الوقت - منذ بداية عملية طوفان الأقصى العسكرية، وبالتوازي مع الغارات الجوية واسعة النطاق التي يشنها الکيان الصهيوني على غزة، استمر الصراع على الحدود اللبنانية بين الجيش الإسرائيلي وقوات حزب الله بشكل يومي.
وحسب إحصائيات شبكة الجزيرة، مع استشهاد عنصرين من حزب الله في تفجير الخميس الماضي، يصل عدد الشهداء اللبنانيين إلى 43 منذ الـ 7 من تشرين الأول/أكتوبر.
ورداً على هذه الغارات الجوية، أعلن حزب الله أنه شن هجمات مضادة على عدد من المواقع العسكرية الإسرائيلية على الحدود الجنوبية للبنان بالصواريخ الموجهة يوم الجمعة الماضي.
ونشر حزب الله مقطع فيديو يظهر أنه استهدف أبراج اتصالات ومعدات رادار تابعة للجيش الإسرائيلي بالقرب من الحدود، كما تعرضت مواقع "رويسة العلم" و"السماقة" و"زبدين" في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا المحتلة وثكنة "الجنرال مسكاف" و"أبودجاج" لهجوم من قبل المقاومين.
كما أعلنت المقاومة اللبنانية استهداف موقع "الصدح" العسكري على الحدود اللبنانية مع الأراضي المحتلة، و"تدمير أجزاء كثيرة من منشآت ومعدات هذا الموقع، فضلاً عن وقوع إصابات مؤكدة في صفوف جنود هذا الموقع".
ولم يتم حتى الآن الإعلان عن العدد الدقيق لقتلى الجيش الإسرائيلي، لكن الصهاينة بدؤوا بإجلاء آلاف السكان من 28 مدينة شمال الأراضي المحتلة.
ولا شك أن الجيش الصهيوني الذي ينتهج سياسات إعلامية صارمة للسيطرة على المعلومات وتسريبها في حالات الطوارئ، يحرص على إخفاء الأعداد الحقيقية لقتلاه، لأنه عندما يتحدث الإعلام الصهيوني أو المسؤولون الرسميون عن هذا الموضوع، تظهر بوضوح عبارة "سمح بالنشر بالرقابة العسكرية".
إلا أن اقتصار الجبهة الجنوبية على مناوشات صغيرة، دفع بعض الشخصيات الإعلامية والسياسية التابعة للجبهة المعارضة للمقاومة، إلى تفسير أداء حزب الله في ساحة المعركة، فضلاً عن الصمت الهادف للسيد حسن نصر الله باعتباره الرمز الرئيسي وحامل علم جبهة المقاومة، بالمتحفظ وانطلاقاً من القلق على الأوضاع الداخلية للبنان وكذلك تهديدات الکيان الصهيوني؛ وهو تفسير متحيز تماماً وضد مسار التطورات في هذا المجال.
حزب الله في مرحلة العمليات الممنهجة والموجهة
بدايةً لا بد من التأكيد على أن ما يجري في حدود لبنان الجنوبية هو حرب بكل معنى الكلمة، ويتطلع حزب الله إلى نشر قوات عسكرية وإضعاف تموضع تحصينات العدو على الأرض، وتعزيز موطئ قدمه تمهيداً للمراحل المقبلة من خططه.
وعلى الرغم من أن هذا الهدف ترافق مع استشهاد عدد من عناصر حزب الله بسبب التفوق الملحوظ لتكنولوجيا الکيان الإسرائيلي، إلا أن كوماندوز حزب الله حققوا أيضًا النجاح المنشود في الأهداف المحددة، وكما ذكرنا فقد تمكنوا من توجيه ضربات قوية للتحصينات الدفاعية للطرف الآخر.
وفي الواقع، فإن استهداف أجهزة المراقبة والرادار في المواقع العسكرية الإسرائيلية، وهو ما يسمى تعمية أعين العدو، وقد تمكن حزب الله من القيام بذلك بنسبة 75%، هو ما تحاول المقاومة القيام به، كما تظهر خسائر قوات المقاومة الموقع الهجومي والعدواني لحزب الله في ساحة المعركة.
في الوقت الحالي، فإن طبيعة المعركة العسكرية ومنطقتها الجغرافية التي تمتد حوالي 5 كيلومترات من الحدود، تحتم وجود مقاتلي المقاومة بالقرب من المواقع والتحصينات الدفاعية للکيان الإسرائيلي.
لأن صواريخ كورنيت المضادة للدروع التي تم تجهيز عناصر حزب الله بها، لا يمكن إطلاقها من مسافة بعيدة، ويجب أن يكون مطلق النار على مسافة 3 إلى 5 كيلومترات فقط من الهدف، وأن يكون قادرًا على رؤيته بالعين المجردة، والفيديوهات التي نشرتها المقاومة تظهر هذه القضية.
وغني عن القول إن خوف الصهاينة من تحركات المقاومين، دفع الکيان الإسرائيلي إلى إخلاء القرى المحيطة بالحدود حتى يتمكن بسهولة من قصف أي تحرك عسكري مشبوه، وحسب "النشر" نقلاً عن مصادر إخبارية محلية، فإن الکيان الصهيوني يطلق مئات طائرات المراقبة والانتحارية والهجومية دون طيار في المنطقة يوميًا.
