الوقت- التطورات في منطقة رفح تنذر بتفاقم الأوضاع في قطاع غزة، هذا ما قالته مصر مؤكدة على أن الوضع الإنساني، الذي كان سيئا بالفعل، لا يمكن أن يحتمل المزيد من الدمار والخسائر البشرية، ومنذ بداية العملية البرية التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تم توجيه السكان من مناطق شمال ووسط القطاع إلى الجنوب بزعم أنها مناطق آمنة، إلا أنهم لم يتلقوا الحماية المناسبة من قصف المنازل والسيارات، ولم تصل العملية البرية إلى رفح، بينما نفذ الجيش الإسرائيلي غارات جوية وقصفا مدفعيا واسعا على مواقع في رفح منذ بداية الحرب التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما ينذر بتدهور الأوضاع أكثر فأكثر في المنطقة.
تحضيرات عسكرية ومحاولة تهجير
مؤخراً، القاهرة قامت بإرسال نحو 40 دبابة وناقلة جند مدرعة إلى منطقة شمال شرق سيناء خلال الأسبوعين الماضيين، استعداداً لأي عملية عسكرية محتملة من قبل الاحتلال الإسرائيلي في منطقة رفح، وتتمركز القوات المصرية في المنطقة تحسباً لتوسع العمليات العسكرية الإسرائيلية لتشمل مدينة رفح، التي لجأ إليها معظم سكان قطاع غزة كملاذ آمن، وهو ما يثير مخاوف مصر من احتمالية نزوح الفلسطينيين بشكل جماعي من القطاع، وتأتي هذه التحركات العسكرية المصرية في إطار سلسلة من التدابير الهادفة إلى تعزيز الأمن على الحدود بين مصر وقطاع غزة.
وفي سياق التطورات، وافق جيش الاحتلال الإسرائيلي على إجراء عملية عسكرية في مدينة رفح، حيث بدأت الاستعدادات لهذه العملية قبل عدة أسابيع، وقد وافق الجيش بالفعل على خطة تتضمن ضرورة إجلاء النازحين، وتتوالى التحذيرات من وقوع كارثة إنسانية هائلة في حال تعرضت مدينة رفح جنوب قطاع غزة لهجوم من قبل "إسرائيل"، حيث تعتبر آخر ملاذ للنازحين في القطاع المحاصر، حيث يعيش حوالي مليون و400 ألف فلسطيني حاليا، وقد حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة من وقوع كارثة ومجزرة عالمية قد تخلف عشرات الآلاف من الضحايا والجرحى، في حال بدأت قوات الاحتلال عملية برية في المدينة، التي أمر سكان قطاع غزة بالنزوح إليها منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
حركة المقاومة الإسلامية "حماس" حذرت من وقوع مجازر في رفح، التي تعاني من اكتظاظ بالنازحين الذين يعيشون في ظروف إنسانية صعبة، كما أشارت الرئاسة الفلسطينية في بيان صادر عنها إلى أن الخطط الإسرائيلية لاجتياح مدينة رفح تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، مؤكدة أن أي عملية عسكرية في المدينة المكتظة ستمثل تجاوزا لكل الخطوط الحمراء، ويتزايد القلق الدولي حيال مصير مئات الآلاف من سكان غزة النازحين الذين لجؤوا إلى رفح منذ تهديد "إسرائيل" بشن عملية برية للمدينة، التي تقع على الحدود مع مصر.
من جانبها، أعلنت واشنطن أنها لن تؤيد أي عملية عسكرية إسرائيلية في رفح دون مراعاة المدنيين، ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن رد "إسرائيل" على هجمات حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول بأنه "مبالغ فيه"، وقد أفاد مصدران أمنيان مصريان بأن القاهرة قامت بإرسال نحو 40 دبابة وناقلة جند مدرعة إلى منطقة شمال شرق سيناء خلال الأسبوعين الماضيين، وفي الوقت نفسه، أفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن الجيش الإسرائيلي وافق على عملية عسكرية في مدينة رفح، وتتواجد القوات المصرية في المنطقة تحسبًا لتوسيع عمليات الجيش الإسرائيلي لتشمل مدينة رفح، التي تعتبر ملجأً آخر لسكان قطاع غزة.
والعملية العسكرية في رفح ستنطلق بعد الانتهاء من عملية "إجلاء واسعة النطاق" للمدنيين من المدينة ومناطق ضواحيها، وسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن أعلن عن تكليف الجيش بوضع خطة مزدوجة لإجلاء المدنيين من رفح وزعم القضاء على ما تبقى من كتائب حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وأضاف نتنياهو إنه لا يمكن تحقيق أهداف الحرب في غزة والاحتفاظ بأربعة كتائب لحماس في رفح، وفيما يتعلق بالقلق الدولي، فإنه يتزايد على مصير مئات الآلاف من سكان غزة النازحين الذين لجؤوا إلى رفح منذ تهديد "إسرائيل"بشن هجوم بري على المدينة، وهي المدينة الواقعة على الحدود مع مصر.
