الوقت– بعد طوفان الأقصى، تشكلت طوابير طويلة في مطار بن غوريون للهروب، ولكن هذه المرة ليس من قبل المستوطنين بل من قبل العمال الأجانب، ومعظمهم من التايلانديين، وواجه رحيل 4000 عامل أجنبي من الأراضي المحتلة أزمة عمالية.
في هذه الأيام، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي المنكوب بالأزمة، والذي أنحنى ظهره تحت وطأة التكاليف الباهظة للحرب وتعطيل التجارة الخارجية للكيان بسبب انتشار انعدام الأمن في البحر الأحمر، مشكلة نقص العمالة لإعادة البناء الاقتصادي؛ القضية التي جعلت الصهاينة يتنقلون بين الدول الإفريقية والآسيوية المكتظة بالسكان والمتخلفة بحثا عن استيراد العمال الأجانب.
استبدال العمال الفلسطينيين بالهنود
تعود إحدى جذور أزمة العمالة في الأراضي المحتلة بعد بدء عملية اقتحام الأقصى إلى غياب العمال الفلسطينيين من غزة، الذين كانوا يعملون في السابق في الصناعات والخدمات والزراعة الإسرائيلية.
وحسب تقرير نشره المركز الفلسطيني للإعلام في كانون الأول/ديسمبر الماضي نقلته صحيفة إسرائيل تايمز الصهيونية، كتب مسؤول في وزارة المالية في الكيان الصهيوني أننا قمنا بحساب الخسائر الاقتصادية للعمال الفلسطينيين الذين لا يدخلون "إسرائيل"، والتقييمات وتبين أن هذه الخسائر تصل إلى نحو 3 مليارات شيكل شهرياً (800 مليون دولار).
واستكمالاً لهذا التقرير تعلن صحيفة إسرائيل تايمز الصهيونية نقلاً عن مصادر مطلعة في وزارة المالية في الكيان الصهيوني، أن قرار حكومة هذا الكيان منع دخول العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأراضي المحتلة منذ 7 أكتوبر، إذا استمرت، فإنها ستضر باقتصادها، وستخسر مليارات الشياكل (العملة الإسرائيلية) شهريا.
وتواصل هذه الصحيفة الصهيونية الكتابة: منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، لم يتمكن أكثر من 150 ألف عامل فلسطيني في الضفة الغربية من دخول أراضي 1948 للعمل، وفر أكثر من 10 آلاف عامل أجنبي، معظمهم تايلانديون من "إسرائيل" بعد بدء عملية حماس (طوفان الأقصى)، وتحتاج "إسرائيل" إلى أكثر من 30 ألف عامل أجنبي للتعامل مع النقص في العمالة الناجم عن استدعاء العشرات من جنود الجيش للهجوم على غزة.
وفي هذا الصدد، قال راؤول سارجو، رئيس جمعية "البنائين الإسرائيليين"، إننا في وضع صعب للغاية، فالصناعة في حالة توقف تام وتعمل بقدرة 30%. 50% من المراكز التجارية مغلقة، وهذا يؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي وسوق الإسكان.
وفي الشهر الماضي، عارض مجلس الوزراء الأمني التابع للكيان الصهيوني الموافقة على اقتراح إصدار تصريح للعمال الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأراضي المحتلة عام 1948، كما كتبت هذه الصحيفة الصهيونية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي بدا موافقا على هذه الخطة، رفض تقديم هذه الخطة بسبب الخلافات في مجلس الوزراء الأمني والمخاوف من عدم الحصول على أغلبية الأصوات للموافقة عليها.
وفي تقرير صدر في نوفمبر/تشرين الثاني، بعد شهر واحد من عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت شبكة "سي إن إن" أن سكان غزة مُنعوا من دخول الأراضي المحتلة، وحسب هذا التقرير، قال العمال الفلسطينيون الذين تم ترحيلهم من الأراضي المحتلة إلى غزة، إن سلطات الكيان الصهيوني جردتهم من ملابسهم، وعذبتهم، وسجنتهم في أقفاص، واعتدت عليهم بالضرب المبرح.
مقبل عبد الله الرازي من قرية بيت لاهيا شمال غزة، قال أحد العمال المذكورين لشبكة CNN: "لقد ضربونا بالهراوات والعصي، لقد تعرضنا للإذلال ثم تُركنا لنتضور جوعا دون طعام أو ماء، يقول الرازي: كنت واحدا من آلاف العمال من غزة الذين حصلوا على تصريح للعمل في الأراضي المحتلة، وفور بدء الحرب هربنا مع عمال آخرين إلى رهط، وهي مدينة ذات أغلبية عربية في جنوب "إسرائيل"، وسلمت للجيش الإسرائيلي، وأخذ الجيش الإسرائيلي هواتفنا المحمولة وأموالنا، ولم نتمكن من التواصل مع عائلاتنا، وقدموا لنا الطعام على الأرض في أكياس بلاستيكية.
لقد كان القطاع الزراعي في كيان الاحتلال الإسرائيلي من أكثر المجالات الاقتصادية ضعفاً لدى الكيان خلال التطورات التي أعقبت اقتحام الأقصى، وبعد شهر من عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر، ذكرت صحيفة الميادين نقلا عن وسائل إعلام إسرائيلية أن القطاع الزراعي في "إسرائيل" عانى كثيرا في ظل التوترات الأخيرة.
وقالت الميادين نقلا عن موقع إسرائيلي آخر "0404" في تقرير لها: إن موشيه أربيل وزير الداخلية الإسرائيلي أمر منظمة السكان والهجرة بالسماح الفوري بدخول العمال الأجانب في القطاع الزراعي من دول جديدة من التي لم يتم استقدام أي عامل زراعي منها حتى الآن، وقد اتخذوا الإجراءات المناسبة بهذا الشأن، ويكتب هذا الموقع الصهيوني، وهو يناقش الأضرار التي لحقت بالحقول الزراعية، أن إنعاش الزراعة يتطلب دخول عدد كبير من العمال.
وفي إطار استمرار أزمة القطاع الزراعي، عقدت إدارة السكان والهجرة سلسلة اجتماعات مع ممثلي الدول المختلفة خلال الأسبوعين الماضيين، وذلك لبحث جدوى استقدام العمالة الزراعية من هذه الدول، وتم تمديد تأشيرات العمال الذين أكملوا فترة عملهم لمدة عام آخر، وتمت إعادة العمال الأكبر سنا الذين أكملوا فترة في البلد الأصلي إلى العمل.
يعد استدعاء قوات الاحتياط للجيش الإسرائيلي أحد العوامل التي غذت أزمة العمالة في الأراضي المحتلة، وفي هذا الصدد كتبت وكالة أنباء فارس في كانون الثاني/يناير نقلاً عن موقع "غلوبس" الاقتصادي الإسرائيلي: شركة مهدرين، أن الخسارة الفادحة التي تكبدتها هذه الشركة في الربع الثالث تعود إلى انخفاض قيمة أصولها وهجر أراضي هذه الشركة التي لم تحقق ارباحا.. تمتلك شركة مهدرين حدائق ومزارع بمساحة 4000 دونم (40 ألف متر مربع) في المنطقة الحدودية لقطاع غزة، وحسب بيان الشركة فإن عمالها لم يتمكنوا من الوصول إلى هذه الحدائق والمزارع حتى نهاية العام الماضي نوفمبر، وبعضها فقط في ديسمبر الماضي، تمكنوا من الوصول إلى الأراضي ولاحظوا أضرارًا كبيرة هناك، بما في ذلك تدمير نظام الري والمستودعات، فضلاً عن الأضرار التي لحقت بالمحاصيل الموسمية.
وتقول الشركة إن معظم عمال الحصاد هم عادة من سكان الأراضي الفلسطينية والعمال الأجانب، وخاصة التايلانديين الذين غادروا الأراضي المحتلة مع حرب غزة، وتم استدعاء بعضهم للجيش كقوات احتياط، وهو ما كان له تأثير كبير على الحصاد وفساد أكثره.
في غضون ذلك، حسب وكالة أنباء ايرنا، وقع أعضاء الكنيست في 8 فبراير على عريضة أكدوا فيها أنه منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر، تعاني القطاعات المركزية للاقتصاد الإسرائيلي من الركود بسبب اعتمادها على عمالة 160 ألف فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويقترح استيراد العدد المطلوب من العمالة من دول أخرى، الموقعون على هذه العريضة يريدون منع دخول العمال الفلسطينيين.
وفي استمرار لهذا الخبر تقرير من موقع "رام الله الأخباري" جاء فيه: الكيان الصهيوني اتجه نحو العمال الهنود بدلاً من العمال الفلسطينيين، حيث يبحث آلاف العمال الهنود عن عمل في فلسطين المحتلة، على الرغم من الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، والتي دمرت هذا القطاع وزعزعت استقرار الشرق الأوسط، أعلن العمال الهنود أنهم مضطرون للذهاب إلى فلسطين المحتلة لأن نسبة البطالة في الهند مرتفعة للغاية.
وفي الواقع، يعتقد المسؤولون الحكوميون في الكيان الصهيوني أن الهند، التي يبلغ عدد سكانها مليار ومعدل البطالة المرتفع، يمكن أن يكون خيارًا مناسبًا لحل أزمة العمل في هذا الكيان.
وقد يحاول المسؤولون الاقتصاديون في الكيان تحسين الوضع الاقتصادي وحل الأزمة من خلال استيراد العمال، وخاصة في القطاع الزراعي، وهناك احتمال أن يتحقق هذا الهدف على المدى القصير، لكن استمرار الحرب وانعدام الأمن فضلا عن تجاهل حقوق الإنسان للعمال في أراضي الاحتلال قد يتسبب في أن يكون مصير العمال الهنود نفس مصير العمال التايلانديين.
وحسب بي بي سي، فإن نحو 25 ألف عامل تايلاندي، ذهبوا إلى هذا البلد للعمل في الزراعة بناء على الاتفاق بين حكومتي "إسرائيل" وتايلاند عام 2012، وكانوا يضطرون إلى العمل في أسوأ الظروف ويصارعون الموت، وواجه هؤلاء العمال مشاكل صحية عديدة وتوفي 172 منهم بسبب ظروف العمل الصعبة.