الوقت- بالأمس، تم الإعلان عن إقالة الصحفية اللبنانية ندى عبد الصمد من قناة بي بي سي البريطانية، بسبب موقفها من القضية الفلسطينية، حيث أعرب العديد من السياسيين عن تضامنهم معها، ومنهم الرئيس السابق للحزب الاشتراكي، وليد جنبلاط، الذي كتب: " ٢٧ عاما انتهت لأنها وصفت حماس بالمقاومة ولا عجب من بريطانيا التي باعت فلسطين للإسرائيليين عبر وعد بلفور"، وتعتبر القناة "عدو لشعوب المنطقة" لأنه من خلال سنوات عديدة من العمل، عملت بجد لتأجيج الوضع. وينسى أن توجه المملكة المتحدة واستراتيجيتها في العلاقات الدولية يعكس حقيقة أنها كثفت محاولاتها لعرقلة المصالحة في اليمن وضربت البارود في الحروب في سوريا وليبيا والسودان والعراق ولبنان.
وعلى مدار تاريخ هذه القناة الشهيرة، كان لديها نية متعمدة لتغطية الوضع في المنطقة بطريقة متحيزة وذكية للغاية، حيث يشعر البعض بالحياد، ولكن خلافا لمعايير المهنة الحقيقية، تسمم عسل كل الأخبار المحررة فيها.
طرد بسبب كلمة حق
لاقت قضية طرد الصحفية اللبنانية استياء كبيراً من اللبنانيين، ومن جانبه قال النائب إبراهيم الموسوي: "تحيات الشكر والتضامن والاحترام للإعلام، ومن الواضح أن جميع رجال ونساء الإعلام المحترمين يدفعون ثمن مكانتهم المشرفة في مؤسسات ما يسمى الإعلام الدولي الحر، ولقد حان الوقت للكشف عن أكاذيبهم حول الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان"، وتزعم بي بي سي أنها تقوم بتقديم أخبار ومعلومات غير متحيزة لجمهورها العالمي في العالم، لكنها أثبتت للشارع العربي منذ نشأتها أنها بعيدة عن ذلك والمضحك أنها تنتمي إلى" بلد الحرية والديمقراطية " لكن ديمقراطيتهم لا تخص الوضع في العالم العربي والمنطقة، وفي جميع صحافتهم يسعون بشكل واضح وهادف لدعم المنظمات المتطرفة.
وفي هذا الإطار، أكد وزير الثقافة محمد المرتضى أن "عبد الصمد، إعلامية وصفت المقاومة بالمقاومة، لذا طردتها بي بي سي منارة الرأي الحر من العمل، وقال مرتضى: "هي صحفية شريفة تقول الحقيقة في وجه مجتمع دولي منافق وقاتل وظالم، و امرأة نزيهة تدفع الضرائب في وئام مع شرفها المهني والضمير الإنساني، وإن ندى عبد الصمد امرأة شريفة من بلدي ولديها كل الاحترام والامتنان منا!"، في حين أن خدمات بي بي سي متنوعة ومهنية لدرجة أنها تتبع في النهاية سياسات ممولي لندن، تحافظ بي بي سي على دورها في تقديم الأخبار في سياسة المملكة المتحدة، وخاصة في البلدان التي تعاني من نقص المعلومات، وفقا لمزاعمها، لصياغة الواقع كما يريد السياسيون البريطانيون، كما تقدم خدمات المعلومات للجمهور بأكثر من 40 لغة، وكان أكثر الأدلة على ذلك تحليلا واضحا لأخبار وسائل الإعلام الأخرى التي تدخلت وزعزعت استقرار مشاكل البلاد، وأصبحت علاقتهم حميمة معهم اليوم.
وفي بعض الأحيان تواجه بي بي سي موجة من الغضب تجاه إحدى القضايا، لدرجة أنها تدينها بعض التحيزات القذرة لبعض مؤسسات الحكومة الغربية، المنخرطة في إطاعة أوامر القادة السياسيين ومحاولة تشويه الحقائق، وصرف البوصلة نحو الملفات التي تستخدم عادة للضغط السياسي، أي الكثير كما هو الحال في وسائل الإعلام الغربية الأخرى، كما لو كانت هناك رغبة في تشويه الصورة وتحويل الانتباه نحو ملفات الضغط الحكومي، وكانت عبارة "الكيل بمكيالين" مصحوبة بتعليقات كثيرة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، استنادا إلى حقيقة أن أخلاقيات بي بي سي ليست حقيقة.
