الوقت- أخيرًا، كشف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن نيته بشكل صريح، حيث أعلن في مؤتمر صحفي في تل أبيب: "يجب أن تكون منطقة محور فيلادلفيا على الحدود بين غزة ومصر تحت السيطرة الإسرائيلية"، وهذا التصريح ليس جديدًا، حيث سبقه ببضعة أيام تصريح من قبل أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، الذي أشار فيه إلى ضرورة أن تأخذ "إسرائيل" السيطرة على منطقة فيلادلفيا، ودمرت الأسوار مع التركيز على أمانها، ويطرح هذا التحرك الإسرائيلي تساؤلًا حول كيف سيكون الرد المصري على هذا التحدي، وعندما يقول نتنياهو إن منطقة محور فيلادلفيا على الحدود المصرية يجب أن تكون تحت السيطرة الإسرائيلية، فإن هذا يشكل اعتداءً سافرًا على اتفاقية السلام مع القاهرة، فالحدود المصرية خط أحمر للمصريين، ويبدو أن الإسرائيلي لا يعرف بأس جيشهم وقدرة شعبهم كما يقولون، وهذا التصريح وغيره يأتي كرد فعل قوي على التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي حول السيطرة المزعومة على منطقة محور فيلادلفيا.
غضب شعبيّ مصريّ
إن نتنياهو خلال 18 عامًا من الظهور في الحياة السياسية الإسرائيلية استطاع تدمير اتفاقيات أوسلو وحل الدولتين، كما أن نتنياهو حاول تدمير السلطة الفلسطينية المعتدلة بتقوية حماس المتطرفة حسب زعمه، وأكد أن ما قاله نتنياهو لم يكن مفاجئًا للكثيرين الذين اعتبروه متسقًا مع سياساته الأكثر تطرفًا، وقد عبر كثيرون عن تحذيرهم من أن الأنظمة العربية التي اكتفت بمشاهدة الجرائم في غزة دون اتخاذ إجراءات لإنقاذ الفلسطينيين، وقد تكون عرضة لمواجهة الأزمة نفسها، وأشاروا إلى أن هناك تحذيرات من أنه بدوره سيأتي الدور على تلك الأنظمة التي لم تتحرك لمواجهة الجرائم في غزة.
من ناحية أخرى، وفي سياق متصل، يقول المصريون: "جرّبوا وحاولوا ووقتها ستعرفون أنكم تسيرون إلى ممر جهنم وليس فلادلفيا"، كان هذا ردًا قويًا وتحذيرًا من أخطار التصعيد والتصعيد العسكري، كما أكد آخرون أنه يجب على مصر أن ترد بشكل صريح وقوي وحاسم على تصريحات نتنياهو، معتبرين أنها تشكل عدوانًا واضحًا على مصر، وفيما يتعلق بالرد المصري الرسمي، حتى كتابة هذه السطور، لم يصدر أي بيان من الرئاسة أو وزارة الخارجية المصرية، وقد اكتفى الإعلام المقرب من النظام بنشر تصريحات نتنياهو دون التعليق عليها، والشريط الحدودي العازل الذي يبلغ طوله 14 كيلومترًا يفصل بين الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، ويشكل منطقة استراتيجية أمنية تخضع لاتفاقية ثنائية بين مصر و"إسرائيل"، يعتبر هذا الشريط مكانًا ذا أهمية استراتيجية وتكتيكية، حيث تتنازع للسيطرة عليه ثلاث قوى رئيسية: "إسرائيل"ومصر وحركة المقاومة الفلسطينية (حماس(.
ويمتد محور فيلادلفيا على الأراضي الفلسطينية بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، على طول الحدود المصرية مع القطاع، ويمتد المحور من البحر الأبيض المتوسط شمالًا حتى معبر كرم أبو سالم جنوبًا، حيث تتقاطع الحدود بين مصر وقطاع غزة ودولة الاحتلال، ويشكل المحور شريطًا عازلًا بين مصر والقطاع، ويبلغ طوله نحو 14 كيلومترًا، وعرضه بضع مئات من الأمتار، وتم إنشاء معبر رفح البري على المحور، والذي يعد المنفذ الرئيسي للسكان في قطاع غزة للتواصل مع العالم الخارجي، وظهرت المنطقة العازلة "محور فيلادلفيا"، المعروفة فلسطينيًا باسم "محور صلاح الدين"، بعد معاهدة كامب ديفيد للسلام بين مصر و"إسرائيل" عام 1979، ونصت هذه المعاهدة على إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود بين الطرفين.
