الوقت- مع وصول قوات جمهورية أذربيجان إلى مدينة "خانكندي" مركز أقليم كاراباخ، تُظهر صور مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي هجرة جماعية لعدد كبير من الأرمن الذين يعيشون في المنطقة إلى أراضي أرمينيا، وتشير آخر إحصائيات الحكومة الأرمينية إلى وصول 6650 من سكان منطقة ناغورنو كاراباخ إلى هذا البلد.
وحدث نزوح هذه المجموعة من سكان منطقة ناغورنو كاراباخ من مكان إقامتهم بينما قال الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف إنه "سيضمن" حقوق الأرمن الذين بقوا في هذه المنطقة.
وحسب وكالة تاس الروسية للأنباء، قال علييف: "أنا متأكد من أن عملية دمج السكان الأرمن في كاراباخ ستتم بنجاح"، وأضاف إن جميع سكان هذه المنطقة هم "مواطنون أذربيجانيون".
إلا أن الحكومة الأرمينية تزعم أن هذه المجموعة من اللاجئين "أُجبرت" على مغادرة مكان إقامتهم، وقال رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان، الأحد الماضي، إنه يتوقع انتقال نحو 120 ألف مدني في منطقة جنوب القوقاز إلى أرمينيا لأنهم لا يريدون العيش في جزء من أذربيجان ويخشون "تهديد التطهير العرقي"، وقال "إن احتمال أن يرى أرمن ناغورنو كاراباخ الطرد من أراضيهم باعتباره السبيل الوحيد للخروج يتزايد".
وقال ديفيد بابايان، مستشار قيادة كاراباخ أيضًا: "شعبنا لا يريد أن يعيش كجزء من أذربيجان و99.9٪ من السكان يفضلون مغادرة أراضيهم التاريخية وسيُسجل مصير شعبنا الفقير في التاريخ كمصدر عار للشعب الأرمني".
وتتولى قوات حفظ السلام الروسية مسؤولية النقل الآمن للسكان المحليين الذين يريدون المغادرة، وطلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، السبت الماضي، من نظيره الأذربيجاني إلهام علييف الاهتمام بالمزارات المسيحية في البلاد، وتتكون غالبية منطقة كاراباخ من الأرمن، كما تعيش أقلية صغيرة جدًا من الروس والأوكرانيين واليزيديين في هذه المنطقة.
وحسب آخر إحصاء رسمي أجري عام 2015، قُدّر إجمالي عدد سكان هذه المنطقة بنحو 150,932 نسمة.
وكانت ناجورنو كاراباخ، المعترف بها دوليا بشكل رئيسي جزءا من أذربيجان، تحكمها في السابق جمهورية آرتساخ الانفصالية، التي أعلنت وقف إطلاق النار بعد عملية عسكرية استمرت يوما واحدا للجيش الأذربيجاني في المنطقة يوم الأربعاء الماضي.
وتحاصر أذربيجان ناجورنو كاراباخ منذ تسعة أشهر قبل هجوم الأسبوع الماضي، ولديها طريق الخروج الرئيسي الوحيد، ولدى جمهورية أذربيجان وأرمينيا تاريخ من المواجهات العسكرية حول السيطرة على منطقة ناغورنو كاراباخ، وأدى الصراع الأول بين البلدين بين عامي 1988 و1994 إلى مقتل أكثر من 30 ألف شخص، وأسفرت المواجهة العسكرية الثانية بين يريفان وباكو قبل ثلاث سنوات عن مقتل 6500 شخص.
احتجاجات أرمينيا عقب وقف إطلاق النار
اندلعت اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في العاصمة الأرمينية يريفان، أمس الأربعاء، حيث احتج الآلاف على طريقة تعامل الحكومة مع أزمة ناغورنو كاراباخ.
وقالت أذربيجان إنها استعادت سيادتها على المنطقة بعد هجوم عسكري دام استمر 24 ساعة، وقد أدى ذلك إلى اتهام أرمينيا بالفشل في حماية العرق الأرمني في المنطقة المتنازع عليها ويطالب المتظاهرون رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان بالاستقالة، ويقولون إنه قدم الكثير من التنازلات في القتال من أجل ناجورنو كاراباخ، ولم يفعل سوى القليل لمساعدة الأرمن العرقيين الذين يعيشون هناك.
