الوقت- حذر مركز الأبحاث الأمريكي الموالي للصهيونية من أن نهاية حرب غزة قد تكون هزيمة حاسمة لـ"إسرائيل"، وأشار معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في تحليل له إلى أن احتمالات انتصار وتفوق الجيش الإسرائيلي على حماس منخفضة للغاية لدرجة أن أي نتيجة أخرى قد تكون مستحيلة، لكن من الممكن أن تكون حرب غزة هي الحرب الأولى في تاريخ "إسرائيل" التي خاض فيها الجيش وخسر وستكون هذه الهزيمة كارثية بالنسبة لـ"إسرائيل" ومدمرة للغاية بالنسبة للولايات المتحدة وهذا هو بالضبط السبب وراء عدم تجاهل هذه الحرب.
لقد أنهى الجيش الأمريكي الصراعات في لبنان والصومال وهايتي دون تحقيق نصر واضح، لكنها كانت محدودة النطاق، إن حروب ما بعد 11 سبتمبر في العراق وأفغانستان ومنطقة الحدود السورية العراقية لم تحقق النتائج المرجوة رغم الجهود الجادة وإنفاق موارد كبيرة، وسنوات كثيرة من الحرب وإنفاق مليارات الدولارات ووقوع آلاف الخسائر العسكرية التي لم تكن كافية لضمان النصر للولايات المتحدة.
والدرس الذي ينبغي تعلمه من تجربة الولايات المتحدة هو أنه حتى الأطراف الضعيفة قادرة على هزيمة الأطراف القوية باستخدام الاستراتيجية الصحيحة، ووفقاً لحماس، فإن مفهوم النصر العسكري هو تحقيق نتائج سياسية طويلة المدى.
إن حماس لا ترى النصر في سنة أو خمس سنوات، بل في صراع يمتد لعقود من النضال، وهو ما من شأنه أن يزيد من التضامن الفلسطيني ويزيد من عزلة "إسرائيل"، وفي هذا السيناريو، ستحشد حماس سكان غزة حولها بسبب غضبهم من تصرفات وجرائم "إسرائيل"، إن استمرار الحرب سيسهم في انهيار سلطة منظمة التحرير الفلسطينية لأنه سيقود الفلسطينيين إلى الاعتقاد بأن هذه السلطة هي أداة للحفاظ على السلطة العسكرية الإسرائيلية.
وفي الوقت نفسه، تنأى الدول العربية بنفسها بقوة عن تطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، والجنوب العالمي ينحاز بقوة إلى قضية فلسطين، وأوروبا تتراجع عن موقفها بسبب تجاوزات الجيش الإسرائيلي، إن الجدل والخلاف حول "إسرائيل" في أمريكا بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي سوف يُنهي الدعم الذي تمتعت به "إسرائيل" منذ أوائل السبعينيات، لقد أثارت أصوات الحرب الإقليمية جدلاً عالمياً حول تكلفة التحالف مع "إسرائيل" ولهذا فإن هذه الحرب سوف تعزل "إسرائيل" عن شركائها الدوليين.
ولا تحتاج حماس إلى أن تكون قوية لتنفيذ هذه الاستراتيجية، بل تحتاج فقط إلى أن تكون صامدة، ومن أجل إلحاق الهزيمة بـ"إسرائيل"، وبدلاً من السعي إلى زيادة قوتها، تسعى حماس إلى استخدام قوتها وخططها الاستراتيجية ضد "إسرائيل"، إن تصرفات "إسرائيل" تعزز أهداف حماس، وإن إنجازات هذه الحركة في 7 تشرين الأول/أكتوبر سوف تلهم الأجيال القادمة من الفلسطينيين. وهنا تجدر الإشارة إلى أن "إسرائيل" تدعي أنها قادرة على قتل عدد كاف من مقاتلي حماس بالسرعة الكافية لتحقيق النصر، وسوف تحدد التفاصيل في وقت لاحق، ومن ناحية أخرى، فإن هدف حماس هو وضع الحرب في طريق مسدود، ولهذا يمكن التساؤل هنا ماذا يجب على "إسرائيل" أن تفعل لضمان هزيمة حماس؟
هناك قضيتان مترابطتان ومهمتان، الأولى تتلخص في اكتساب الدعم الدولي، وهو ما يبدو أن "إسرائيل" قد خسرته لمصلحة حماس، وتكتسب هذه القضية أهمية خاصة فيما يتعلق بالدول المحيطة، والتي أغلبها، مثل "إسرائيل" لها مواقف ضد حماس. والقضية المهمة الثانية هي أن "إسرائيل" يجب أن تفصل حماس عن السكان المحيطين بها، وأن تضمن عدم التضامن الذي تشكل بين الفلسطينيين بعد هذا، وتتطلب الحرب أن يكون هناك بديل قوي لحماس، إن وجود حركة فلسطينية قوية، قادرة في بعض الأحيان على الوقوف في وجه "إسرائيل" بدلاً من الخضوع لها ببساطة، سيكون أفضل كثيراً بالنسبة لـ"إسرائيل"، لقد فشلت السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس في هذا المجال، ونتيجة لذلك انخفضت شعبيته بشكل كبير.
لقد أمضى وزير الخارجية الأمريكي معظم الأسبوع في الشرق الأوسط في الترويج لهذه الأفكار وغيرها، لكن يبدو أنه لم يحقق نجاحاً يذكر، ومن الواضح أن "إسرائيل" في حالة حرب إلى حد كبير، وإذا نظرنا إلى التصريحات العامة للمسؤولين الإسرائيليين، فيبدو أنهم لم يفكروا بما فيه الكفاية حول الشكل الذي سيبدو عليه الفوز، ولم يتمكن بلينكن من تغيير رأيهم، ولهذا لا تستطيع "إسرائيل" أن تتحمل الخسارة في الحرب، ولهذا فإنها تبذل الكثير من الجهود للفوز.