إن ما يحدث إذن هو حرب محدودة النطاق، وهو ما يزيد من صعوباتها التكتيكية، لأن حزب الله لم يستخدم أياً من أدواته الرئيسية المتمثلة في القوة العسكرية، وفي مقدمتها قوته الصاروخية، والمقاومون يدركون هذه الحقيقة، لكنهم لا يتراجعون، بل يتقدمون وينتشرون بكثافة في تلك المنطقة بانتظار ظهور الآليات والدبابات والجنود.
وحسب تقديرات معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، فإن حزب الله مجهز بأسلحة شديدة التدمير، وخاصةً الصواريخ والطائرات المسيرة، كما أن جيش المقاومة اللبناني يتكون من قوة يقدر عددها بين 50 ألفاً و100 ألف.
کذلك، فإن القوات القتالية لمقاتلي حزب الله والتي تسمى "قوة رضوان"، وهي وحدة كوماندوز ذات خبرة قتالية من الحرب في سوريا، ويبلغ عددها نحو 2500 مقاتل أو أكثر، تعدّ من أكبر مخاوف الجيش الصهيوني.
ولكن من ناحية أخرى، ينبغي النظر إلى صبر حزب الله على عدم اجتياح الأراضي المحتلة، على أنه نتيجة لثقة حزب الله في قوة حماس وقدراتها العسكرية في مواجهة أي مغامرة إسرائيلية بالدخول البري إلى قطاع غزة، وعدم قدرة تل أبيب على تنفيذ مشروع "النكبة" الجديد وسط معارضة عربية ودولية واسعة.
فك شيفرة الصمت الرهيب
منذ بداية عملية طوفان الأقصى، لم يقم السيد حسن نصر الله، المعروف بخطاباته النارية واستراتيجيته في ساحة المعركة مع الصهاينة، بإلقاء خطابات، وهذا الصمت جعل البعض يسعى إلى تحليل هذا الصمت المتعمد.
ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يختار فيها السيد نصر الله الصمت، إلا أن هذا الصمت الآن يتم بالتأكيد بما يتماشى مع الأهداف في أسرع وقت ممكن، وفي الحقيقة الصمت جزء من المعركة السياسية والإعلامية والنفسية والعسكرية مع العدو، وهذا الصمت مبني على الوعي ويربك العدو، وأحياناً التعليق من أجل التعليق فقط لا قيمة له.
صمت الأمين العام لحزب الله يربك قادة الصهاينة، الذين ليسوا متأكدين من مسار المعركة، كما أنه مؤشر على الرعب والخوف الذي تعيشه المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود اللبنانية. وبمعنى آخر، ما دفع جيش الاحتلال إلى زيادة عرض الشريط الحدودي إلى 5 كيلومترات والمطالبة بإجلاء سكانه من كريات إلى شمونة، هو هذا الإرباك الاستراتيجي.
ويقول فيصل عبد الستار، المحلل السياسي اللبناني، إن الصمت يربك العدو، وهذا ما يمكن ملاحظته في بعض الأوساط الصهيونية، وخاصةً في سلوك وسائل الإعلام الإسرائيلية؛ مثل هذا التعليق لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية التي أعلنت قبل أيام، أن لحظة ظهور نصر الله على الشاشة "ستكون بمثابة يوم القيامة في إسرائيل".
وفي إشارة إلى أن ما يحدث هو رسالة في حد ذاته و"من يفهم الإشارة سيفهمها"، قال هذا الخبير في القضايا السياسية: "السيد حسن نصر الله ليس محللاً سياسياً يتعامل مع الأحداث لحظة بلحظة، في التطورات الكبيرة، ربما يكون صوت الصمت أكثر فائدةً من أي كلام آخر، وخاصةً وأن العالم كله قد تكلم حتى هذه اللحظة، باستثناء قائد المقاومة".
لكن رغم صمت السيد حسن نصر الله، لا ينبغي أن ننسى أن العديد من كبار مسؤولي حزب الله اتخذوا مواقف متشددة في إعلان دعم حزب الله الكامل للمقاومة الفلسطينية في الحرب وعدم حياد حزب الله، وهو ما يکشف السياسة الأساسية لحزب الله.
على سبيل المثال، موقف حسن فضل الله، عضو كتلة الوفاء للمقاومة في البرلمان اللبناني، الذي قال إن "من مصلحة لبنان منع العدو من تحقيق أهدافه في غزة".
وسبق أن أكد الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله في لبنان، أنهم كحزب مهتمون بالتزامن والمواجهة في إطار رؤيتهم التي "تخدم انتصار المقاومة ومستقبل هذا الوطن وحرية فلسطين". وأضاف: "سنفعل ذلك مع وقوع الأحداث، وهو أمر يتطلب المزيد من مشاركتنا".
لكن الرسالة الأكثر حسماً في رفض التحليل المتحيز لصمت السيد نصر الله، كانت نشر صور لقائه مع قادة المقاومة الفلسطينية، حيث التقى السيد نصر الله الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية زياد النخالة، ونائب المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري.
إن تصور حزب الله لطبيعة هذه المعركة يتجلى بوضوح في اللوحة التي رسمها رسام وسط غرفة الاجتماعات بين السيد نصر الله والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين زياد النخالة. أي الصور التي تحتوي على آية من سورة الحشر من القرآن الكريم "لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ".
تتحدث هذه الآية التي نزلت في حادثة بني النضير(اليهود الذين نقضوا عهد رسول الله في السنة الرابعة للهجرة)، عن "جبن وإرهاب" الإسرائيليين الذين لا يملكون الشجاعة لمواجهة قوى الإسلام، إلا من خلال الطائرات دون طيار والطائرات المقاتلة والاختباء خلف القلاع والأسوار التي بنوها.