الوقت- وصف خبير في تطورات غرب آسيا هجوم الكيان الصهيوني على رفح بأنه يتماشى مع التصرفات العصبية وغير العقلانية التي قام بها الكيان خلال الأشهر الأربعة الماضية، ويرى أن استمرار مثل هذه التصرفات سيؤدي إلى انخفاض صمود سكان فلسطين المحتلة ولن يوصل تل أبيب إلى أهدافها.
وقال السيد "رضا صدر الحسيني" : إن "أحد أهم القضايا التي ينبغي الاهتمام بها خلال الأشهر الأربعة الماضية هي تصرفات الجيش الإسرائيلي في رفح، والتي أدت إلى مقتل أكثر من 100 فلسطيني"، حيث إن الكيان الصهيوني غير عقلاني تجاه غزة، ولا يمكن مقارنة هذه التدابير بالمعايير العسكرية والعقلانية، وعليه فإن الكيان الصهيوني الذي يقتل أهل غزة من أجل وجوده، سوف يقوم بأي إجراء لا يستطيع حتى عقل الشيطان أن يصل إليه، وقضية رفح ليست استثناء من ذلك.
وأجاب هذا الخبير في تطورات غرب آسيا على سؤال مفاده بأن "بعض المحللين يعتقدون أن هدف هجوم الكيان الصهيوني على رفح هو نقل الفلسطينيين إلى مصر، ويعتقد آخرون أن تل أبيب تريد الضغط على حماس في مفاوضات وقف إطلاق النار وإطلاق سراح السجناء"، وقال: "إن التصرفات غير العقلانية والمنطلقة تماماً من الحب والكراهية تخلق الظروف التي يرتكبها الكيان الصهيوني من أجل تحقيق بعض أهدافه، مثل نقل أهل غزة إلى مناطق أخرى أو الضغط على المقاومة، ولكن بما أن مثل هذه التصرفات غير عقلانية، فإن النتائج التي يبحث عنها الكيان الصهيوني لن تتحقق، بل يمكن أن تأتي بنتائج عكسية.
وأشار إلى تهديد مصر بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد، حيث قال: الآن مصر ليست في وضع يسمح لها بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد نهائيا، رغم مرور 45 عاما على توقيعها، معبرا عن أن هذه النقطة هي علامة على ندم المتنازلين، لأنهم اعترفوا بطبيعة الكيان الصهيوني متأخرين 45 عاما، وهنا يجب أن أشير إلى أن الذين لم يصدقوا أن الكيان الصهيوني قادر على الاتفاق والتحدي، أثبت كلامهم اليوم أن هذا الكيان، مثل الولايات المتحدة، لم يلتزم بأي من اتفاقياته وحيثما تصور، لقد تعرضت مصالحها للخطر، وسوف تنتهك جميع الاتفاقات السابقة.
وقال هذا المحلل لتطورات غرب آسيا عن احتمال استمرار هجوم الجيش الصهيوني على رفح: "بالنظر إلى عدم عقلانية سلوك الكيان الصهيوني في الأشهر الأربعة الماضية، لا يوجد مسار واضح وشفاف يمكن التنبؤ بالتصرفات المستقبلية لهذا الكيان، وبما أن الكيان الصهيوني يشبه الثعبان الجريح، فمن الممكن أن يتخذ إجراءات أخرى لا يمكن التنبؤ بها".
واعتبر أن تأثير التصرفات العسكرية الصهيونية غير العقلانية في قطاع غزة هو انخفاض في صمود الرأي العام العالمي وسكان الأرض الفلسطينية المحتلة، وقال: كما نرى، مع تزايد صمود الرأي العام العالمي وسكان الأرض الفلسطينية المحتلة، والإجراءات المعادية للإنسانية التي يقوم بها الكيان الصهيوني، وسكان الأراضي المحتلة، وخاصة عائلات الأسرى والمفقودين، فإنهم يطالبون حكومة نتنياهو بوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، ما يجلب المزيد من الضغوط ويعبرون عن هذا المطلب يوميا في مظاهراتهم . ورغم عدم وجود تنبؤ واضح بشأن مستقبل المنطقة، إلا أنه يمكن القول إن تصرفات الكيان الصهيوني ستؤدي في النهاية إلى الحد من صمود سكان الأراضي المحتلة وانتصار الشعب الفلسطيني.
وقال "صدر الحسيني" عن معارضة أمريكا لهجوم الكيان الصهيوني على رفح: "ليس بين واشنطن وتل أبيب خلافات استراتيجية مع بعضهما البعض، لكنهما تختلفان فيما بينهما في استخدام بعض التكتيكات، وهذه الخلافات امتدت أيضاً إلى وسائل الإعلام، ورغم ذلك لا بد من القول إن الكيان الصهيوني غير قادر على التقدير والتنبؤ بالمستقبل والرأي العام العالمي بشكل دقيق بسبب الضغط العصبي الشديد، لكن أمريكا لديها احتمال أدق من هذا التقدير وتشعر بالخطر من ذلك مع الضغط المتزايد للكيان الصهيوني على سكان غزة، كما ستحدث أحداث لا يمكن السيطرة عليها داخل أمريكا وأجزاء أخرى من العالم ضد الصهاينة وستتسارع للإطاحة بالكيان الصهيوني".
