الوقت- بالأمس، صدقت الهيئة العامة للكنيست في القراءة الأولى على مشروع قانون يمنح وزير الاتصالات صلاحيات لمنع المذيعين الأجانب من التسبب في أضرار لأمن الدولة، وكذلك الحق في إغلاق مكاتب القنوات الإعلامية الأجنبية المتواجدة في "إسرائيل" وتقييد الوصول إلى مواقعها الإلكترونية، وبناءً على ما نشر على موقع الكنيست الرسمي، تمت الموافقة من قبل الهيئة العامة للكنيست في القراءة الأولى على مشروع قانون يهدف لمنع هيئات البث الأجنبية من المساس بأمن الكيان، حظي الاقتراح بتأييد 25 عضوا في الكنيست، مقابل معارضة 4، وسيتم إحالته للمناقشة في لجنة الشؤون الخارجية والأمن، في ظل الحرب التي تخوضها قوات الاحتلال وحكومته على الصحفيين وعائلاتهم، لمنع فضح الإرهاب الإسرائيلي أمام العالم.
حرب معلنة على الصحفيين
ينص مشروع القانون على إعطاء وزير الاتصالات سلطة القرار بوقف بث قنوات أجنبية، وإغلاق مكاتبها في "إسرائيل" ومصادرة معداتها، بالإضافة إلى ذلك، يتضمن المشروع أيضًا إمكانية إزالة الموقع الإلكتروني للقناة المذكورة إذا كان الخادم الذي يستضيف الموقع موجوداً في "إسرائيل" أو تحت سيطرة فرد موجود في "إسرائيل" أو شركة مسجلة هناك، أو يمكن بدلاً من ذلك تقييد الوصول إلى الموقع الإلكتروني للقناة المعنية، ووفقًا لشروط المقترح، يتوقع من وزير الاتصالات أن يتلقى تصريحًا من وزير الدفاع يشير إلى أن بث القناة الأجنبية في "إسرائيل" يشكل تهديدًا فعليًا للأمن القومي، علاوة على ذلك، يتطلب ممارسة هذه السلطات موافقة من وزير الدفاع واللجنة الوزارية لشؤون الأمن.
يحدد مقترح القانون أيضًا مدة صلاحيته لفترة مؤقتة تبلغ 3 أشهر، أو "حتى تاريخ انتهاء إعلان الوضع الخاص على الجبهة الداخلية أو نهاية العملية العسكرية الكبيرة، حسب ما يكون الأقدم"، في ظل تصاعد خطورة الصراع الحالي، ولا سيما بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة التي تلت الهجوم الذي نفذته حركة حماس في ٧ تشرين الأول/أكتوبر، وقد أصبح هذا الصراع أخطر وأكثر دموية بالنسبة للصحفيين في تاريخ الصراعات الحديثة، وعبر الخبراء عن قلقهم الشديد إزاء الأعداد المتزايدة بشكل مروع للصحفيين والعاملين في مجال الإعلام الذين قتلوا أو تعرضوا للهجوم أو أُصيبوا أو اعتُقلوا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وخاصة في قطاع غزة، خلال الأشهر الأخيرة، وهذا التطور يمثل تجاهلاً صارخاً للقانون الدولي، مع إدانة جميع الأعمال التي طالت الصحفيين بما في ذلك القتل والتهديدات والاعتداءات.
ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، تم قتل أكثر من ١٢٢ صحفيًا وعاملاً في وسائل الإعلام في غزة منذ ٧ تشرين الأول/أكتوبر، بالإضافة إلى العديد من الإصابات، كما تم قتل ثلاثة صحفيين في لبنان نتيجة القصف الإسرائيلي بالقرب من الحدود اللبنانية، واعتقلت القوات الإسرائيلية عشرات الصحفيين الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وشهدت تلك المناطق تزايدًا في المضايقات والترهيب والاعتداءات على الصحفيين منذ هجمات ٧ تشرين الأول/أكتوبر، وأثنى العالم على شجاعة وصمود الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام في غزة، لأنهم يواصلون تعريض حياتهم للخطر يومًا بعد يوم أثناء أداء واجبهم، ويحملون مشقة هائلة وخسائر مأساوية للزملاء والأصدقاء والعائلات في ظل أحد أكثر الحروب دموية وقسوة في عصرنا.
تقارير مقلقة تفيد بأن الصحفيين، على الرغم من تمييزهم بوضوح عبر ارتدائهم لسترات وخوذات تحمل علامة "الصحافة" أو استخدامهم لمركبات صحفية مميزة، يتعرضون للهجوم، ويبدو أن هذا يشير إلى أن عمليات القتل والإصابة والاعتقال تشكل "استراتيجية متعمدة من القوات الإسرائيلية لعرقلة وسائل الإعلام وقمع التقارير الناقدة"، وفي الوقت الذي ينبغي فيه أن يحظى الصحفيون بالحماية كمدنيين وفقًا للقانون الإنساني الدولي، يحذر الخبراء من أن الضغوط والهجمات المستهدفة وقتل الصحفيين تشكل جرائم حرب، وعبروا عن قلقهم البالغ بسبب رفض "إسرائيل" السماح لوسائل الإعلام من خارج غزة بالدخول وتقديم التقارير إلا إذا كانوا برفقة القوات الإسرائيلية، وتشكل الهجمات على وسائل الإعلام في غزة والقيود المفروضة على الصحفيين في الوصول إلى غزة، إلى جانب انقطاعات الإنترنت الشديدة، عوائق رئيسية أمام حق الحصول على المعلومات لسكان غزة والعالم الخارجي.
