الوقت- إن خلق شرخ بين سكان غزة وجماعات المقاومة، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، كان إحدى الاستراتيجيات التي درسها الكيان الصهيوني في الأسابيع الأخيرة.
وفي ظل الوضع الذي يعتبر فيه وقف إطلاق النار المؤقت واستمراره في غزة ضرورة إنسانية، إلا أن الشيء الوحيد الذي لا ينبغي إغفاله هو أحجار الدومينو لإخفاقات الكيان الصهيوني؛ إن لعبة الدومينو التي استمرت منذ الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر وخلال الخمسين يوما الماضية، كان لها ظهور خاص في تطورات ساحة المعركة في الأراضي المحتلة.
إن ما استحوذ على اهتمام وسائل الإعلام والدوائر السياسية الدولية أكثر من أي شيء آخر في الوضع الحالي هو تعميق التصدعات في البنية السياسية للكيان الصهيوني؛ وهي مسألة تعتبر من نتائج عملية "عاصفة الأقصى"، ولم يتمكن وقف إطلاق النار المؤقت وتبادل الأسرى من تغطيتها، ورغم أن حكومة نتنياهو اعتقدت أن تنفيذ صفقة تبادل الأسرى، يمكن أن يوفر أرضية مناسبة لتخفيف الضغوط الداخلية على مجلس الوزراء، إلا أن الدراسات تظهر أن أحجار الدومينو لإخفاقات الكيان الصهيوني تجعل الوضع أكثر صعوبة بالنسبة لسلطات هذا الكيان، ولهذه المسألة مظاهر سنتناولها فيما يلي:
النقطة الأولى التي تلفت الانتباه هذه الأيام بعد وقف إطلاق النار هي تعميق الأزمات والانقسامات الداخلية في البنية السياسية للكيان الصهيوني، ورغم أننا شهدنا خلال الخمسين يوما الماضية منذ عملية "عاصفة الأقصى"، أزمات عديدة في جسد حكومة نتنياهو، إلا أنه بعد تثبيت وقف مؤقت لإطلاق النار، تعمقت هذه الفجوات؛ لدرجة أن العديد من المراقبين لتطورات المنطقة يعتقدون أن سقوط حكومة نتنياهو شبه مؤكد في الوضع الحالي، وأن تثبيت وقف دائم لإطلاق النار وحتى استمرار الحرب لن يكون له تأثير كبير على بقاء هذه الحكومة، ونتنياهو في نهاية عمر حكومته.
ويمكن اعتبار تزايد الخلافات بين المسؤولين السياسيين والقادة العسكريين في الكيان الصهيوني مظهرا آخر من مظاهر "أحجار دومينو الفشل" لهذا الكيان، ونشرت وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة أخباراً مختلفة عن تعمق الفجوات بين العسكريين وسياسيي الكيان الصهيوني، وعن الخلافات التي تزايدت بعد وقف إطلاق النار؛ هذا فيما تظهر التجربة أن الصهاينة عادة ما يضعون الخلافات جانباً عند حدوث أزمة ويحاولون تسهيل عملية اتخاذ القرار الاستراتيجي، لكننا رأينا الآن أن الخلافات في حكومة نتنياهو برزت بطريقة جريئة، ومن ناحية أخرى، نُشرت أخبار تشير إلى استقالة عدد كبير من القادة العسكريين في الكيان الصهيوني؛ وهي مسألة تظهر حدوث تصدعات عميقة في البنية السياسية العسكرية للكيان الصهيوني.
وهناك مسألة أخرى ينبغي النظر إليها في سياق "أحجار دومينو الفشل" للكيان الصهيوني، وهي فشل هذا الكيان في "اتخاذ قرار بشأن غزة من دون حماس"؛ إن الإستراتيجية التي أكد عليها الصهاينة منذ بداية الحرب في غزة هي أنهم يعتزمون محو حماس والجهاد الإسلامي من مستقبل غزة، أما الآن فنرى أن جبهة المقاومة الفلسطينية ما زال لها اليد العليا في المعادلة السياسية العسكرية الحالية في غزة، ولم تتمكن تل أبيب من تحقيق أهدافها في هذا المجال.
إن خلق شرخ بين سكان غزة وجماعات المقاومة، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، كان إحدى الاستراتيجيات الأخرى التي درسها الكيان الصهيوني في الأسابيع الأخيرة، كان التركيز الإعلامي السياسي للصهاينة يرتكز على فرضية مفادها بأن أهل غزة زهقوا من المقاومة، وباتوا لا يرحبون بحماس والجهاد الإسلامي.
في هذا الوقت، وبعد إعلان وقف إطلاق النار المؤقت، شهدنا المظاهر النقية لتضامن الشعب الغزّي مع المقاومين، وخلال أفراح واحتفالات الشعب بسبب إطلاق سراح الأسرى، صورة الصحبة والتعاطف مع المقاومة، وبثت رسالة الغزيين مع المقاومين إلى العالم.
وينبغي اعتبار فشل الكيان الصهيوني في نقل السكان من شمال غزة مظهراً آخر لفشل هذا الكيان، وبعد إعلان وقف إطلاق النار، شددت سلطات تل أبيب على ضرورة امتناع سكان شمال غزة عن العودة إلى هذه المنطقة، وعلى الرغم من ذلك، فقد شهدنا عودة العديد من سكان غزة إلى شمال هذه المنطقة في الأيام الأخيرة، وهذا يدل على أن استراتيجية نقل سكان غزة، أولاً إلى جنوب غزة ثم إلى مناطق أخرى من الأراضي المحتلة وحتى صحراء سيناء، قد واجهت فشلاً ذريعاً.