ولقد سلطت صحف ومواقع إخبارية عالمية الضوء على التداعيات الكارثية للهجوم الإسرائيلي المحتمل على رفح جنوب قطاع غزة وعلى الضغوط التي تتزايد على "إسرائيل" بهذا الشأن، وقال محللون تحدثوا لصحيفة "واشنطن بوست" إن إسرائيل لن تكون قادرة على القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس بشكل كامل، وإن الهجوم على رفح "سيلحق أضرارا لا توصف بالمدنيين وسيثير أزمة إنسانية غير مسبوقة من حيث نطاقها وسرعتها".
وكتب باتريك وينتور في صحيفة "غارديان": إن الضغوط تتزايد ومن كل الاتجاهات على "إسرائيل" بشأن رفح، فيما ينعقد مؤتمر ميونخ للأمن، وقال "إن كل المسؤولين المعنيين بالمناقشات حاضرون، وهناك أيضا شبح العودة إلى محكمة العدل الدولية ومشروع قرار آخر في مجلس الأمن الدولي يطالب إسرائيل بوقف فوري لإطلاق النار"، وسلط تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على التحديات التي يواجهها ما سماه لوبي السلام في واشنطن للدفع نحو وقف إطلاق النار في غزة، ويذكر أن هناك قوى ضاغطة أخرى داعمة لـ"إسرائيل" هي أكثر قوة وتمويلا.
ويشرح التقرير أيضا كيف تقود هذه الجماعات حملات ضد المشرعين المعارضين لأجندتها بمختلف الوسائل تصل إلى حد ضخ الكثير من الأموال لدعم منافسين لهم، أما صحيفة "فايننشال تايمز" فرأت في مقال أن الحصول على السلام والعدالة معا هدف صعب المنال، وكتبت "من الصعب تحقيق العدالة في الجرائم التي ترتكب في غزة حتى بعد انتهاء الصراع".
ويبدو أن هناك حالة ارتباك ما بين نتنياهو والجيش، حسب رؤية الصحفي الإسرائيلي عاموس هاريل، في تحليل نشرته هآرتس، الذي يقول إن الجيش كان يعاني من نقص التوجيهات الواضحة من المسؤولين السياسيين خلال السنوات الماضية، لكن الأمر أصبح أكثر صعوبة حاليا، لأن الحكومة لا تقول للجيش ماذا تريد.. وهناك القليل من الناس، في "إسرائيل" وفي الساحة الدولية، يفهمون ما يهدف إليه نتنياهو.
ويقول الكاتب في الصحيفة اليسارية إنه من الواضح حاليا أن الجيش لا يضغط على الحكومة للتحرك نحو رفح، لأن الأجهزة الأمنية تركز على خان يونس، لمطاردة مسؤولي حماس، وعلى رأسهم يحيى السنوار، وهو ما يتطلب أسابيع وليس من المؤكد أن الأمر سينتهي بالقبض على السنوار أو غيره، ولا تزال هناك مخيمات للاجئين في وسط قطاع غزة، وهي مخيمات النصيرات ودير البلح، لم تعمل فيها "إسرائيل" بعد، وتعتبر كتيبتا حماس المتبقيتان هناك أقوى وأفضل تنظيما من الكتائب الأربع الموجودة في رفح، ولا تزال لدى المعسكرات المركزية بنية تحتية لإنتاج الأسلحة لم يتم ضربها بعد.
تقع رفح جنوب قطاع غزة، وتشكل مع مخيماتها المحافظة الخامسة وفق التقسيم الإداري لقطاع غزة، وتمتد مساحة المدينة على 55 كيلومترا مربعا، من أصل 151 كيلومترا مربعا هي كامل مساحة المحافظة، وتقع جنوب قطاع غزة على الحدود مع مصر، ويبلغ عدد سكانها 296 ألفا و661 نسمة وفق إحصائيات عام 2022، وتشكل بوابة القطاع إلى العالم الخارجي، ويقع فيها معبر رفح المخصص لسفر المواطنين عبر مصر، ومعبر كرم أبو سالم المخصص لإدخال البضائع عبر "إسرائيل" إلى القطاع، وبقايا مطار غزة الدولي الذي أغلقته سلطات الاحتلال عام 2000 ثم دمرت المدرج عام 2001.
بعد 130 يومًا من العدوان، تحولت رفح إلى خزان للنازحين من عموم مناطق القطاع، حيث قدرت الأمم المتحدة عدد اللاجئين إلى المدينة بـ 1.4 مليون من أصل 2.3 مليون إجمالي عدد سكان القطاع المحاصرن ومع إطباق الحصار عليها من جهاتها الأربع، تحولت رفح اليوم إلى مخيم كبير للاجئين، إذ يزيد عدد المقيمين فيها الآن على 6 أضعاف عدد سكانها الأصليين قبل بدء العدوان، وتنتشر في شوارع المدينة، وحتى الجدار الحدودي مع مصر، عشرات آلاف الخيام من النايلون والقماش، بعد اكتظاظ المدينة تمامًا واستحالة العثور على أي مأوى داخلها، حيث لجأت الأفواج الأولى من النازحين إلى استئجار أي مكان للإقامة سواء أكان حواصل أم بيوتا قيد الإنشاء.