ووفقًا للاتفاقية، تخضع المنطقة الحدودية، التي تقع على الأراضي الفلسطينية والتي أُطلق عليها "محور صلاح الدين"، لسيطرة القوات الإسرائيلية، وحسب الاتفاقية، تشمل القوات الإسرائيلية في تلك المنطقة كتائب مشاة، يصل عددها إلى 180 مركبة مدرعة من مختلف الأنواع، وتضم طاقمًا مؤلفًا من 4 آلاف عنصر، بالإضافة إلى وجود منشآت عسكرية وتحصينات ميدانية، ومنعت معاهدة كامب ديفيد وجود أي قوات مسلحة مصرية على الأراضي المصرية المتاخمة للحدود الفلسطينية، والتي أُطلق عليها (المنطقة ج)، مع السماح فقط للشرطة المدنية المصرية بأداء مهام الشرطة الاعتيادية بأسلحة خفيفة.
وظلت القوات الإسرائيلية مسيطرة على المنطقة حتى انسحاب "إسرائيل" من قطاع غزة في منتصف أغسطس/آب 2005، حيث تم تسليمها للسلطة الفلسطينية، التي أُضيف لها الإشراف على المناطق الحدودية والمعابر، بوجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي، وتنص خطة "فك الارتباط" على الإبقاء على وجود عسكري إسرائيلي على طول الخط الحدودي بين قطاع غزة ومصر (محور فيلادلفيا) في المرحلة الأولى، بهدف توفير الحماية الأمنية، وقد يتطلب ذلك توسيع نطاق النشاطات العسكرية في المنطقة، وأضافت الخطة إن عملية إخلاء المنطقة ستكون مشروطة بالوضع الأمني والتعاون المصري، مع التأكيد على أن الاتفاق على الإجراءات المطلوبة يجب أن يكون موثوقًا.
وفي سبتمبر/أيلول 2005، تم توقيع "اتفاق فيلادلفيا" بين "إسرائيل"ومصر، والذي يُعتبر من قبل "إسرائيل" ملحقًا أمنيًا لمعاهدة السلام التي تم توقيعها في عام 1979، ويشمل الاتفاق نشر قوات مصرية على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة، حيث يُقدر عدد تلك القوات بنحو 750 جنديًا من حرس الحدود المصري، تكمن مهمتهم في مكافحة الإرهاب، ومنع التسلل عبر الحدود، ومكافحة التهريب، والتحقق من وجود الأنفاق.
وووفقًا للاتفاقية، يُسمح بوجود 4 سرايا للقوات المصرية، وهي مسلحة بسلاح خفيف مثل 504 بندقية أوتوماتيكية و9 بنادق قناصة و94 مسدسًا و67 رشاشًا و27 صاروخ "آر بي جي" و31 مدرعة خاصة بالشرطة و44 سيارة جيب و4 سفن في المنطقة الحدودية البحرية للمراقبة، كما يُسمح بتواجد 8 مروحيات غير مسلحة للاستكشاف الجوي و3 أجهزة رادار للكشف عن المتسللين، وتمنع الاتفاقية القوات المصرية من إقامة تحصينات ومستودعات للأسلحة، وتفرض قيودًا على معدات جمع المعلومات الاستخبارية ذات الطراز العسكري، وتخضع القوات المصرية لمراقبة قوات متعددة الجنسيات في سيناء، ويُفرض تبادل المعلومات الاستخباراتية وإجراء تقييم سنوي لتنفيذ الاتفاق.
