الوقت- قادة كيان الاحتلال الإسرائيلي تعهدوا بالقضاء على حماس ردا على هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فشنوا عدواناً إجرامياً وصل إلى مرحلة الإبادة الجماعية، ودمر كل شيء في قطاع غزة، وترافق ذلك مع حصار مميت، ازدادت آثاره الكارثية مع جو الشتاء البارد الماطر، إذ استشهد في هذه الحرب 27131 فلسطينيا، غالبيتهم مدنيون من النساء والأطفال.
القضاء على حماس
أول هدف لكيان الاحتلال في هذه الحرب كان القضاء على حركة "حماس"، وعلى سلاحها، وتدمير معاملها الدفاعية، وقطع سلاسل إمدادها، ومع مرور قرابة أربعة أشهر على هذه الحرب، ما زالت حماس تبدي القوة القتالية نفسها، والاستعداد العسكري ذاته، في دلالة واضحة على أن الهدف الرئيس لهذه الحرب لم يتحقق، ولا ترجح مصادر تابعة لكيان الاحتلال بأنه قد يتحقق يوما.
الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" كرمي غيلون قال: أجزم أنّ الحرب على غزّة انتهت، والهدف الوحيد الذي من أجله يجِب إبقاء قوّاتٍ من الجيش في قطاع غزّة هو ضمان تحرير الرهائن الإسرائيليين، الذين وقعوا في أسر (حماس)"، وانتهاء الحرب بهذا الشكل ما هو إلا فشل صهيوني وانتصار استراتيجي للفلسطينيين، فـ "المقاومة الفلسطينية تفوقت على جيش الاحتلال الإسرائيلي في القطاع" كما قال رئيس الموساد الإسرائيلي الأسبق يوسي كوهين، الذي أوضح أنه "إذا أرادت إسرائيل مواصلة الحرب في غزة، فعليها الاستماع إلى الولايات المتحدة ومواصلة المساعدات الإنسانية لمواطني القطاع، حتى لا تخسر الدعم الدولي بسبب وقوع كارثة إنسانية في غزة".
لكن قادة الاحتلال يريدون أمراً ويصرون عليه – وهو القضاء على حماس – والذي يبدو أنه مستحيل التحقق لأسباب عديدة ذاتية وموضوعية، فرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يقول: "سنستمر في الحرب حتى النهاية وتحقيق النصر الكامل"، ووزير دفاعه يوآف غالانت يقول: إنه "لا نية لديهم لوقف القتال في غزة، وإن الاعتقاد بأن إسرائيل في طريقها لوقف القتال غير صحيح"، مضيفاً إنه "إذا لم نحقق انتصارا في حرب غزة فلن نتمكن من العيش في الشرق الأوسط".
القضاء على حماس بات مطلباً غير منطقي، ولا يتحقق بعمل عسكري، وباستخدام العنف، وهو كما قال السياسي الأمريكي دينيس روس في مقابلة مع صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية: "لا يمكن القضاء على حماس، لأنك لا تستطيع القضاء على فكرة".
كرمي غيلون الذي ترأس الشاباك بين عامي 1994 و1996، قال: إن حماس "ستبقى هي الهيئة الحاكمة في القطاع ما دام هناك فراغ وليس هناك من يملؤه حتى الآن"، متوقعاً أن يتوقف إطلاق النار لمدة تصل إلى 6 سنوات قد يتجدد بعدها إطلاق الصواريخ من غزة، لكن قصة ما حدث في 7 أكتوبر لن تتكرر"، ومتهماً أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بالإخفاق الهائل في التصدي لهجوم 7 أكتوبر.