في الوقت الذي يعتقد البعض أن بي بي سي لديها تاريخ قديم وطويل من الأكاذيب، الاتهامات والادعاءات، لنشر الشائعات وتعزيزها سلبا بما يتناسب مع مصلحة المؤسسين والممولين، هذا هو كل شيء، لتوفير مصالح بريطانيا الخاصة، إلى المنطقة والعالم العربي، خبراء في الإعلام يقولون إن "بي بي سي"، قامت من خلال طرد الصحفية اللبنانية بالاعتراف بالنفاق والمعايير المزدوجة لوسائل الإعلام الغربية.
ونتيجة لما ذكر، أثبتت هيئة الإذاعة البريطانية أنها لا تملك أدنى المعايير المهنية، وقد دخلت في شراكة مع" الدول الحرة والديمقراطية " التي استعمرت العالم لدرجة أنها سميت إمبراطورية لا تغرب فيها الشمس، وتدعم الجماعات الإرهابية في وسائل الإعلام، وتشوه الحقائق، ومن غير الطبيعي أن تعمل ضد إرادة الممولين في أجهزة المخابرات البريطانية.
تحيز إعلامي فاضح
تميزت الأسابيع الأخيرة من العدوان الإسرائيلي المستمر في قطاع غزة بوضوح التعاطي الغربي وخاصة إعلاميّاً، والذي أثار جدلا واسعا حول التحيز الإعلامي الواضح لمصلحة "إسرائيل" على حساب فلسطين وشعبها، هذا، إضافة إلى تبني القصص الإسرائيلية من قبل وسائل الإعلام الغربية، بما يدعم مزاعم المسؤولين الإسرائيليين.
في الوقت نفسه، يعتبر التدمير المتعمد لقطاع غزة وسكانه "عملية دفاعية إسرائيلية"، ما يثير تساؤلات حول الإنجاز الإلزامي للتوازن والعدالة في تغطية الأحداث الجارية.
ولماذا تتجاهل وسائل الإعلام الغربية بشكل صارخ جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة والمدن الفلسطينية الأخرى، ولماذا تقدم الضحية على أنها الجاني، والجاني هو الضحية؟، هذا السؤال مثير للاهتمام حول المعايير المزدوجة التي اعتمدتها وسائل الإعلام والصحافة ذات السمعة "الطيبة" والتي تصر دائما على مبادئ الاستقلال والإنصاف والأخلاق المهنية، ويعزى سبب هذه الظاهرة إلى عدة عوامل، الأول هو النفوذ السياسي والاقتصادي لـ"إسرائيل " في الغرب، والتي يمكن أن تؤثر على التغطية الإعلامية والتوجه السياسي، ويمكن لمحاولات الضغط من قبل المجموعات المؤثرة والشخصيات القوية أن تلعب أيضا دورا في تشكيل التغطية الإخبارية.
إضافة إلى ذلك، هناك تحديات مرتبطة بالألفة الثقافية والأيديولوجية للصحفيين والمحررين الغربيين، ما يؤدي إلى تكوين نصائح وأفكار متحيزة، وينبغي أن تظل المناقشات بشأن هذه المسألة مفتوحة وينبغي دعم الجهود الرامية إلى تعزيز التوازن والشفافية في تغطية الأحداث الدولية والقضايا الإنسانية وضمان إتاحة المعلومات الموضوعية والمتوازنة للجمهور، وإن وسائل الإعلام الغربية، وخاصة وسائل الإعلام البريطانية، تعاني من تحيز واضح ضد القضية اليهودية و"إسرائيل"، ولا شك أن هذا التحيز يعود إلى الفترة التي سبقت وعد بلفور، وقد يكون هذا التحيز نتيجة لعوامل تاريخية وسياسية وقد يتأثر بالعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين المملكة المتحدة والكيان، وكذلك من الضغوط السياسية والاجتماعية التي تؤثر على موقف واتجاه وسائل الإعلام.
أما بالنسبة لموقف الإعلام الغربي بعد عملية طوفان الأقصى، فإن ما حدث كان استثنائيا بالفعل، كان رد الفعل غير طبيعي وغير عادي وغير مألوف، لأن تل أبيب غالبا ما تكون مبادرة هذه الأحداث، حتى لو كانت تشن حربا مع الدول العربية، وكان للجانب الفلسطيني دائما دور يؤديه في الاستجابة لهذه الأحداث، الأشخاص الذين يستعدون للضربة الأولى يستعدون أيضا للمعركة الإعلامية، حيث يتم إعداد الأشياء ويتم رسم المشهد الإعلامي مسبقا، عندما يقام الحدث، يبدو هذا الإعلام هادئا، ويظهر أن الجميع فوجئوا هذه المرة بما فعلته المقاومة الفلسطينية.
