرور أربعة أشهر على استمرار الحرب، وعدم التمكن من إجبار حماس على الاستسلام وتحقيق الأهداف المنشودة بالطرق العسكرية وارتكاب المجازر، يريدون مع رؤساء بعض رؤساء الدول العربية إنشاء تيار تسوية بطريقة أو بأخرى في فلسطين في المستقبل.
وعلى غرار التيار الذي خلقه محمود عباس وأنصاره في الضفة الغربية، يريدون تنفيذ ذلك في كل فلسطين وغزة، وفي هذه الحالة، ينبغي اعتبار المقاومة أمراً منتهياً في هذه المنطقة.
الوقت: تتابع الدول الغربية والعربية تنفيذ خطة حل الدولتين في مفاوضات وقف إطلاق النار، بينما ينخرط الطرفان الرئيسيان، أي حماس والحكومة الصهيونية، في متابعة الأهداف المتعلقة بالحرب، رغم هذا التضارب في الأهداف، هل يمكن التنبؤ باتفاق محتمل يتضمن خطة حل الدولتين؟
السيد أصغر زارعي: الغرب يتابع هذه الخطة، وقد أشار الرئيس الفرنسي ماكرون في مقابلة معه إلى مشروع حل الدولتين في الأراضي المحتلة، وأکد على جهود الطرفين لإنهاء الحرب.
بالطبع، هذه الخطة قديمة وتمت مناقشتها من قبل، لكن الحكومة الصهيونية لا تؤمن بهذا الموضوع، وليست مستعدةً للقبول بحكومة فلسطينية ذات مؤشرات مستقلة.
لقد قبل أنصار حماس إسماعيل هنية كزعيم، ولكن في الضفة الغربية، أوجد السيد محمود عباس حکومة تسوية عبر مؤامرة في الضفة الغربية، وقد دفعت هذه القضية الکيان الصهيوني إلى استغلال هذه الفجوة بين التيارات الفلسطينية، ورفض مسألة القبول وتشكيل الدولتين.
وأعتقد أن نتنياهو وحكومته الداعية للحرب يسعون إلى تسوية قضية فلسطين وغزة، من خلال مواصلة الحرب، والإجماع العالمي والوعي العام بجرائم الکيان الإسرائيلي، هو المشكلة الأكبر التي يواجهها نتنياهو.
الوقت: واشنطن ليست صادقةً أيضاً، فمن ناحية، تقترح الولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في المفاوضات، لكنها من ناحية أخرى تمنع انتهاء الحرب باستخدام حق النقض (الفيتو) على قرارات مجلس الأمن... ما هي خطة الغربيين للعب دور في مفاوضات وقف إطلاق النار؟
السيد أصغر زارعي: تتابع الحكومات الغربية وعلى رأسها أمريكا، سياستها المنافقة المعتادة تجاه دول المنطقة، فمن ناحية، يتظاهرون بمحاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار، ومن ناحية أخرى فإنهم لا يتخذون أي إجراءات عملية لإحلال السلام والأمن في قطاع غزة.
وحتى في مواجهة العديد من القرارات التي اقترحها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وآخرها الذي اقترحته الجزائر لوقف الحرب، لم يكن لها أي نتيجة عملياً بسبب الفيتو الأمريكي، ورغم مطالبة المنظمات الحقوقية بوقف إرسال طائرات F-35 الأمريكية المخزنة في هولندا إلى الكيان الصهيوني، إلا أن الحكومات الأوروبية تواصل إرسال وبيع المعدات العسكرية للكيان الصهيوني.
لا توجد إرادة جادة للضغط على نتنياهو وحكومته لوقف الحرب، بل إن البنتاغون هو الذي يدير ساحة المعركة منذ بدء عملية طوفان الأقصى، ومن خلال الطائرات دون طيار فوق غزة، يقدمون المعلومات الحربية للسلطات العسكرية الصهيونية، وبطرق مختلفة، يقدّمون كل الدعم اللوجستي من معلومات وأسلحة للکيان الإسرائيلي دون توقف.
هذه مجرد عروض سياسية ودعاية شکلية من قبل البيت الأبيض والحكومات الأوروبية، لقد رأينا أن وزيرة الخارجية الألمانية أعلنت صراحةً أنه "ليس لدينا أي حظر على دعم "إسرائيل"، وسوف نستخدم جميع التسهيلات المتاحة لنا لتحقيق أهداف "إسرائيل"، ولن يؤثر ضغط المعارضين على هذا الدعم".
