الوقت- إن الحرب الأخيرة في غزة، والتي أسفرت عن قتل وحشي لآلاف الفلسطينيين والحالة الفوضوية التي أثرت بشدة على أمن واستقرار منطقة غرب آسيا، قد وضعت القضية الفلسطينية مرة أخرى في مركز الاهتمام الدولي.
في غضون ذلك، هناك تطور مهم للغاية في مجال الجهات الفاعلة التي تلعب دورًا في هذه الأزمة المستمرة منذ 75 عامًا، والتي يمكن حتى الإشارة إليها على أنها نقطة تحول في مجال الوساطة الدولية لحل الأزمة، وهو زيادة عدد الراغبين في منظمة البريكس في الدخول بشكل أكثر جدية وفعالية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
عقدت مجموعة دول البريكس اجتماعا استثنائيا مشتركا لرؤساء الدول يوم الثلاثاء لمراجعة الوضع في غزة بعد ستة أسابيع من الحرب بين "إسرائيل" وحركة حماس الفلسطينية، وانتهى الاجتماع بطلب وقف الحرب ورفع الحصار وسرعة إيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الحرب.
ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تتناول فيها منظمة البريكس الفتية والناشئة، والتي تشكلت بأولوية التعاون الاقتصادي لدول العالم الخمس الناشئة، الملف السياسي للتطورات الفلسطينية، إلا أنه من المؤكد أن الاجتماع الاستثنائي الأخير وبعد أن اتخذ اجتماع الأعضاء في جوهانسبرغ في أيلول/سبتمبر موقفاً بشأن دعم تشكيل دولة فلسطينية مستقلة، يمكن للمرء أن يترك انطباعاً عاماً بأن التطورات في فلسطين تتماشى أولاً مع المصالح العامة لهذه المنظمة، وثانياً، ويبدو أن فلسطين تشكل اختباراً عظيماً ومعياراً عظيماً في الاستهداف الكلي الذي تقوم به مجموعة البريكس لتتولى جزءاً من العملية، ولقد أصبحت إدارة التطورات العالمية بمثابة تحول دولي في عصر النظام الجديد، وبعبارة أخرى، في حين أن دعم مجموعة البريكس لفلسطين ليس جديدا، فإن الوضع الأخير جديد تماما.
وترمز البريكس إلى أسماء الأعضاء المؤسسين لهذه المنظمة، بما في ذلك البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وكان هذا المصطلح، الذي تمت صياغته في عام 2001، في البداية مجرد مفهوم اقتصادي ويشير إلى الاقتصادات الناشئة التي من المتوقع أن تكون أكثر تقدما من القوى الاقتصادية الكبرى الحالية والمركز الصناعي في العالم بحلول عام 2050.
ومع ذلك، خلال اجتماع البريكس الأخير في جنوب أفريقيا، أظهر قبول الأعضاء الجدد أن هذه المنظمة اتخذت خطوة إيجابية نحو لعب دور أكبر في القضايا الجيوسياسية الدولية.
وفي كلمته أمام منتدى أعمال البريكس، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ: "في الوقت الحالي، تحدث التغييرات في العالم وفي عصرنا وفي التاريخ بطريقة لم تحدث من قبل، والمجتمع البشري يصل بها إلى نقطة حرجة.. إن مسار التاريخ سوف يتشكل من خلال الاختيارات التي نتخذها."
ومع احتدام المنافسة بين الصين والقوى الغربية، ينظر التحالف الغربي بشكل متزايد إلى المنظمات الإقليمية والدولية التي تركز على دور الصين وروسيا، مثل منظمة شنغهاي للتعاون، من خلال عدسة المنافسة والتجسيد المؤسسي في مقاومة النظام ذي التوجه الغربي.
وفي هذه الساحة التنافسية، تحظى قضية فلسطين بأهمية رمزية واختبار مهم لدول البريكس لكسب ثقة ما يسمى الجنوب، الذي يعتقد أن الخطاب السياسي الحالي للغرب حول مستقبل التعددية لا ينسجم مع الواقع، ولا يأخذ في الاعتبار مصالح ومثل الجنوب العالمي.
ومن المظاهر الأخرى لهذه القضية كان مع توسع البريكس، بعد انضمام إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإثيوبيا والأرجنتين، وهو ما أظهر بوضوح أهميته الرمزية، حيث يمكن لهذه المنظمة أن تكون صوتا قويا في تحديد الاتجاه للنظام العالمي، وبالتالي النسخة العالمية للتعددية في الجنوب.
بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يكون للكتلة تأثير أكبر في المجال الاقتصادي من خلال دعم هيكل مالي عالمي جديد، وإلغاء اعتماد الدولار على الاقتصاد العالمي وإضعاف أنظمة العقوبات الغربية.
ما لا شك فيه، في مواجهة الاضطرابات العالمية بعد حرب غزة الأخيرة، فهم أعضاء البريكس الأهمية الرمزية للقضية الفلسطينية في إظهار مجمل النظام الحالي غير العادل الذي تديره القوى المهيمنة التي تدعم كيان الفصل العنصري الصهيوني، وبالتالي للتحول ليصبحوا بطل العالم النامي ويقدموا بديلاً للنظام العالمي الحالي غير العادل، يجدون أنه من الضروري دخول هذه الساحة.
