الوقت- بينما تصطف القوات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك القوات الرئيسية والقوات الاحتياطية، خلف حدود غزة، تواجه الحكومة الإسرائيلية مهمة شبه مستحيلة، حسبما تقول الشبكة الحكومية البريطانية (بي بي سي).
وأشار مراسل "بي بي سي" للشؤون الأمنية فرانك غاردنر في تقريره إلى أن "مقاتلي حماس أخذوا ما لا يقل عن 150 رهينة (أسيرا) في الهجوم على جنوب "إسرائيل" ويحتجزونهم حاليا في مواقع غير محددة داخل غزة، وإذا قررت "إسرائيل" شن هجوم بري واسع النطاق على غزة، فما مدى احتمالية بقائهم على قيد الحياة؟
وتشير التقارير إلى أن قطر ومصر وربما دول أخرى وراء الكواليس تحاول التفاوض بهدف إطلاق سراح عدد من الرهائن. وأحد المقترحات التي تم طرحها هو أن تقوم حماس بإطلاق سراح النساء والأطفال الذين تحتجزهم كرهائن، مقابل قيام "إسرائيل" بإطلاق سراح 36 امرأة ومراهقًا فلسطينيًا من سجونها، لكن مايكل ميلشتاين، أحد كبار المحللين في معهد السياسات والاستراتيجية بجامعة ريشسمان الإسرائيلية، تحدث بأنه في ظل الظروف العادية تكون الأولوية الأولى لـ"إسرائيل" دائمًا هي إعادة الرهائن، إلا أن الأولوية اليوم هي القضاء على حركة حماس باعتبارها تهديدًا عسكريًا.
وفي الوضع الذي وصل فيه الغضب والتوتر لدى الجانبين إلى أعلى مستوياته، فإن "إسرائيل" وحماس ليستا في مزاج يسمح بتسوية أو تراجع، ولقد تفاجأ الإسرائيليون بأن المسلحين تمكنوا من عبور الحدود الجنوبية بهذه السهولة وقتلوا ما لا يقل عن 1200 شخص ولقد صدموا لقتلهم بدم بارد.
وكانت حماس قد هددت بقتل أحد الرهائن دون سابق إنذار بعد أي غارة جوية إسرائيلية تسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين، ولا يوجد أي دليل يثبت أن حماس نفذت هذا التهديد حتى الآن، وتحاول حماس الحصول على أكبر عدد ممكن من النقاط مقابل كل جندي تحتجزه كرهينة، وفرض أعلى تكلفة على "إسرائيل" مقابل إطلاق سراحهم إذا جرت المفاوضات.
إن الوضع الحالي يضع الحكومة الإسرائيلية في مأزق صعب فيما يتعلق بالرهائن، فهل ستحاول "إسرائيل" إنقاذهم بعملية مسلحة خاصة، وهي عملية تنطوي على مخاطرة كبيرة؟ أم إنه سينتظر حتى يتم إضعاف حماس بسبب الغارات الجوية بحيث يكون على استعداد للموافقة؟ هذا الخيار له أيضًا مخاطره الخاصة، وعلى الرغم من الاعتقاد بأن حماس تحتجز رهائن في أنفاق ومخابئ تحت الأرض، إلا أنهم قد لا يكونون في مأمن من الضربات الجوية الإسرائيلية، وهناك دائماً خطر قيام قوات حماس بقتل الرهائن، إما بسبب الغضب أو إذا اعتقدت أن عملية الإنقاذ قد لا تنجح.
لكن مايكل ميلشتاين، الذي كان ناشطاً في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لمدة 20 عاماً، يحذر قائلاً: "ليس لدينا كل المعلومات التي نحتاجها حول كل منزل وشارع في غزة، هناك أرض واسعة لحماس، وهي قادرة على إخفاء قواتها ورهائنها في شبكة الأنفاق والخبايا تحت الأرض"، ولقد أظهرت حماس أيضاً أن لديها قدرة كبيرة في الحروب غير المتكافئة، وبهذه المهارة يمكنها أن تقف في وجه التكنولوجيا الإسرائيلية وقوة النيران، وتمكنت قوات حماس من مفاجأة "إسرائيل" في هجوم 7 تشرين الأول من خلال تجنب ترك بصمات رقمية في الاتصالات وإجراء الحد الأدنى من الاتصال، ومقاتلو حماس، الذين لديهم حاليا أكثر من 150 رهينة (أسيرا)، يتحركون الآن مع إطفاء الأنوار قدر الإمكان.
الأسرى الصهاينة هم الورقة الرابحة للمقاومة
تحاول حماس وجماعات المقاومة الأخرى التي لديها أسرى صهاينة استخدام هؤلاء الأشخاص للتبادل مع الأسرى الفلسطينيين في فترة ما بعد وقف إطلاق النار، ويقبع حاليا في سجون الكيان الصهيوني نحو 4900 أسير فلسطيني، وبالنظر إلى تجربة تبادل الأسرى في السنوات الماضية فإن هذه القضية ستكون الورقة الرابحة للمقاومة، وفي عام 2011 أطلق نظام الاحتلال سراح 1027 أسيراً فلسطينياً مقابل جندي إسرائيلي واحد، ولا شك أنه سيضطر إلى التراجع أمام تسليم العشرات من الصهاينة.
