الوقت- يجب أن تعتبر معركة طوفان الأقصى نقطة تحول في تاريخ حركة حماس، لقد حولت هذه الحركة السياسية العسكرية الهدفين الرئيسيين لـ"إسرائيل"، وهما تدمير حماس وتحرير الأسرى الإسرائيليين، إلى حلم، وحول هذا السياق، كتب حسين كاظم زاده؛ الباحث في مجال الدين والفكر في مذكرة بجريدة همشهري الايرانية، "في عام 1987، بعد وقت قصير من بداية الانتفاضة الأولى ضد إسرائيل، تأسست حركة حماس على يد الناشط الفلسطيني الشيخ أحمد ياسين، الذي كان يجلس على كرسيه المتحرك، وتأسست هذه الحركة من قبل مؤسسة أحمد ياسين الخيرية "المجمع الإسلامي" التي تأسست في غزة عام 1973 بالتعاون ومشاركة جماعة الإخوان المسلمين المتمركزة في مصر.
يجب أن تعتبر حادثة الأقصى نقطة تحول في تاريخ حركة حماس
إن المبادرات التي قدمتها هذه الحركة السياسية والعسكرية إلى الميدان جعلت من الصعب للغاية شن حرب برية إسرائيلية ضد الفلسطينيين وشعب غزة، وقلبت الهدفين الرئيسيين لـ"إسرائيل" بعد الهزيمة الكبيرة في طوفان الأقصى، وهو تدمير حماس وتحرير الأسرى الإسرائيليين، إلى حلم.
1. عدم استخدام الهواتف الذكية والأجهزة الرقمية
وفي عصر تعتمد فيه جميع الأنشطة العسكرية والمدنية على الأدوات الذكية، فإن حماس، نظراً للمشاكل الأمنية الناجمة عن استخدام هذه الأدوات، تجري جميع أنشطتها عبر الهواتف السلكية والاجتماعات المباشرة، ولدى الإسرائيليين تاريخ طويل من عمليات القتل المستهدف باستخدام الهواتف لتحديد الأهداف وتحديد مواقعها، ومن أوائل ضحايا هذا الأسلوب كان يحيى عياش زعيم حماس عام 1996، الذي استشهد في العام نفسه الذي تم فيه استهداف وقتل دوداييف، رئيس الشيشان.
ووفقًا لمصدرين إسرائيليين مطلعين، تشير المعلومات التي تبادلها الكيان الصهيوني مع الولايات المتحدة إلى أن وحدة صغيرة من قوات حماس خططت لهجوم قاتل مفاجئ على "إسرائيل" على مدار عامين عبر هواتف سلكية قديمة في أنفاق تحت الأرض وهي مسألة لم تتحدد أبعادها بعد بالنسبة لأجهزة أمن الكيان الصهيوني، وأحد أسباب انخفاض عدد شهداء حماس العسكريين ضد الجيش الإسرائيلي هو عدم تعقب هؤلاء المقاتلين.
2. مبادرة لتدمير ميركافا
تستخدم قوات حماس العسكرية أسلوبًا جديدًا ومبتكرًا لتدمير الدبابات الإسرائيلية، وفي هذه الطريقة تقوم إحدى القوات الفلسطينية بإلصاق قنبلة لاصقة على الدبابة ويتم تدمير الدبابة عند انفجار القنبلة، وحسب التخطيط السابق ولزيادة قوة التدمير تم لصق هذا اللغم بجانب خزان الذخيرة الخاص بالدبابة، ويُطلق على هذا العمل اسم "العملية الفدائية" (الاستشهادية)؛ يعني أنه من المقدر أن الشخص الذي يفعل ذلك قد يتم استهدافه واستشهاده، وقد نشرت كاميرات حماس العديد من هذه الأمثلة في الفضاء الإلكتروني.