وفي عام 2007، حررت حركة حماس قطاع غزة، وأصبح لها السيطرة على محور فيلادلفيا، وفرضت "إسرائيل" حصارًا شديدًا على القطاع، ما دفع الفلسطينيين إلى عبور الشريط الحدودي باتجاه مصر للحصول على الغذاء والشراب والمواد الأساسية، وجراء ذلك، فرضت القوات المصرية سيطرتها على منطقة فيلادلفيا، مع تشديد الحصار على القطاع لسنوات، وقام الغزيون بحفر مئات الأنفاق تحت محور فيلادلفيا، وأصبحت هذه الأنفاق شريان حياة للسكان الذين كانوا يعانون من العوز بسبب الحصار، حيث استخدموا هذه الأنفاق لتأمين احتياجاتهم الأساسية، على الجانب الآخر، هاجمت "إسرائيل" المنطقة بهدف تدمير الأنفاق، معتبرة أنها تُستخدم لتهريب الأسلحة والمواد المتفجرة.
ما بعد طوفان الأقصى
بعد عملية "طوفان الأقصى" في أكتوبر 2023، قامت "إسرائيل" بتطويق قطاع غزة من جميع الجهات وشددت الخناق على المقاومة، وأصبح محور فيلادلفيا محط اهتمام كبير في الخطة الإسرائيلية لعزل القطاع وتقوية الحصار، في 13 ديسمبر 2023، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجومًا استثنائيًا على الحدود بين مصر وقطاع غزة، زاعمةً أن الهجوم يستهدف تدمير الأنفاق المستخدمة لتهريب الأسلحة، وتسرّبت تصريحات لنتنياهو في اجتماع مغلق للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، تكشف عن نية الحكومة الإسرائيلية في السيطرة على محور فيلادلفيا.
في 23 ديسمبر 2023، قامت قوات الاحتلال بتنفيذ مناورة قصيرة في المنطقة الحدودية بين معبر كرم أبو سالم ورفح، وعادت إلى الوراء بعد اشتباكات عنيفة مع المقاومة، استهدفت هجمات الاحتلال المستمرة المعابر على محور فيلادلفيا، حيث تعرض الجانب الفلسطيني من معبر رفح لهجمات إسرائيلية متكررة، وتم قصف معبر كرم أبو سالم، ما أسفر عن مقتل 4 فلسطينيين.
وفي أعقاب الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت مواقع قريبة جدًا من الحدود المصرية في محور فيلادلفيا، تسببت هذه الأحداث في توتر في العلاقات بين "إسرائيل" ومصر، وأدى القصف الذي نفذته "إسرائيل" بدبابة واستهدف برج مراقبة مصري في أكتوبر 2023 إلى تصاعد التوتر، مع تبرير "إسرائيل" بأن القصف حدث بطريق الخطأ، وهذه الضربات أحدثت قلقًا في السلطات المصرية، وحذرت "إسرائيل" من تنفيذ أي عمليات عسكرية في محور فيلادلفيا، الذي يُعَد منطقة عازلة ذات أهمية أمنية خاصة وتخَضِع لاتفاقيات ثنائية، ويتطلب الحصول على إذن مسبق من الطرف الآخر قبل تنفيذ أي أعمال عسكرية فيها.
الخلاصة، السلطات المصرية تعارض بشدة وجود أي قوات إسرائيلية في محور فيلادلفيا المتاخم للحدود المصرية، وفقًا للاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، ولا يحق للكيان مخالفة الترتيبات الأمنية القائمة دون موافقة من مصر بما يهدد اتفاق التطبيع، وتأكدت السلطات المصرية من تدمير جميع الأنفاق التي كانت تستخدم للتهريب بين محور فيلادلفيا وقطاع غزة، وفرضت قيودًا على إدخال المواد المحظورة إلى داخل القطاع، ونفت مزاعم "إسرائيل" حول استخدام المقاومة للخط الحدودي لتنفيذ عملياتها وتهريب الأسلحة إلى الداخل، وبعد الاستهدافات الإسرائيلية لمحور فيلادلفيا، قوّضت مصر قواتها وشددت إجراءات الأمان، في ظل انتقال العديد من النازحين إلى مدينة رفح والمناطق الحدودية، وقامت بتعزيز الحواجز وتعزيز أمان المواقع العسكرية وأبراج المراقبة الموجودة في المنطقة العازلة، لكن أهداف الكيان الإرهابية لا تتوقف.