فعلامات الهزيمة باتت واضحة للعيان كما يرى غيلون الذي قال: "الأتراك هربوا من غزّة، كذلك البريطانيون فرّوا من هذه المنطقة، والمصريون أيضًا، ونحن أيضًا هربنا من غزّة"، فإنهاء الحرب بات مطلباً ملحّا، على نتنياهو الامتثال له، و"إن قرار مجلس الوزراء بعدم مناقشة اليوم التالي (مرحلة ما بعد الحرب) يقلب الحرب إلى صراع عسكري بلا هدف سياسي، وهذا وضع لا يمكن فيه تعريف النصر الذي يصاغ دائماً بمصطلحات سياسية، والخطر الكبير هو أن هذا هو الوضع الذي تصبح فيه الحرب هي الهدف، وفق ما قال عامي أيالون أحد رؤساء الشاباك السابقين في مقابلة مع صحيفة هآرتس التابعة لكيان الاحتلال، والذي أضاف إنه "من دون اتخاذ قرار بشأن الهدف السياسي، لا يمكن للحكومة وضع استراتيجية للخروج من الحرب ونحن نسير بأعين مفتوحة نحو غروب مستقبلي في رمال غزة".
نتائج الحرب
كان سقف توقعات الصهاينة مرتفعا من وراء هذه الحرب، فقد نشر نتنياهو مقالا في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، وضع فيه شروطا مسبقة لا بدّ منها، "لتحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها الفلسطينيين في غزة"، ومن هذه الشروط : "تدمير حماس، ونزع سلاح غزة"، إضافة إلى أنه "لا بد من إقامة منطقة أمنية مؤقتة على محيط غزة، وآلية تفتيش على الحدود بين غزة ومصر، تلبي احتياجات إسرائيل الأمنية وتمنع تهريب الأسلحة إلى القطاع".
ومن المطامح الصهيونية كما ذكرها نتنياهو رفض إسناد إدارة القطاع مستقبلاً إلى السلطة الفلسطينية، وأنه "في المستقبل القريب، يجب على إسرائيل أن تحتفظ بالمسؤولية الأساسية عن الأمن في غزة"، القطاع الذي انسحبت منه بصورة أحادية الجانب في 2005 بعدما احتلّته طوال 38 عاماً، فهل الأمنيات الإسرائيلية تحققت بعد هذه الحرب..؟
لم تستطع حكومة الاحتلال في حربها الإجرامية على قطاع غزة أن تحقق أياً من أهدافها الاستراتيجية أو المرحلية والتي كان أهمها القضاء على حماس والترتيبات الأمنية في القطاع، ونزع السلاح من غزة، إضافة إلى سلام بشروط إسرائيلية خاصة، ويقول غيلون: "أنا لا أعوِّل على رئيس الوزراء نتنياهو بأنْ يتصرّف من منطلق المسؤوليّة الوطنيّة"، مُشدّدًّا على أنّ الدولة العبريّة باتت يمينيّةً جدًا، وأنّ هذا التحوّل ما زال مستمرًا حتى اللحظة، وسيستمّر في قادم الأيّام.
ولم يتوقع غيلون أنْ يظلّ الهدوء سائدًا في "إسرائيل" خلال الأربعين سنة القادمة، مشيرًا إلى أنّ أيّ حكومةٍ تتولّى زمام الأمور في البلاد، سواءً كانت من اليمين أوْ اليسار، تفعل ما في وسعها لإخفاء الحقيقة.
أما أيالون فقد أكد أن "إسرائيل لن تخرج بصورة للنصر من هذه الحرب، حتى لو تمكنت من اغتيال يحيى السنوار"، مضيفا: "كجزء من صفقة تتضمن عودة جميع الرهائن، يجب علينا إطلاق مروان البرغوثي، وهذه خطوة صحيحة من جانبين، أولا لأن عودة الرهائن الإسرائيليين هي الأقرب إلى صورة النصر بالحملة العسكرية الحالية في غزة، وثانيا لأن البرغوثي هو الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي يمكن انتخابه ضمن قيادة فلسطينية موحدة وشرعية في الطريق إلى حل سلمي.
فكيان الاحتلال بات يدرك جيدا حجم الفشل الذي وصل إليه في الوصول إلى أهدافه الرئيسة في هذه الحرب الإجرامية على القطاع، وباتت الحرب منتهية، إذ لا جديد يمكن أن يقدمه الكيان، فهو ما زال يدمر ويقتل ويفتك منذ قرابة الأربعة أشهر دون أن يصيب هدفه، فما زالت حماس قادرة على الوقوف في وجهه وقتاله، وفرض واقع استراتيجي يغير في مجرى الصراع العربي الإسرائيلي ولا سيما في الجانب الفلسطيني.