علاقات على حافة الهاوية
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، قامت مصر بإقامة جدار حدودي خرساني يتكون من أسس تمتد في الأرض لمسافة 6 أمتار، مع تثبيت أسلاك شائكة عليه، وأشار المصادر الأمنية إلى أن مصر قامت أيضًا بإنشاء حواجز رملية وتعزيز المراقبة عند نقاط التمركز الحدودية، وأظهرت صور بالأقمار الصناعية، التقطت في ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني الماضيين، بعض الإنشاءات الجديدة على طول الحدود بطول يبلغ 13 كيلومترا قرب منطقة رفح، وامتداد الجدار حتى حافة البحر على الطرف الشمالي من الحدود.
وما زالت تأثيرات العلاقات الشخصية بين الرئيس المصري، الجنرال عبد الفتّاح السيسي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تلقي بظلالها السلبية على الدولتين اللتين وقعتا على اتفاق سلام في عام 1979، وما زال هذا السلام، بما تعترف به "إسرائيل"، يعتبر باردًا، ما يتهم القيادة المصرية بعدم العمل على تغيير الرأي العام المصري المعادي لدولة الاحتلال، ويبدو واضحًا كعين الشمس أن العلاقات المتوترة بين الجانبين مرشحة للتصاعد أكثر بعد أمر نتنياهو لجيشه بإعداد "خطة لإجلاء" المدنيين من رفح.
وأفاد ديوان نتنياهو في بيان رسمي بأنه "يستحيل تحقيق هدف الحرب من دون القضاء على حماس وترك أربع كتائب لحماس في رفح، على العكس، فإن أي نشاط عسكري كثيف في رفح يتطلب إخلاء المدنيين مناطق القتال"، كما جاء في البيان، وفي سياق توتر العلاقات بين البلدين، أبرزت وسائل الإعلام الإسرائيلية في الكيان رفض "إسرائيل" إرسال وفد إلى القاهرة لمناقشة صفقة تبادل الأسرى بين حماس و الكيان، وذلك في محاولة يائسة للانتقام من مصر، وكشفت معلومات أن نتنياهو حاول الاتصال بالسيسي، لكن الرئيس المصري رفض طلبه.
ويبدو أن نتنياهو وجّه الدعوة للاتصال من خلال مجلس الأمن القومي، لكن المصريين اختاروا عدم قبولها، كما أن مكتب رئيس الوزراء حاول التخفيف من حدة الأمر، مدّعيًا أنه سيتم إجراء المكالمة في وقت لاحق، وآخر مرة تحدث فيها الاثنان كانت صيف 2023، عقب هجوم نفذه جندي مصري أسفر عن مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين على الحدود، وبغض النظر عن ذلك، إن البلدين يتبادلان الاتصالات بانتظام، حيث سافرت وفود إسرائيلية عديدة إلى مصر في الأسابيع الأخيرة، وذلك وسط جهود الوساطة المصرية إلى جانب قطر لتسوية صفقة إطلاق سراح الرهائن في غزة.
ورد السيسي على هذه الاتهامات بالقول إن مصر ليست السبب في عدم وصول المساعدات، والمعبر الحدودي في رفح مفتوح على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، لكن الإجراءات الإسرائيلية تعيق وصول المساعدات التي تشتد الحاجة إليها، وهذا ليس من قبيل الصدفة، إنه تكتيك إسرائيلي لزيادة الضغط (على حماس) لتحقيق إطلاق سراح الرهائن، ويحذر المصريون من تداعيات محتملة على العلاقات الإسرائيلية المصرية حال تنفيذ عمل عسكري على الحدود بين غزة ومصر.
وبالتالي، إن أي تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه سيؤثر بشكل حاسم على العلاقات الثنائية، وسيكون تأثيره سلبيًا بالتأكيد، وسيضر حتمًا بالعلاقات الثنائية، وأكاذيب "إسرائيل" في هذا السياق، تهدف إلى إضفاء الشرعية على الاحتلال الذي يتعارض بشكل مباشر مع الاتفاقيات الدولية، وإن الحرب في غزة تضع العلاقات الإسرائيلية المصرية أمام تحديات صعبة، ورد حماس على الاقتراحات بشأن صفقة الأسرى يشكل تحديًا كبيرًا لكل من "إسرائيل" ومصر.
في الختام، نجح قائد حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، في تغيير ديناميكيات الصراع بشكل جذري بعد الهجوم الذي شنته الحركة في السابع من أكتوبر الماضي، وأوضح المستشرق أن القضية الفلسطينية تصبح في صدارة الأجندة الدولية والإعلامية في أعقاب تنفيذ هذا الهجوم، والإعلان السعودي الرسمي الجديد بضرورة إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة هو عمليا أحد تداعيات عملية حماس في أكتوبر، التي أعادت قضية التطبيع بين كيان الاحتلال والمملكة السعودية إلى أسفل الأجندة، أو بمعنى آخر، نجح السنوار في دفن التطبيع بين تل أبيب والرياض لفترة لا يعرف أحد حتى متى ستستمر، أو لأجل غير معروف، والسؤال الذي سيبقى مفتوحًا: هل ستسوء العلاقات أكثر بين القاهرة وتل أبيب بسبب غطرسة وعنجهية نتنياهو وحكومته العنصرية؟ وهل اتهام تل أبيب القيادة المصرية بالنظر للكيان كعدو محتمل يجب مواجهته استراتيجيًا كان بمثابة توطئة من "إسرائيل" استعدادًا لمرحلة الصدام بين الدولتين اللتين تربطهما اتفاقية سلام منذ 45 عامًا؟.