محاولة لتغيير الرأي العام
يشدد خبراء الإعلام على أهمية إعداد وسائط الإعلام وتوجيهها في سياق النزاعات والأحداث الدولية، لأن تكوين الرأي العام وفهم الأحداث يعتمد إلى حد كبير على الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في توفير المعلومات وتوجيه الأفكار، يمكن تحدي القيم المهمة لوسائل الإعلام الغربية، مثل الحياد والاستقلال والموضوعية، عند مواجهة الواقع، وقد تكون هذه القيم شعارات جميلة من الناحية النظرية، لكنها يمكن أن تتبدد عند مواجهة الحقائق العملية، وخاصة بالنسبة للمؤسسات الإعلامية التقليدية التي تعتمد على موارد محدودة.
وتحديات التمويل التي تواجه المؤسسات الإعلامية هي واحدة من أبرز الأسباب وكيف أن هذه التحديات تحجب قدرتها على الحفاظ على مستوى عال من الاستقلال، وينظر المحللون أيضا إلى تأثير تطوير وسائل الإعلام الجديدة على هذه المؤسسات وكيف يمكن أن تجعل من الصعب أن تظل مستقلة وموضوعية في التغطية الإعلامية، ولدينا الكثير من الناس الذين يرغبون في منتجاتنا، إذا أرادت المؤسسات الإعلامية الاستمرار، فعليها أن تبحث عن مصادر تمويل، وعادة ما تشترك هذه المصادر مع شركات ومراكز تدافع عن الاتجاه الصهيوني وتدعم القوى التي تدعم الرواية الإسرائيلية والكيان الإسرائيلي.
ويؤكد الكثيرون أن النفوذ الصهيوني، الذي يمثله اللوبي الصهيوني والأدوات الإعلامية الموزعة على العواصم الغربية، لا يعمل بشكل منفصل عن الجهود الأخرى المستخدمة لدعم مصالح "إسرائيل". وهذه الجمعيات موجهة إلى الكتاب والصحفيين والإعلاميين الذين لا يشاركون في الرتب التي تمجد وتدعم "إسرائيل". ومن الجدير بالذكر أن هناك أمثلة على أشخاص يواجهون حملات التشهير والتشهير بالسمعة، ويتم استبعادهم، ويواجهون اتهامات باطلة، ويتعرضون للاعتداء الأخلاقي والنفاق الإعلامي.
وأشارت بعض وسائل الإعلام إلى وجود تفاوت في التعامل مع أخبار غزة لأن الجميع لم يؤيدوا وجهة نظر "إسرائيل" بنفس القدر، وعلى مدى السنوات ال 15 الماضية، كانت هناك تسويات بين الدول الأوروبية والكيانات التجارية، هذه التسوية هي نتيجة عوامل أمنية وتحالفات تواجه ما يسمونه "الإرهاب الإسلامي" وتعتبر أمرا مهما يمكن أن يؤثر على سياق وسائل الإعلام واتجاه الصحفيين والمؤسسات الإعلامية عند مناقشة الأحداث في الشرق الأوسط.
ومنذ عام 1948، تم توجيه معظم القنوات الإعلامية في ذلك الوقت لدعم ودعم تل أبيب، ثم رأى تغيرا في سياق الإعلام، حيث بدأت القصة تتغير على عدة قنوات منذ عام 1990، مع مراعاة القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وشعر البعض بتغيير في خطاب وسائل الإعلام خلال فترة الانتفاضة والغزو الإسرائيلي للبنان، لكنه يشير إلى أنه يبدو الآن أن هناك عودة إلى الموقف السابق حيث يعتقد الكثيرون في فرنسا أنهم ضد ما يسمى "التطرف الإسلامي"، ما يدل على دعم الكيان في هذا الوضع.
في الختام، رغم التقلبات والتغيرات في اتجاه وسائل الإعلام مع مرور الوقت وكيف تتأثر بالأحداث الإقليمية والعالمية والتطورات السياسية كانت القضية الفلسطينية موجودة دائما في وعي العالم العربي، لكنها ليست محط اهتمام وسائل الإعلام والصحف الأوروبية بنفس القوة، وبعض الناس في أوروبا لم يفهموا معاناة الفلسطينيين ولم يعيشوها بشكل يومي، لأن الإعلام لم يستوعب بالكامل تفاصيل الصراع في الشرق الأوسط ومعاناة الفلسطينيين حول أسباب وخلفية هجمات "حماس" في قطاع غزة، وفي هذا السياق، يعتبر موقف السلطات الغربية يلعب دورا مهما، كما تلعب السفارات الإسرائيلية في أوروبا أيضا دورا مهما في محاولة التأثير على وسائل الإعلام والرأي العام، ويشير هذا إلى وجود تأثيرات سياسية ودبلوماسية تلعب دورا في تشكيل اتجاه وسائل الإعلام والرأي العام.