ومع اشتداد المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على مدى العقد الماضي، سعت بكين بشكل متزايد إلى وضع نفسها كزعيمة للعالم الناشئ متعدد الأقطاب، إن مبادرة الأمن العالمي، التي أعلنها الزعيم الصيني شي جين بينغ العام الماضي، هي محاولة لتشكيل نظام أمني عالمي جديد تقول بكين إنه أكثر قدرة على التعامل مع تحديات السلام والصراعات المستعصية، مثل القضية الفلسطينية، من النظام الذي يقوده الغرب.
ومن المؤكد أن إطار هذا الوضع واعد بالنسبة للفلسطينيين، حتى لو كانت العلاقات بين أفراد هذه المجموعة والكيان الصهيوني تتشابك أحيانا مع التعاون الاقتصادي والعسكري والسياسي والأمني، وحتى لو فكر الصهاينة في استراتيجية التقرب من الشرق وتقليل الاعتماد على الغرب خلال السنوات المقبلة، وفي هذا الصدد، قال موشيه أرينز، وزير الدفاع السابق عن حزب الليكود وسفير "إسرائيل" في واشنطن، في مايو 2014: "إن إسرائيل تتجه ببطء ولكن بثبات نحو الشرق"، ومن الأمثلة على هذه السياسة قرار وزارة الاقتصاد الإسرائيلية في العام نفسه بإغلاق المكاتب التجارية الإسرائيلية في السويد وفنلندا وفتحها في الصين والهند والبرازيل.
وخلال هذه السنوات، تنامت العلاقات الاقتصادية والأمنية لدول البريكس مع الكيان الصهيوني، ما دفع بعض المحللين إلى اعتبار المواقف الرسمية لقوى البريكس الأوراسية الثلاث في التعبير عن التعاطف مع القضية الفلسطينية تتأثر بعلاقاتهم الاستراتيجية والاقتصادية مع "إسرائيل" وتشكل عائقًا أمام تعزيزها، وهي القضية التي أثارت التساؤل حول ما إذا كان إعلان تضامن دول البريكس مع فلسطين سيبقى رمزيا وعلى الورق فقط؟ لكن الواقع شيء آخر.
فمن ناحية، يُعَد أعضاء مجموعة البريكس، من نواحٍ عديدة، امتدادًا لحركة عدم الانحياز التي ازدهرت في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين، حركة لديها رغبة قوية في إدانة "إسرائيل" في المنظمات الدولية، على سبيل المثال، عندما دعت هذه المنظمة في عام 2011 إلى الاعتراف بفلسطين من قبل الأمم المتحدة، وقد انضمت البرازيل والهند وجنوب أفريقيا، باعتبارها أعضاء غير دائمين في مجلس الأمن، إلى روسيا والصين في التصويت لمصلحة هذا الاقتراح، أو أن هذه الدول أعربت دائماً عن قلقها إزاء توسع المستوطنات الإسرائيلية.
كما أنه بالمقارنة بحجم علاقات "إسرائيل" الاقتصادية والاستراتيجية مع أمريكا والاتحاد الأوروبي، فإن علاقات هذا الكيان مع البريكس لا تزال ضئيلة للغاية.
بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي أن ننسى أن واشنطن حساسة للغاية تجاه علاقات "إسرائيل" الإستراتيجية مع القوى الأجنبية المتنافسة، وروسيا والصين تدركان ذلك، إلى حد أن الأزمة الأوكرانية كانت محكًا خطيرًا أظهر أنه في اللحظة الحاسمة من الحرب، وبالاختيار بين مصالح التحالف شرقاً أو غرباً، فإن الكيان الصهيوني يتجه بالكامل نحو الغرب.
وفي مجال العمل، اتخذت مجموعة البريكس أيضاً خطوات لتعزيز موقف فلسطين، حيث انتهى اجتماع جوهانسبرج بإعلان يدعو إلى عملية تؤدي إلى إنشاء دولة مستقلة وقابلة للحياة للفلسطينيين على أساس خطة السلام العربية.
وفي الواقع، فإن دول البريكس ترفض ضمناً مواقف الولايات المتحدة القائمة على الترويج لاتفاقيات التطبيع دون إيجاد حل دائم وهو تشكيل دولة فلسطينية مستقلة.
ومن ناحية أخرى، فإن نهج البريكس، وخاصة عضويها الأساسيين (الصين وروسيا)، تجاه فلسطين يجب أن يكون متوازنا ومتفاعلا مع السياسات الإقليمية الأخرى لهذه الدول، أي ما تهدف إليه روسيا بعد العدوان الناجح في سوريا، لاستعادة دورها التاريخي في الجغرافيا العربية، وقطعت الصين، من خلال الوساطة بين إيران والمملكة العربية السعودية، خطوة كبيرة نحو زيادة دورها في التطورات الإقليمية.
أخيرًا، من المهم أن نتذكر أن التزام مجموعة البريكس بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لا يزال في مراحله الأولى، ومع التوسع المتوقع لدول البريكس وانضمام الدول العربية والأفريقية واللاتينية، فإن هذه الكتلة أكثر استعدادًا للتدخل الجاد أو استخدام أدوات القوة الناعمة، من أجل الضغط على "إسرائيل" للاعتراف بحقوق الفلسطينيين.