الوقت - كانت عملية طوفان الأقصى حداً فاصلاً كشف النوايا الحقيقية لكثير من الدول حول العالم، ولا سيما الدول التي تدعي الإنسانية، والدفاع عن حقوق الإنسان، أو على الأقل التي تدعي الحياد في الصراعات، دون تغليب طرف على آخر، وبالتحديد دول الاتحاد الأوروبي التي اتسمت مواقفها إجمالاً بالدعم المطلق لكيان الاحتلال في عدوانه وجرائمه في حربه الأخيرة.
الأوروبيون ضد فلسطين
صدرت عن دول الاتحاد الأوروبي مواقف عديدة بعد عملية حركة حماس بتاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تنحو معظمها في المسار نفسه، وهو دعم الكيان الصهيوني، وإدانة حماس.
فقد عبرت الحكومة الألمانية عن وقوفها الكامل مع كيان الاحتلال وتأكيد حقه في الدفاع عن نفسه لمواجهة ما سمته "التهديد الوجودي" الذي تشكله حركة حماس، كما أكد صُنّاع القرار السياسي الألماني، وفي مقدمتهم المستشار الألماني أولاف شولتس ووزيرة خارجيته آنالينا بيربوك، على المسؤولية التاريخية لألمانيا تجاه كيان الاحتلال بسبب محرقة اليهود (الهولوكوست) إبان الحكم النازي.
أما بريطانيا فقد أعلن نائب رئيس وزرائها، أوليفر دودن، أن بريطانيا تراجع المساعدات التنموية التي تقدّمها للفلسطينيين عقب هجوم حماس.
كما أعلنت ألمانيا والنمسا إيقاف تقديم المساعدات للأراضي الفلسطينية، إذ أفادت المتحدثة باسم وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية في ألمانيا بأن المساعدات المقدّمة للفلسطينيين "تتم مراجعتها، وهذا يعني تعليقها مؤقتاً"، حيث تستخدم تلك المساعدات لتمويل العديد من المشاريع، وخاصة "منشأة لتحلية المياه والتدريب المهني وإتاحة فرص عمل للشباب والأمن الغذائي".
وكذلك أعلن وزير الخارجية النمساوي ألكسندر شالنبراغ، تعليق المساعدات للفلسطينيين والتي تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 19 مليون يورو، والمخصصة لعدد من المشاريع، كما تبنى الائتلاف المحافظ الحاكم في النمسا، التي عادة ما تتمسك بحيادها، أحد أكثر المواقف المؤيدة لكيان الاحتلال في الاتحاد الأوروبي في السنوات الماضية.
وقد رفع عدد من البلديات الأعلام الإسرائيلية في مقارها في المدن الألمانية مع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، تعبيرا عن التضامن مع كيان الاحتلال، ومنعت الشرطة مظاهرات عدة مؤيدة للفلسطينيين قبل أن تحدث، لأسباب ذكرها مسؤولوها تدور حول الأمن وإمكانية معاداة السامية، أو التحريض على العنف"، كما اشتبكت الشرطة مع متظاهرين رفضوا قرار المنع، واعتقلت أعداداً منهم، إذ وضعت ألمانيا حدودا كبيرة على انتقاد كيان الاحتلال، فالسلطات الألمانية ترى أن أي نقد يجب ألا ينزلق إلى شيطنة الكيان ومن ذلك وصفه بالإرهاب، أو الدعوة إلى إزالته، بحكم مسؤولية برلين التاريخية تجاه اليهود.
وأفادت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر في نوفمبر الماضي بأن بلادها شهدت 450 مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين منذ عملية "طوفان الأقصى" مقابل 413 مظاهرة مؤيدة لكيان الاحتلال، مؤكدة التضامن مع الكيان الإسرائيلي ومعارضة معاداة السامية، مشيرة إلى أن "الترويج بشوارع ألمانيا للقضاء على اليهود أمر لا يمكن احتماله ويتطلب الصرامة الكاملة من جانب دولة القانون، وأنه لا ينبغي تعريض الحياة اليهودية للخطر مرة أخرى على الإطلاق فـ "كل إنسان يعيش في ألمانيا يعيش في إطار هذه المسؤولية، فاليهود ينبغي أن يتمكنوا من الشعور بالأمان في ألمانيا".
