الوقت- العملية في غزة هي عملية إسرائيلية ولست هنا لكي أملي مهلة زمنية [لإنهاء الحرب]"، هذا كلام وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن الذي توجه الاثنين إلى فلسطين المحتلة، وأجرت وسائل الإعلام تحليلات وتكهنات مختلفة حول مضمون لقائه مع وزير الحرب يوآف غالانت ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفي هذه اللقاءات، ناقش أوستن مع الجانب الإسرائيلي القضايا التالية: موعد انتهاء الحرب، استمرار الدعم العسكري، الحرب على الجبهة الشمالية (مع لبنان)، الحرب على الجبهة الجنوبية (غزة)، وإغلاق ممر البحر الأحمر أمام السفن الإسرائيلية أو السفن الذاهبة إلى "إسرائيل"، الوضع المزري في الضفة الغربية، وتقليل عدد القتلى المدنيين في غزة، وأخيرا، الوضع بعد نهاية الحرب.
وبينما كان أوستن يقف بجوار غالانت في المؤتمر الصحفي، قال للصحفيين: "نحن نتفهم عمق الصعوبة التي تواجهكم بعد السابع من أكتوبر، نحن بحاجة إلى التفكير معًا مرة أخرى، تواصل الولايات المتحدة التزامها العميق بأمن إسرائيل لتكون أقرب صديق لإسرائيل في العالم".
بعد هذا اللقاء والمؤتمر الصحفي، إذا نظرنا إلى وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن معظمها بدأ بالهتاف والكتابة، قال غالانت وهو يقف بجانب أوستن، إذا لم ينجح الحل السياسي مع حزب الله، فسوف لن نتردد بمهاجمة حزب الله.... عملياتنا العسكرية ستستمر كما كانت... سنطرد حزب الله من الحدود... إيران دعمت ودربت حزب الله وحماس والحوثيين، ونحن مستعدون للدفاع عن أنفسنا".
عندما نحلل كلام اثنين من مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية والإسرائيلية جنباً إلى جنب ومقارنتهما ببعضهما البعض، سنرى تلقائياً مدى الخلافات بين الطرفين التي يحاولان إبقاءها سراً، لا نحتاج إلى استخدام علم النفس السياسي وحتى لغة جسد المسؤولين، وأثارت العديد من وسائل الإعلام السؤال، لماذا ذهب أوستن إلى "إسرائيل"؟ هل هو لمزيد من الدعم أم لتحذير "إسرائيل" من الحرب مع حزب الله أم لتحديد سقف زمني للعمليات البرية في غزة؟
الجواب هو أن أمريكا قلقة جداً من فتح جبهة أخرى ل"إسرائيل"، ربما لا يزال الإسرائيليون منغمسين في الكبرياء والشعور بالانتقام، ويريدون تدمير الجميع بدعم من تحليق الأسلحة الأمريكية، ولا ينزعجون حتى من إشراك الأمريكيين بشكل مباشر في الحرب لتعزيز موقفهم، ولكن أمريكا تعلم أنه مع فتح جبهة أخرى أكبر، فماذا سيكون كل طرف من الأطراف الفاعلة في تلك الجبهة؟
فالأمريكي، الذي لا يتحرك بمفرده ضد القوات المسلحة اليمنية ويحاول التفاعل معها بنوع من الحركة الجماعية (لأسباب مختلفة)، لن يرحب أبداً بفتح جبهة جديدة في شمال "إسرائيل"، ولذلك حذر أوستن "إسرائيل" في هذا الصدد، رد فعل غالانت في المؤتمر الصحفي "لن نتردد في مهاجمة حزب الله إذا فشلت الدبلوماسية" يعني أن أوستن أكد وحذر من أن تل أبيب يجب أن تتعامل مع حزب الله من خلال الدبلوماسية، وليس الحرب.
ويقول أوستن إنه لا يملي حدا زمنيا على "إسرائيل"، ولكن نفس القول هذا يدخل في إطار الحديث عن مدة الحرب البرية في غزة، ولذلك فمن الواضح أن أمريكا وأوستن في هذه الرحلة يسعيان إلى تحديد سقف زمني -ولو كان تقريبيا- للحرب في غزة، لكن هذه أيضا نقطة مفصلية ومهمة تجيب عليها "إسرائيل" مرارا وتكرارا بأنها لم تحقق حتى الآن أي إنجازات في منطقة الحرب وهي بحاجة ماسة إلى حرب برية إلى الحد الذي تسترجع فيه القليل من الاحترام، على الأقل لدى نتنياهو مثل هذا الدافع، بل إنه يضحي بوجود "إسرائيل" من أجل هذا الدافع، ومن هنا يمكن ملاحظة مدى اعتدال الطرفان في إثارة خلافاتهما في المؤتمر الصحفي، والتحذير المهم الآخر الذي وجهته أمريكا ل"إسرائيل" هو التحذير بشأن الوضع في الضفة الغربية، لم تتناول هذه القضية المهمة سوى القليل من وسائل الإعلام، لكن الحقيقة هي أن أمريكا لديها نظرة أعمق للضفة الغربية مقارنة ب"إسرائيل"، التي لا تزال غارقة في حس الانتقام ومرتبكة بسبب ضربة 7 أكتوبر، الوضع في الضفة الغربية يزداد سوءا يوما بعد يوم، ومن ناحية أخرى، فبدلاً من إدارة مساحتها بحيث لا تصبح الضفة الغربية عبئاً جديداً على أكتاف تل أبيب وواشنطن، تنشغل "إسرائيل" باستفزاز الضفة الغربية بسياسة تهاجمية وقمعية وفجة، وهذا بالضبط ما تريده حماس، فهو من ناحية يطبق سياسة القبضة الحديدية والدموية، ومن ناحية أخرى جعل الآلاف من عمال الضفة الغربية عاطلين عن العمل، ومن ناحية أخرى، استولى على ملايين الدولارات من ضرائب الضفة الغربية، التي تستخدم لدفع رواتب العديد من الموظفين، ومن جهة أخرى، قامت الحكومة الإسرائيلية بتسليح المستوطنين بنية قتل أهل الضفة الغربية.
"يجب أن تتوقف الهجمات على الفلسطينيين في الضفة الغربية، ويجب القبض على من ينفذون هذه الهجمات، ولا تزال الولايات المتحدة تعتقد أنه من مصلحة "إسرائيل" والفلسطينيين التحرك نحو حل الدولتين والعيش معًا، هذه كلمات أوستن موجهة إلى غالانت ونتنياهو، ولا يحتاج الأمر إلى تحليل وتفسير أن الولايات المتحدة قلقة بشأن الوضع في الضفة الغربية، لكنها في الوقت نفسه، وبسبب ضغوط اللوبي الصهيوني، تعلن أنها ستبقى وراء "إسرائيل" حتى النهاية عن طريق تقديم الدعم المالي والسلاح، ولكن الحقيقة هي أن رحلة أوستن إلى فلسطين المحتلة كانت للدعم، وكانت بمثابة تحذير حتى في ظل السلوك التدميري لنتنياهو وغالانت، ويجب على أمريكا إدارة الوضع العام حتى يتحسن وضع "إسرائيل" المزري ولا يزداد سوءا.