الوقت - وصل وضع القمع في جمهورية أذربيجان إلى نقطة أصبحت فيها الولايات المتحدة، أقرب حلفاء باكو، ترفع صوتها احتجاجاً.
قبل نحو شهرين، وضعت وزارة الخارجية الأمريكية لأول مرة جمهورية أذربيجان على قائمة الدول الخاضعة للمراقبة، بسبب "الانتهاكات الجسيمة للحرية الدينية".
وأفادت لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية (USCIRF)، عن زيادة في قمع الحرية الدينية وزيادة اضطهاد المسلمين، في تقرير أكدت فيه سجن 19 شخصًا بسبب معتقداتهم الدينية في عام 2023.
هذا في حين عارضت جمهورية أذربيجان بشدة التقرير الأمريكي، ووصفت تقرير لجنة واشنطن للحريات الدينية بأنه متحيز، ويعتمد على مصادر مؤيدة للأرمن وروايات مضللة.
وقبل أمريكا، لم توافق الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا (PACE) على اعتماد الوفد البرلماني لجمهورية أذربيجان، وأشارت أوروبا إلى انتهاك الحريات الدينية في هذه الجمهورية السوفييتية السابقة، وردت باكو برفض هذه الاتهامات.
جهود باكو العقيمة
يبدو أن الحكام السياسيين في باكو مارسوا الضغوط مراراً وتكراراً على الجماعات الدينية والإسلامية بحجة محاربة التطرف، وحكومة علييف، التي تعتبر نفسها حارسة دولة علمانية ومستقرة، تبنت بحجة مكافحة التطرف المزيد من السياسات الاستبدادية على الصعيدين المحلي والدولي ضد الجماعات الإسلامية، وكثفت من قمع المسلمين.
هذا في حين أن السياسة الدينية في أذربيجان كانت منفتحةً ومتساهلةً بشكل ملحوظ تجاه الجماعات الدينية في التسعينيات، ولکن تحولت باكو إلى نظام ذي لوائح صارمة على مدى العقد الماضي.
وتشمل هذه القيود منع صلاة الجماعة خارج المساجد، وإغلاق بعض الحسينيات والتكايا، وسجن الشخصيات والزعماء الدينيين، وقد أثرت مثل هذه الإجراءات على نطاق واسع على الناشطين الشيعة، لدرجة أن الشخصيات الدينية الشيعية تشكل جزءاً كبيراً من السجناء السياسيين في جمهورية أذربيجان.
توسيع عمليات القمع
من الواضح أن الطبيعة واسعة النطاق لحملة القمع التي شنتها الحكومة مؤخراً على المسلمين والشيعة، قد تجاوزت منطقة "نارداران"، حيث تمارس الصرامة هناك.
تتمتع منطقة نارداران، التي تقع على بعد حوالي 30 كيلومتراً شمال شرق باكو، بشهرة دينية في جمهورية أذربيجان بسبب مقام بنت الإمام "بيبي رحيمة"، الأخت الكريمة للإمام الرضا(عليه السلام) والسيدة المعصومة(عليها السلام)، وهي واحدة من أهم مراكز التشيع في هذا البلد.
في عام 2016، اعتقلت الشرطة الأذربيجانية نحو 90 من المصلين الشيعة عبر مهاجمة هذه المنطقة، ومنذ ذلك الحين تواصلت الاعتقالات بكثافة كبيرة.
تعكس الاتهامات غير الموثقة والتهم المشتبه بها بتهريب المخدرات ضد المعتقلين المسلمين اتجاهاً أوسع للقمع، ويستخدم هذا النمط من القمع أيضًا ضد نشطاء الصحافة المستقلة، ونشطاء المجتمع المدني وغيرهم من المتظاهرين.
وغالبًا ما يتضمن النهج الذي تتبعه أذربيجان في التعامل مع المعارضة أو أي نوع من أنواع المعارضة، تصنيف هذه المجموعات على أنها عملاء أجانب، وهکذا، يتم تقديم زعماء الشيعة على أنهم الطابور الخامس للدول الأجنبية، دون تقديم أي سبب أو دليل لهذه الاتهامات.
إلهام علييف يفرش السجادة الحمراء للتطرف
إن قمع باكو للشيعة والجماعات الإسلامية مستمر، وهذه الأعمال ستؤدي إلى رد فعل الجماعات المضطهدة، ولا شك أن التطرف هو نتيجة القمع، وموجة القمع التي تتعرض لها الجماعات الإسلامية، ستؤدي إلى تقوية الجماعات المتطرفة.
ومن ناحية أخرى، تقوم حكومة علييف بقمع الجماعات الشيعية، في حين أن معظم هذه الجماعات تعمل بشكل مستقل، والتي تشكلت ونمت من قلب الطائفة الدينية الشيعية في أذربيجان.
وفي الوقت نفسه، على الرغم من أن أذربيجان دولة ذات أغلبية شيعية، ولكن بسبب الطبيعة العلمانية للمجتمع والتعليم والدعاية المؤسسية للقومية التركية (خاصة بعد حرب كاراباخ 2020)، والدعاية التي فرضتها السلطات الحكومية، ستواصل حكومة هذا البلد اتباع السياسة الأمنية في التعامل مع الأنشطة السياسية الشيعية.
ومن المثير للاهتمام أن باكو، من خلال اضطهاد الناشطين الدينيين الشيعة، تعمل على تحويل الانتباه عن تهديد أمني أكبر كثيراً ــ وهو انتشار الوهابية والسلفية في القوقاز ــ وتزعم بدلاً من ذلك استقطاب المجتمع.
حيث لم يتم القبض على المئات من السلفيين الأذربيجانيين الذين انضموا إلى "داعش" والجماعات الإرهابية الأخرى في سوريا والعراق في أذربيجان، لكن حكومة باكو تقمع الشيعة بشدة.