وفي هذا الصدد، أكد محفوظ منور مسؤول العلاقات الخارجية لحركة الجهاد الإسلامي في بيروت، أن قضية الأسرى هي أحد الأهداف الرئيسية لـ "طوفان الأقصى".
وذكر هذا المسؤول في حركة الجهاد الإسلامي أن عدد الأسرى الإسرائيليين يكفي لإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين، ووعد الأسرى الفلسطينيين بأن يعتبروا أنفسهم أحرارا من الآن فصاعدا.
وذلك على الرغم من أنه منذ وصول المتطرفين إلى السلطة في تل أبيب، اشتدت ضغوط هذا النظام على السجناء الفلسطينيين، حتى أنهم حرموا من المرافق الأساسية، وحاول إيتامار بن غفير، وزير الأمن الداخلي في النظام الصهيوني، الحصول على تنازلات من حماس من خلال إقرار قوانين صارمة ضد الأسرى الفلسطينيين في الأشهر الماضية، لكن المتطرفين يجدون أنفسهم الآن في مأزق كبير.
الحد من الزيارات للأسرى الفلسطينيين، وحرمانهم من مشاهدة القنوات التلفزيونية، وإلغاء تقسيم الأسرى على أساس انتمائهم التنظيمي بحيث يتم وضع السجناء من مختلف الفصائل في الزنزانة نفسها، من بين إجراءات الحكومة المتطرفة ضد الفلسطينيين والتي أهملت من قبل قادة المقاومة ولم تبقَ ولذلك فإن ما يواجهه الصهاينة الآن هو نتيجة لأطماع سلطات تل أبيب التي لم تلتفت إلى تحذيرات المقاومة.
من ناحية أخرى، أعلن يوآف جالانت، وزير الحرب في الكيان الصهيوني، أن الحرب على غزة ستستمر بضعة أسابيع على الأقل، وفي الوضع الحالي تشير بعض الدلائل إلى إمكانية التدخل العسكري البري للنظام الصهيوني في قطاع غزة، لكن لا يبدو أن الصهاينة سيتمكنون من الدخول بسهولة إلى قطاع غزة عن طريق البر.
وفيما يتعلق بالدخول البري للجيش الصهيوني، هناك بعض العوائق الخطيرة، التي يمكن اعتبارها تشمل ما يلي:
الأسرى الإسرائيليون: ما لا شك فيه أن أهم عائق أمام دخول النظام الصهيوني هو وضع أسرى هذا النظام الذين أصبحوا الآن في أيدي قوات المقاومة الفلسطينية، وكانت مصادر صهيونية قد أعلنت أن عدد الأسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس يصل إلى 100 شخص، كما أن عدد الأسرى لدى قوات المقاومة الفلسطينية أعلى من ذلك بكثير، وحسب مصادر عبرية، فقد اختفى ما لا يقل عن 750 إسرائيليا خلال الصاعقة التي وقعت يوم السبت الماضي واليوم الأول لعملية اقتحام الأقصى، ومن المحتمل جدا أن يكون بعض هؤلاء المفقودين من بين الأسرى الفلسطينيين الذين تحتجزهم القوات.
إن الدخول البري لجيش النظام الصهيوني إلى قطاع غزة يمكن أن يكلف حياة السجناء الإسرائيليين ويترك التكلفة أضعافًا مضاعفة على أيدي المحتلين، ولذلك فإن كثرة الأسرى والضغط الذي يمارسه أهاليهم حفاظاً على صحة وحياة الأسرى يعد من معوقات الدخول البري للصهاينة إلى قطاع غزة.
البنية الديموغرافية المعقدة: يعد قطاع غزة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم حيث يبلغ عدد سكانه 2,200,000 نسمة. يوجد في هذه المنطقة الجغرافية العديد من المباني متعددة الطوابق والأزقة والشوارع داخل بعضها البعض.
وفي هذا الوضع الكثيف ستكون حرب المدن صعبة جداً على الصهاينة، وجغرافياً، ليس من الممكن التقدم على الأرض، لأن الكمائن التي ينصبها الفدائيون والقناصة في المباني يمكن أن تمنع تقدم قوات الجيش الصهيوني في مدن قطاع غزة.
الضغط الدولي: سيؤدي احتلال قطاع غزة أيضًا إلى رد فعل سلبي محتمل من حلفاء "إسرائيل" الأوروبيين، وتعتبر معظم الدول الأوروبية بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية احتلالا، ووفقا لقرار الأمم المتحدة، تعتبر قطاع غزة ملكا للفلسطينيين وتعارض احتلال الصهاينة لهذه المنطقة، ولذلك فإن أوروبا لا تتعاون كثيرا مع تل أبيب في احتلال غزة.
رد الفعل السلبي للعالم العربي: في الوطن العربي هناك الكثير من التعاطف والتأييد من المواطنين مع عمليات قوات حماس في المناطق المحتلة بالجنوب، بل يتوقع المواطن العربي أن تكون عمليات المقاومة الفلسطينية وستستمر حتى تحرير القدس.