3. مفاعل حماس النووي
قبل 10 سنوات بالضبط، في أكتوبر 2013، ادعى الجيش الإسرائيلي أنه حدد "أول نفق هجومي ضد إسرائيل" في قطاع غزة، ويبلغ طول ذلك النفق 800 متر، بدأ من الحي الشرقي لمدينة خان يونس ويمتد مسافة 100 متر باتجاه المناطق الصهيونية، وكان عمقه في الأرض 20 متراً، وبلغ عرضه وارتفاعه 2 متر، ودمر الجيش الإسرائيلي هذا النفق في ذلك الوقت، وبعد ذلك سعى إلى إيجاد حل للتغلب على هذه الأنفاق، وتم تشكيل وحدة خاصة لهذا الغرض، شارك فيها عدد من علماء ونخب الكيان الصهيوني، وطلب منهم بناء أنظمة إلكترونية وأجهزة استطلاع للتعرف على الأنفاق والتغلب عليها.
وعندما سئل يوآف جالانت، قائد الفرقة الجنوبية، عن هذه الوحدة في ذلك الوقت، قال: "هذه حرب عقول بيننا وبين حماس، وأضاف "نحن نسعى لتحقيق هدف واحد وهو هزيمة حماس"، اليوم جالانت هو وزير الحرب، والأنفاق الآن منتشرة في كل أنحاء قطاع غزة من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب إلى الشرق؛ لدرجة أن هناك اعتقادا في تل أبيب بأن هذه الأنفاق لها الوظيفة نفسها بالنسبة لحماس مثل مقاتلات F35 لـ"إسرائيل"، وقد شبه البعض هذه الأنفاق بـ "المفاعلات النووية" التابعة لحماس، ويبلغ عدد مقاتلي حماس نحو 40 ألف مقاتل، ويمكنهم تجاوز الحصار باستخدام الشبكة الواسعة من الأنفاق المحصنة المذكورة أعلاه، والتي يبلغ طولها مئات الكيلومترات ويصل عمقها إلى 80 مترًا، وتم بناؤها على مدى سنوات طويلة، وهذا هو كابوس الإسرائيليين.
4. مفاجأة
أحد أساليب وأفعال حماس في الهجوم العسكري ضد "إسرائيل" هو استخدام عنصر المفاجأة، وقد انزعج الكثيرون من التقدم القصير الذي أحرزه الجيش الإسرائيلي في غزة، في حين أن عنصر المفاجأة على أرض الوطن وتوجيه ضربة قوية يعد من أهم التكتيكات في حرب المدن ضد الجيش الكلاسيكي، ولذلك، ينبغي فتح طريق الدخول المحدود، وعند النقطة المحددة، وبالأسلوب الصحيح، يجب توجيه ضربة قوية للعدو لإجباره على التراجع أو التصرف بشكل غير تقليدي.
إن السبب في ارتفاع عدد الدبابات وناقلات الجنود والجرافات المدمرة في المناطق السكنية في غزة هو استخدام نفس تقنيات وتكتيكات حرب العصابات في المناخ الحضري، وهي تخصص مقاتلي المقاومة في غزة الذين لقد تدربوا لهذا اليوم لسنوات.
5. اضرب واهرب
وقد تمت دراسة هذا التكتيك بعناية من قبل مركز الأبحاث الأمريكي "دراسات الحرب" في واشنطن، وكتب مركز الأبحاث هذا أنه بينما يحاول مقاتلو حماس استخدام تكتيكاتهم الدفاعية الرئيسية ضد القوات الإسرائيلية في وسط مدينة غزة، فإنهم يستخدمون تكتيكات "الكر والفر" ضد الإسرائيليين في شمال غزة، ووفقاً لهذه المؤسسة البحثية، فإن مضايقة القوات الإسرائيلية في شمال غزة بالصواريخ المضادة للدبابات والرصاص وقذائف الهاون، مع الاحتفاظ بأسلحة وتكتيكات أكثر تقدماً، يتسق مع هدف حماس المتمثل في شن حرب طويلة الأمد من أجل إجبار "إسرائيل" على وقف إطلاق النار.
