الوقت - بعد أسبوع من استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار في مجلس الأمن لإنهاء الحرب في غزة، لم يدفع هذا الإجراء المجتمع الدولي إلى وقف جهوده لوقف الهجمات الهمجية للکيان الصهيوني، وإبرام وقف لإطلاق النار.
وأخيراً، دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأغلبية أعضائها، يوم الأربعاء الماضي، في خطوة نادرة، إلى وقف فوري للحرب ومعالجة الوضع الإنساني في غزة، لتحدث هزيمة سياسية كبيرة للكيان الصهيوني وأمريكا.
وكانت مصر وموريتانيا الجهة التي قدمت هذا القرار، الذي دعا يوم الاثنين الماضي إلى عقد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء، مستشهداً بالقرار 377أ (5).
ويقول القرار إنه إذا لم يتمكن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من الوفاء بمسؤوليته الأساسية المتمثلة في الحفاظ على السلام العالمي بسبب عدم وجود توافق في الآراء، فيمكن للجمعية العامة للأمم المتحدة أن تتدخل.
وقرر غوتيريش يوم الأربعاء الماضي تفعيل المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، لتحذير مجلس الأمن رسمياً من أن الحرب الإسرائيلية على غزة أصبحت الآن تهديداً عالمياً.
وفقاً لهذا القسم من ميثاق الأمم المتحدة، يمكن للأمين العام للأمم المتحدة أن يطلب عقد اجتماع عام، بناءً على طلب عضو واحد على الأقل من أعضاء مجلس الأمن أو مجموعة من أعضاء الجمعية العامة لمعالجة قضية أو أزمة معينة، بحيث يتم التصويت عليها ويتم اتخاذ القرار الجماعي للأعضاء بأغلبية الأصوات، والأهم أن هذا القرار يمكن أن يشمل "استخدام القوة المسلحة إذا لزم الأمر".
ولكن بغض النظر عن التكاليف السياسية، فإن توصيات الجمعية العامة غير ملزمة قانوناً، وهذا يعني أن مقترحاتها يمكن تجاهلها دون عواقب، كما تجاهل الکيان الصهيوني العديد من قرارات الأمم المتحدة الملزمة في الماضي، ويرجع الفضل في ذلك بشكل أساسي إلى الدعم الدبلوماسي الذي تقدمه واشنطن.
يهدف القسم ألف من القرار 377 ألف (5)، المعروف أيضًا باسم "الاتحاد من أجل السلام"، إلى معالجة الوضع الذي "تفشل فيه الأمم المتحدة في الوفاء بمسؤوليتها الأساسية عن صون السلام والأمن الدوليين"، لأن أعضاء مجلس الأمن لديهم اختلاف في الرأي حول هذه القضية، وطريق إصدار قرار في مجلس الأمن مسدود.
وكانت الفكرة المتوخاة في هذا القرار، هي النظر في منح المزيد من الصلاحيات للأمين العام للأمم المتحدة من أجل كسر الجمود المحتمل، والتي يعود تاريخها إلى الأزمة الكورية في عام 1950.
في هذا العام الذي يرتبط بحقبة الحرب الباردة والتنافس بين كتلتي الشرق والغرب، ذهب شطرا كوريا الشمالية والجنوبية إلى الحرب بعد سنوات من العداء، وهاجمت كوريا الشمالية كوريا الجنوبية.
وفي ذلك الوقت، استخدم الاتحاد السوفييتي، دعماً لحليفه الشيوعي، حق النقض (الفيتو) لمنع أي قرار في مجلس الأمن لإنهاء الحرب، وهذا ما دفع الولايات المتحدة والكتلة الغربية إلى إصدار القرار 377 (5) في 3 نوفمبر 1950 في الجمعية العامة، لمواجهة الفيتو المتكرر للاتحاد السوفييتي.
أين تم استخدامه من قبل؟
لم يتم استخدام هذا القرار إلا مرات قليلة خلال العقود الماضية للمساعدة في حل مجموعة متنوعة من الصراعات، بما في ذلك أزمة الكونغو في الستينيات، الصراع بين الهند وباكستان عام 1971، والاحتلال السوفييتي لأفغانستان عام 1980.
وكما ذكرنا، فإن أحد العناصر الحاسمة في القرار هو الموافقة على استخدام القوة من قبل الجمعية العامة، إذا رأت ذلك مناسباً.
ومن هذا المنظور، تم تنفيذ القرار 377 مرة واحدة فقط - في الأزمة الكورية - ودعا جميع الدول إلى مواصلة أي مساعدة لعمل الأمم المتحدة في كوريا، إلا أنه لم يؤد إلى نشر قوات الأمم المتحدة في المنطقة، ولهذا السبب، فإن هذا البيان يعطي شرعيةً أكبر لتصرفات الدول الغربية للتدخل في الأزمة.
الآن أيضًا، وعلى الرغم من استشهاد أكثر من 18 ألف شخص، غالبيتهم من المدنيين، بمن في ذلك النساء والأطفال في غزة، وتضرر مشاعر الرأي العام بشدة، وعدم سماح الولايات المتحدة بتوقف الحرب من جانب واحد من خلال استخدام حق النقض ضد القرارات الأمنية، فإن السؤال العام هو: هل يمكن للقرار الأخير للجمعية العامة أن يجبر الکيان الصهيوني على وقف هجماته؟
في الجواب الأول تبرز الحقيقة أن قرارات ومقررات الجمعية العامة ما هي إلا توصيات، وهذا كل شيء؛ وهذا يعني أنه على عكس بعض قرارات مجلس الأمن، فإن هذه القرارات ليست ملزمةً قانوناً.
ومع ذلك، كان هذا القرار بمثابة ضربة قاتلة للرواية السياسية والدعائية واسعة النطاق لأمريكا والكيان الصهيوني، لتبرير الاعتداءات على غزة خلال الشهرين الماضيين وإفشال الجهود الدولية لتحقيق السلام، من خلال استخدام مبدأ الدفاع المشروع أو الادعاء الكاذب بتسمية مقاومة حماس بأنها إرهابية.
ولذلك، فإن صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، أظهر مرةً أخرى أن المجتمع الدولي يدين هجمات الکيان الصهيوني باعتبارها غير شرعية، ويطالب بوقف قتل المدنيين.
من جهة أخرى، يبين هذا القرار أن الأعمال العسكرية التي تقوم بها مختلف أجزاء محور المقاومة من لبنان إلى اليمن ضد مصالح الکيان الصهيوني، تحظى بقبول دولي.
وهذا يعني أنه حيث فشل المجتمع الدولي في القيام بواجباته في مساعدة شعب غزة بسبب مصالح القوى العظمى، فإن جبهات محور المقاومة هي التي تحملت عبء هذا الواجب الإنساني، وسارعت للمساعدة في الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين.