الوقت – قال الدکتور سعدالله زارعي في مقال: اليوم بلغت الحرب بين الكيان الصهيوني والشعب الفلسطيني ثلاثين يوماً، أي شهراً واحداً، وهي طويلة نسبياً مقارنةً بالحروب السابقة بينهما، وفي الوقت نفسه، فإن أفق نهاية الحرب غير واضح، ولا توجد دلائل على أنها ستنتهي خلال الأسبوع أو الأسبوعين المقبلين.
والسبب هو أن الکيان الصهيوني لم يحقق أي شيء في مواجهة المقاومة الفلسطينية، رغم القتل المكثف للأهالي، ومن ناحية أخرى، فإن استمرار العمليات والاعتداءات يظهر أن المقاومة الفلسطينية لم تضعف من حيث القدرة البشرية والسلاح، وأن حربها مستمرة بكثافة.
إن حرب قوة كلاسيكية مع قوة غير متماثلة، بسبب الاختلافات، تحمل معها تعقيدات لا يمكن قياسها بدقة من حيث طولها وكثافتها، وربما تصبح هذه الحرب أطول حرب للکيان الإسرائيلي منذ عام 1948، وهناك عدة نقاط في هذا الصدد نوجزها فيما يلي:
1- الحرب الحالية في غزة تدور بشكل رئيسي في النصف الشمالي منها، حيث يبلغ عدد سكانها ما يقرب من مليون وسبعمئة ألف نسمة، في هذه الأثناء، يحاول الکيان الصهيوني خلق فجوة بين شمال غزة وجنوبها في وسط غزة، أي منطقة البريج التي تخلو من المباني السكنية الكثيفة وتفتقر إلى الغطاء الحرجي وغيرها من العوائق، وذلك لإعطاء الروح المعنوية لقوات الجيش المهزومة وبث الرعب في صفوف قوى المقاومة مع كثرة استخدام القوات المدرعة.
وقد شاركت فرقة مدرعات غزة في خلق هذه الثغرة لمدة أسبوع، ولم تتمكن من استكمال العمل حتى الآن، في هذه الأثناء، تكبد الکيان الإسرائيلي خلال الأسبوع الماضي خسائر كبيرة، تجاوز عددها 150 قتيلاً، وبالطبع وجّه ضربات للمقاومة بالتفجيرات وتحركات المدرعات، لكن بما أن الحركة المدرعة تتم اجتماعياً وحركة حرب العصابات تتم بشكل فردي، فإن حجم قتلی الجيش الإسرائيلي يفوق عدد شهداء المقاومة عدة مرات.
وفي المناطق الشمالية الثلاث الواقعة في محوري زكيم وإيرز شمالاً وبيت حانون شمالاً شرقياً، حاول الکيان الضغط على مدينة غزة، لكن رغم مرور ما يقرب من عشرة أيام، إلا أنه لم يتقدم أكثر من كيلومترين في العمق الشمالي.
وفي جميع هذه المناطق، حيث تواجد القوات المدرعة التابعة لجيش غزة الإسرائيلي، لم يكن هناك استقرار وتمرکز، وقوى المقاومة تشتبك مع الجيش الإسرائيلي بشكل كبير، وتشير الاستطلاعات إلى أن ما لا يقل عن 40 شخصاً يُقتل ويُجرح من جيش الکيان يومياً خلال الأسبوع الماضي.
كما أن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من احتواء المقاومة على أي مستوى، لأنه يواجه قوات غير متجمعة في أي مكان، ويمكنها الهجوم من أي نقطة. ولذلك، على الجيش أن يختار بين ترك هذه المناطق وتدمير قواته ومعداته تدريجياً.
2- لقد أخرجت عملية الحرب حالة الالتهاب الأولي بعد شهر واحد، وهذه المسألة ستكون أكثر وضوحاً وخاصةً بالنسبة لقوى المقاومة التي لها جانب دفاعي.
إن شهراً واحداً من الحرب يكفي لقوة مقاومة، حتى لو لم يكن لديها تقييم دقيق لحجم ومستوى ونوعية أفعال العدو وردود أفعاله في الخطوة الأولى، لتحقق تقييماً دقيقاً لمعلوماتها حول كل ما تحتاج إلى معرفته عن العدو، ما يجعل المقاومة في حالة مستقرة ويزيل الالتهاب عنها، ولهذا السبب، نرى بوضوح أنه مع تقدم الحرب، أصبح وضع إدارة الحرب من قبل المقاومة أكثر ملاءمةً.
ومن ناحية أخرى، وبعد شهر من الالتهاب والفوضی، أدرك مواطنو غزة الآن كيف يمكنهم التغلب على الظروف البيئية وإدارة أوضاعهم واحتياجاتهم دون دعم خارجي.
لذلك، رغم أن هذه الحرب تحمل الكثير من الصعوبات، وهي أصعب من كل الحروب التي خاضوها مع الکيان الإسرائيلي في العقدين الأخيرين، ولكن الآن مرّ شهر والجميع يعرف بشكل أو بآخر ما ينبغي وما يمكنه فعله لتوفير الماء والغذاء والعلاج، وبالتالي، وعلى الرغم من وجود الحرمان وتزايده كقاعدة عامة، فقد تعلم المواطنون أيضًا كيفية البقاء على قيد الحياة في هذه الحالات الطارئة.
ولهذا السبب، وعلى الرغم من تعرض غزة لأعنف أشکال القصف منذ شهر وتدمير آلاف المنازل، إلا أنه لم يترك أثرًا سلبيًا على التضامن الداخلي لأهل غزة، ولم تظهر فجوة بينهم وبين قيادات وقوى المقاومة، ولا تزال قوى المقاومة تعيش بين أهل غزة وتهاجم الکيان الصهيوني بين الأهالي.