ووفقاً للدراسات الميدانية التي أجراها هذا المركز البحثي، فإن حماس لم تثبت الكثير من قدراتها العسكرية: "لم تستخدم حماس بعد أنظمتها وتكتيكاتها الأكثر تطوراً، مثل العبوات الناسفة، أو الأجهزة المتفجرة الخارقة، أو الصواريخ المتقدمة المضادة للدبابات، أو غيرها".
القصة الرئيسية
كل هذا بالإضافة إلى أن المقاتل في حماس والجهاد الإسلامي يقاتل في سبيل الله والدفاع عن وطنه؛ فالحق الذي سُلب منه هو ما يجعله شجاعاً ومبدعاً في ميدان النضال ولا يخاف من الموت، يعتبر الاستشهاد سعادة، ولهذا السبب لا ترتعش يده، ولا تضعف ساقه في الميدان، يقوم بالعملية الاستشهادية لتدمير الميركافا بسهولة ولا يفقد تركيزه لـنه قوي ومؤمن.
انتصار "حماس"
إنّ صمود أهالي غزة والتفافهم حول حركة حماس أمام الإبادة الجماعية والحرب الهمجية التي تشنها دولة الاحتلال منذ أكثر من 33 يوما يعتبر انتصارا مكتمل الأركان ودرسا يستحق أن يدرس مهما كانت النتيجة، بعد أن أفشل هذا الصمود المخطط الصهيوني الأمريكي في تهجير وتشتيت سكان غزة، فصمود المقاومة أمام حرب أشبه بالكونية في ظل حصار خانق لم يشهده التاريخ الحديث منذ الحرب العالمية الثانية يشكل داعما رئيسيا للموقف العربي والسلطة الفلسطينية للبناء عليه لاتخاذ موقف حاسم وأكثر شدة للوقوف في وجه المخططات الإسرائيلية التي أصبحت وشريكتها في الحرب الولايات المتحدة الأمريكية يخططان لما بعد غزة ويبحثان عن آلية، ويدرسان احتمالات لإدارة القطاع بعد حماس وكأنها منتصرة ويحق لها فرض شروطها وهي التي ما زالت عاجزة عن دخول غزة بريا أو إعادة واحد من أسراها.
إن ما يجري الآن من تسويق أمريكي لإيجاد بديل عن حماس لإدارة غزة وطرح سيناريوهات مختلفة تعيدنا إلى وعد بلفور المشؤوم الذي منح اليهود دولة في فلسطين دون وجه حق والعرب حينها في غياب تام.
والغريب في الأمر حالة التعازم بين دولة الاحتلال وأمريكا حول كيفية الإدارة والطريقة وطرح الخيارات وإجراء مناقشات فيما بينهما وكأنه لا يوجد أصحاب للأرض أو قوى ترفض هذه الاحتمالات التي يعتبرانها تحصيلا حاصلا من وجهة نظرهما. إن ما فعله الغزيون من صمود تحت قصف غير مسبوق دمر كل مقومات الحياة في بلدهم يشكل درسا في التاريخ والسياسة والمقاومة، على العرب استغلاله والاستفادة منه في قمتهم المرتقبة بالرياض السبت القادم للخروج بقرارات فعالة وقابلة للتنفيذ فورا، ووضع بدائل عملية في حال عدم الاستجابة لمطالبهم التي يجب أن لا تقل عن وقف فوري للنار والعودة إلى المسار السياسي لبحث القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها ووضع أوراقها على طاولة النقاش الدولية بمشاركة جميع الأطراف المعنية بما فيهما الصين وروسيا بعد أن أثبتت الولايات المتحدة أنها شريك غير نزيه لا يثق به بعد انحيازها لدولة الاحتلال، كما كانت طرفا في حرب الابادة الدائرة الآن على الأراضي الفلسطينية.