وكانت فيزر قد أعلنت أن ألمانيا حظرت أنشطة حركة حماس وكذلك شبكة "صامدون" للدفاع عن الأسرى المؤيدة للفلسطينيين، وفي 15 الشهر الماضي أعلنت تأييدها طرد داعمي حركة حماس من ألمانيا، إذ صرحت لصحيفة "بيلد إم زونتاج" الألمانية الأسبوعية بأنه "سوف نستخدم جميع السبل القانونية لطرد داعمي حماس"، وقد أيد زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي لارس كلينجبايل هذا الموقف، مطالبا مسلمي البلاد بإدانة هذه الحركة التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، مطالباً بطرد الشخص الذي يحتفل بحماس في الشوارع الألمانية ولا يحمل الجنسية، بقوله إن من لا يشاركنا قيمنا، ومن يدعم معاداة السامية والإرهاب فسيتم حرمانه من جواز السفر الألماني.
وانسحب هذا الموقف الأوروبي عموما، والألماني على وجه التحديد، على الدعم المقدم للجمعيات التي لا تتبنى التوجه الألماني في قضية الحرب على غزة، إذ تقيّد هذه الحكومة اليوم حرية المتعاطفين مع القضية الفلسطينية وتطالب الجميع علناً بدعم كيان الاحتلال، بل هناك من يطالب بتجريم المؤيدين للقضية الفلسطينية أو سحب جنسياتهم أو إنهاء إقاماتهم، وقد اعترفت وزارة الخارجية الألمانية بأنها تراجع الشراكة مع الكثير من الجمعيات بسبب موقفها من حرب كيان الاحتلال على قطاع غزة.
وقد طلبت وزارة الخارجية الألمانية من العديد من جمعيات المجتمع المدني العربي الالتزام بالموقف الألماني في هذه القضية، وهو ما أثار استهجان تلك الجمعيات ودفعها للتنديد بهذه المطالب، حيث كشفت منظمة “سيولا” المصرية أن هذه المنظمة وقعت مع 200 جمعية أخرى على بيان يدين كيان الاحتلال، وذكرت جريدة لوموند، أنه تمت مطالبتها من ألمانيا بسحب التوقيع من البيان وعدم التنديد بـ "إسرائيل" بل ضرورة شجب حركة حماس لكي تتماشى ومدونة سلوك ألمانيا.
وكذلك انضمت دول أوروبية مثل السويد وسويسرا إلى أسلوب التضييق الذي يلزم الجمعيات العربية التي تعتمد على الدعم الغربي، أن تتوقف عن إدانة كيان الاحتلال وأن تعترف بحقه في الوجود، ولا تقتصر الرقابة على جمعيات عربية بل حتى الجمعيات الفلسطينية، حيث أقدمت سويسرا على تجميد تمويل جمعيات حقوقية فلسطينية، وتعترف وزارة الخارجية السويسرية بعدم وجود ثغرات مالية لهذه الجمعيات لكن تقليلها من هجوم حركة حماس يوم 7 أكتوبر كان سببا في تجميد الأموال.
وكانت منظمة “أمنستي إنترناشنال” وجمعيات أخرى قد نددت بسياسة عواصم أوروبية تجاه جمعيات المجتمع المدني العربي في الشرق الأوسط بما فيها الجمعيات الفلسطينية، واعتبرت هذه المواقف نتاج التقليل من النشطاء العرب والانحياز الأعمى لكيان الاحتلال.
لم تكن خطوات الأوربيين يوما مفاجئة تجاه العرب وقضاياهم، ولا سيما إذا كانت القضية متعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، فمعظم الدول الأوروبية تقف في الصف الإسرائيلي، وتقدم لكيان الاحتلال كل الدعم والمساعدة.