والسلطات الإسرائيلية تمنع الصحفيين من الدخول إلى غزة ولا تضمن سلامتهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإن الجرائم الإسرائيلية الشنيعة دفعت الخبراء إلى دعوة محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية للتصدي للنمط الخطير للهجمات على الصحفيين وضمان محاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم، لأن استهداف وقتل الصحفيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة يجب أن يتوقف.
وباعتراف دولي، لا شك أن الحرب التي شنتها "إسرائيل" على قطاع غزة هي الأكثر فتكًا وقتلاً للصحفيين، مع ضرورة عدم استهداف الصحفيين والمدنيين في غزة، كما فعلت "إسرائيل"، ويجب تقديم الحماية لهم بموجب القانون المدني، لجنة حماية الصحفيين قد دعت "إسرائيل" للتحقيق في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب ضد الصحفيين، كما قامت بإرسال رسائل إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن والاتحاد الأوروبي لحثهم على اتخاذ مزيد من الإجراءات لضمان حماية الصحفيين.
استراتيجية إسرائيلية واضحة
الاحتلال يتعمد قتل الصحفيين ومحاربة الكلمة بهدف تغييب الرواية الفلسطينية ومحاولة طمس الحقيقة وعرقلة إيصال الأخبار والمعلومات إلى الرأي العام الإقليمي والعالمي، وسابقًا، أعرب الاتحاد الدولي للصحفيين عن استنكاره قتل الصحفيين في غزة، مطالبًا بضرورة حمايتهم من عنف الاحتلال لتمكينهم من أداء عملهم، ووصفت منظمة "مراسلون بلا حدود" الدولية قطاع غزة بـ"مقبرة الصحفيين"، حيث تتعمد "إسرائيل" خنق عمل الصحفيين وقتلهم، وتنتهج مختلف السياسات لإعاقتهم عن ممارسة عملهم في الميدان.
الواقع المرير يسلط الضوء على الوضع الخطير الذي يواجهه الصحفيون والنشطاء في قطاع غزة، حيث تستخدم "إسرائيل" العنف والقتل المباشر لتكميل جرائمها ضد الفلسطينيين ولمحاولة حجب الرواية الفلسطينية وجرائم الحرب التي ترتكبها، الاعتداءات على الصحفيين والنشطاء تُعتبر خرقًا فاضحًا للقوانين الدولية التي تكفل حماية حقوق الإنسان وحرية التعبير، من غير المقبول استهداف المدنيين ومحاولة تشويه الصورة الإعلامية للمعاناة الفلسطينية.
وعلى المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية الضغط على "إسرائيل" لوقف هذه الانتهاكات والجرائم، وضمان تحقيق العدالة والمساءلة لكل من يرتكب أعمال العنف والقتل بحق الصحفيين والنشطاء، ومن الضروري أن يتخذ المجتمع الدولي إجراءات فورية لوقف هذه الانتهاكات والتحقيق فيها، ومحاسبة المسؤولين عنها، وضمان حماية الصحفيين وضمان حريتهم في أداء عملهم دون تهديد أو ترهيب، وتظهر هذه الاتهامات والتهديدات الإسرائيلية ضد الصحفيين محاولة من الاحتلال لتقويض دور الصحافة في نقل الحقيقة وتوثيق الأحداث، وإن التهم الموجهة ضد الصحفيين بالتورط في أعمال إرهابية أو معرفتهم المسبقة بالهجمات تعكس محاولة لتشويه سمعة الصحافة وتجريم دورها في الكشف عن الانتهاكات والجرائم.
بالاستناد إلى ما ذكر، لا بد من رفض تلك القرارات الزائفة والتصريحات والقرارات التحريضية ضد الصحفيين، والضغط على "إسرائيل" لضمان حماية حرية الصحافة وسلامة الصحفيين ووسائل الإعلام، والسماح لهم بأداء عملهم دون تهديد أو ترهيب، لأن إغلاق مكاتب الإعلام الأجنبية في الكيان يمكن أن يكون له أهداف خبيثة متعددة، تتعلق بسيطرة الحكومة على تدفق المعلومات والسيطرة على السرد الإعلامي، كتضييق الخناق على حرية التعبير، حيث يمكن لإغلاق مكاتب الإعلام الأجنبية أن يقلل من التنوع الإعلامي ويقيد حرية التعبير، ما يتيح لحكومة الاحتلال السيطرة بشكل أكبر على الرسائل والروايات التي يتم تقديمها للجمهور.
وقد تكون هناك محاولة للتستر على أنشطة غير قانونية أو مثيرة للجدل من قبل الحكومة، وإغلاق مكاتب الإعلام الأجنبية يمكن أن يكون جزءًا من جهودها لتقييد التقارير التي تكشف عن هذه الأنشطة، ويمكن أن يكون الهدف هو منع وسائل الإعلام الأجنبية من التأثير على الرأي العام الوطني، وخاصة إذا كانت تقدم وجهات نظر متنافسة أو معارضة للاحتلال، وبإغلاق مكاتب الإعلام الأجنبية، يمكن للحكومة أن تحدد وتضبط بشكل أكبر النوع والكم من المعلومات التي يمكن أن تصل إلى الجمهور، ما يعزز التحكم في السرد الإعلامي، وبشكل عام، فإن إغلاق مكاتب الإعلام الأجنبية يعكس محاولة للحكومة لتقييد الحريات الإعلامية ومنع تدفق المعلومات غير المرغوب فيها، ما يؤدي إلى تشويه الحقائق وتضييق نطاق النقاش العام.