هل تستطيع "إسرائيل" هزيمة حماس
الحرب ضد حماس لن تكون إلا حلقة عنيفة تمهد الطريق للحرب الجديدة ما لم تضع "إسرائيل" إستراتيجية خروج تؤدي إلى حل للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.
ومع استمرار الحرب بين "إسرائيل" وحماس فإن الدعوة الدولية لوقف إطلاق النار، أو على الأقل “استراحة” قصيرة من القتال لبضعة أيام للسماح بتسليم الضروريات التي تشتد الحاجة إليها، تشكل ضرورة أساسية للغاية في هذه المرحلة.
ومن الواضح بشكل صارخ أن هناك تعاطفا دوليا متزايدا تجاه الفلسطينيين نظرا إلى حجم الدمار والخسائر في الأرواح، وإن هذه الأزمة الإنسانية بهذا الحجم المذهل تلقي بظلالها على المذبحة غير المعقولة التي راح ضحيتها 1400 شخص في "إسرائيل" واختطاف 248 آخرين.
ولكن من المؤسف أنه على الرغم من حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها، فإن الحملة الرامية إلى استئصال حماس أصبحت أشبه على نحو متزايد بحرب الثأر والانتقام، لقد تسببت في دمار هائل ومعاناة إنسانية، فبعد أربعة أسابيع فقط، لقي ما يقرب من 11 ألفا حتفهم في غزة، ثلثهم من الأطفال تحت سن الثامنة عشرة، وهناك ندرة مروعة في الغذاء والدواء والمياه والوقود، وأصبح ما يقرب من نصف السكان الآن نازحين داخلياً.
هذه الكارثة تتكشف أمام أعيننا ويجب أن تتوقف، ولو مؤقتا، للمساعدة في إنقاذ حياة العديد من عشرات الآلاف من الجرحى، ودفن الموتى، وتجنب المجاعة على نطاق واسع، وعلى الرغم من أن الوقف المؤقت للأعمال العدائية يفيد حماس، إلا أن الأمر لا يزال يستحق القيام به ليس فقط بتخفيف المعاناة المروعة عن جميع السكان في غزة، ولكن أيضًا بفتح نافذة للتفاوض على إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من الرهائن، وخاصة جميع النساء والأطفال مقابل هدنة في القتال.
وفي حين أن هدف "إسرائيل" المعلن منذ البداية كان ولا يزال له ما يبرره، هو تدمير حماس، فإن "إسرائيل" لم تعرض حتى الآن أي إستراتيجية واضحة للخروج أو نهاية اللعبة، وبمجرد هزيمة حماس بالكامل، وهو أمر لا يزال هدفاً صعباً، فسوف يكون لزاماً على "إسرائيل"، بدعم من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بشكل خاص، أن تقدم بديلاً سليماً يلبي تطلعات الفلسطينيين ويجعل حماس غير ذات أهمية.
هزيمة "إسرائيل"
يزهر الدم الفلسطيني طوفانات تأييد ودعم كاسح في شوارع العالم ضد الظلم والاحتلال والصهيونية، وانحيازاً للحق الفلسطيني في الحياة الحرة، وتتضاءل الرواية الصهيونية الغربية وتندحر وتنهزم أمام الوعي الشعبي العالمي الذي يهزم ترسانة الإعلام الصهيوني والمتصهين الصلب والوحشي، وينبض ضمير شوارع العالم بالحق والعدل والخير، بفعل جسارة عدد كبير من المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، وعدد من أحرار اليهود، والأهم بفضل انتفاضات الجاليات العربية والإسلامية في أوروبا وأمريكا والعالم.
ويمثل مصير ركاب الطائرة الإسرائيلية التي هبطت في داغستان، مقطعاً عرضياً وبروفة على ردات فعل الحشود الضخمة الجارفة التي سيواجهها الإسرائيليون في كل أرجاء المعمورة.
ستدخل "إسرائيل" في أعوام قاسية جداً من العزلة والمقاطعة والكراهية في كل أنحاء العالم، ما سيجعل من "إسرائيل" كلها «غيتو» مغلقاً، وما سيرفع إلى مستويات عليا جديدة، لتأثر المقاطعة على كل النواحي الاقتصادية والأكاديمية والسياحية والسياسية والرياضية.
أخيرا حماس درست جيداً حرب المدن، فمعركة الفلوجة استغرقت من الأمريكيين بكل ما أوتوا من قوة أكثر من ثمانية أشهر، ومعركة الموصل تسعة أشهر، وهناك حروب مدن أخرى استغرقت سنوات، لكن في غزة "إسرائيل" تقاتل أشباحاً لا تعرف من أين يخرج مقاتل حماس ولا كيف تواجهه، فأنفاق حماس تزيد على خمسمئة كيلو متر داخل غزة، وقد أعدوا للجنود الإسرائيليين فيها ما لم يتوقعوه، فإن قرر الإسرائيليون إطالة أمد الحرب فحماس مستعدة وهم الخاسرون، الحرب لا شك مؤلمة وموجعة وغير متكافئة والخسائر فادحة لكن الإيمان حينما يملأ القلب واليقين حينما يغشي النفس، يحول هذا برداً وسلاماً تجدونه في وجوه وكلام أهل غزة.