3- الکيان الإسرائيلي وشعب غزة يعلمان جيداً أن الجيش المجرم سيضطر إلى الخروج من غزة، کما حدث ذلك مرات عديدة خلال العقدين الماضيين، واستنتاج الجيش الإسرائيلي نفسه ليس البقاء.
وقبل يومين كتبت إحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية، أنه حسب استطلاع لسكان المستوطنات الصهيونية، فإن أكثر من 67% يعارضون وجود الجيش الإسرائيلي في غزة، وذلك في حين أن سكان المستوطنات يعتبرون اليهود الأكثر تطرفاً، وهکذا، ليس هناك سبيل سوى مغادرة قطاع غزة من قبل الجيش الإسرائيلي.
من خلال تقييم المعنويات، يمكن القول إن جيش الکيان لن يصمد أكثر من شهرين في غزة، ولکن ماذا سيحدث بعد حوالي شهرين؟ سيغادر الجيش وستبقى المقاومة الفلسطينية في مكانها، مع الحفاظ على آثار الضربة التي وجهتها للکيان في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وهذا يعني أن غزة ستبقى، وانتصار عملية طوفان الأقصى سيبقى أيضًا.
إضافة إلى ذلك، أدرکت المقاومة خلال هذه الحرب مستوى رد فعل الکيان والحكومات الغربية الداعمة له في مواجهة الضربات الفلسطينية، وستستخدمه في التخطيط للعمليات الكبيرة القادمة.
وقبل ثلاثة أيام فقط قال نتنياهو إننا لن نسمح لحماس بالانتصار والعودة بالعملية الأكبر التالية، وهذا هو في الواقع عمق خوف الجيش الإسرائيلي من استمرار المقاومة في غزة.
4- أول ما يتصدر المشهد هو مسألة "الصبر"، أو "الاستقامة" في التعبير القرآني، إن الاستقامة في هذه الحرب لها جانب ميداني، أي إنها ترتبط بقوة الجيش الإسرائيلي والقوات المقاتلة للمقاومة الفلسطينية، ولها بعد مدني، أي إنها تتعلق بمعاناة المواطنين الفلسطينيين المقيمين في غزة، والمستوطنين الذين انتقلوا إلى مخيمات جنوب ووسط الکيان الصهيوني.
وفي الواقع ينبغي أن نرى ما إذا كان اليهود النازحون الذين استقروا في المخيمات المحيطة بتل أبيب وحول منطقة إيلات الجنوبية، أكثر قدرةً على تحمل الظروف الأمنية والاجتماعية الصعبة، أم مسلمو غزة الذين يعيش أغلبهم الآن في الملاجئ والمخيمات والمناطق الصحراوية؟
والحقيقة هي أن كلاهما يستطيع تحمل الظروف الصعبة لفترة من الوقت، لكن في هذه الأثناء، بما أن الجانب اليهودي، إذا لم يتحمل، سيذهب إلى مكان أفضل بكثير، بينما إذا لم يتحمل الجانب الفلسطيني فسوف يذهب إلى مكان أسوأ بكثير - أي المخيمات المكتظة بالدول المجاورة- ولذلك فمن الطبيعي أن تكون مقاومة الجانب الإسلامي أكبر من مقاومة الجانب اليهودي.
کما أنه لم نسمع خلال الشهر الماضي أي تقارير عن عدم الرضا عن أداء المقاومة بين مواطني غزة، ولم ينشر الفلسطينيون أي نقد في الفضاءات الافتراضية أيضاً، لكن تعلمون أن الفضاء الافتراضي مليء بصور تجمعات واحتجاجات العائلات اليهودية التي اعترضت بشدة على استمرار أسر أفراد عائلاتها في غزة، وخرجت إلى الساحة ضد الحكومة الإسرائيلية.
5- النقطة المهمة الأخرى هي الوضع الطبيعي أو غير الطبيعي للطرفين في العلاقات الخارجية، عندما بدأت هذه الحرب غرقت جبهة المقاومة من إيران إلى لبنان ومن العراق وسوريا إلى اليمن بالفرح، ومن ناحية أخرى غرقت حكومات أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها في الحداد. أولئك الذين ابتهجوا اكتسبوا المزيد من الثقة في قوة المقاومة، وأولئك الذين حزنوا رأوا الضعف الشديد للکيان الإسرائيلي.
لذلك، دعمت جبهة المقاومة حليفتها في فلسطين بشكل طبيعي ودون ارتباك، واتخذ هذا الدعم شكلاً مختلفاً في كل جزء من هذه الجبهة، وكان أحد هذه الأطراف حزب الله اللبناني الذي دخل في صراع عسكري مع الکيان الإسرائيلي، وواصل تصعيد العمليات ضده لمدة شهر، وحافظ على سير العمليات التقدمية ضد الکيان لمدة شهر.
علاوةً على ذلك، دخلت المقاومة العراقية الميدان لتضرب أهم داعم للکيان وجرائمه، أي الولايات المتحدة، وحافظت على كثافة هجماتها حتى الآن، وكذلك المقاومة اليمنية.
في هذه الأثناء، تعتبر جبهة المقاومة الإقليمية "الحفاظ على المقاومة الفلسطينية" خطها الأحمر، وتعدل تصرفاتها على مستوى تصرفات الکيان الإسرائيلي فيما يتعلق بهذا الخط الأحمر، وهذا مبدأ عام تلتزم به كل أطراف المقاومة، وقوة المقاومة في تطبيق هذا المبدأ الأساسي، أكثر وضوحاً مما تحتاج إلى تفسير.