والإقليم معترف به دوليا كجزء من أذربيجان، لكن مناطق واسعة منه ظلت تحت سيطرة الأرمن العرقيين لمدة ثلاثة عقود، وأظهرت صور من يريفان شرطة مكافحة الشغب وهي تحرس بالقرب من مبنى حكومي بينما كان بعض المتظاهرين يرشقون الحجارة.
وبينما لوح بعض الأشخاص سلمياً بالأعلام والملصقات، ظهر آخرون مصابون ومغطون بالدماء، وقال السياسي المعارض أفيتيك تشالابيان للحشد: “لقد تخلت سلطاتنا عن آرتساخ”، مستخدماً الاسم الأرمني لكاراباخ، وأضاف “العدو على أعتابنا، يجب علينا تغيير السلطات لتغيير السياسة الوطنية”، في حين دعا نائب آخر إلى بدء إجراءات عزل رئيس الوزراء.
وقال متظاهر آخر، سارجيس هياتس، إن باشينيان “يجب أن يرحل”، وقال لوكالة فرانس برس للأنباء: “إننا نفقد وطننا وشعبنا”.
ويعيش نحو 120 ألف أرمني في ناجورنو كاراباخ، وأطلق الجيش الأذربيجاني، الثلاثاء، عملية “ضد الإرهاب” مطالبة قوات كاراباخ بالاستسلام وحل “نظامهم غير الشرعي، وبسبب عدم قدرتهم على الحصول على أي دعم من أرمينيا بسبب إغلاق طريق رئيسي من قبل أذربيجان منذ ديسمبر، سرعان ما استسلم الأرمن العرقيون، وأصر الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أمس الأربعاء على أنه ليس لديه أي شيء ضد السكان الأرمن، بل فقط ما أسماه “المجلس العسكري الإجرامي.
وتظهر الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي آلاف الأرمن متجمعين في المطار الذي تسيطر عليه روسيا في خانكندي والمعروف باسم ستيباناكيرت من قبل الأرمن العرقيين عاصمة كاراباخ وهم يحاولون مغادرة الإقليم.
وقال مسؤول انفصالي أمس الأربعاء إنه تم إجلاء أكثر من 10 آلاف شخص من المجتمعات الأرمنية إلى مستوطنات أخرى في المنطقة “حيث يمكن توفير الأمان النسبي”, وذكر مسؤول آخر أن ما لا يقل عن 200 شخص قتلوا في القتال، بينهم مدنيون – على الرغم من أن بي بي سي لم تتمكن من التحقق من هذه الأرقام.
التوتر بين موسكو ويريفان؛ أمريكا تصطاد في المياه الموحلة
على خلفية الفتور المستمرّ في العلاقات الروسية الأرمينية، اعتبرت موسكو خطوة يريفان تنظيم مناورات عسكرية مع أمريكا، استفزازية.
ورغم صغر حجم التدريبات، قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إن هذه الأنباء تثير القلق، ولا سيما في الوضع الراهن، لذلك سنحلل هذه الأحداث بعمق ونراقب الموقف، وأعلنت يريفان عن بدء تدريبات عسكرية مشتركة مع واشنطن، منذ 11 أيلول الجاري، في تطوّر قد يحمل توقيته رسائل إلى روسيا، وذلك في بيان لوزارة الدفاع الأرمينية.
والواضح اليوم في ظل تجاذبات إقليمية ودولية أن العلاقات بين موسكو ويريفان باتت على عتبات توتر تاريخي وغير مسبوق، بعد اتهاماتٍ وتصريحاتٍ متبادلة بين مسؤولي الدولتين، ومن غير المستبعد أن يكون لهذه التطورات تداعيات كبيرة على منطقة جنوب القوقاز، وعلى مستقبل التحالفات والترتيبات الجيوسياسية هناك، حيث لعبت العلاقات الروسية الأرمينية دورا رئيسيا في السياسة الخارجية والإستراتيجية لكلا الجانبين في فضاء ما بعد الاتحاد السوفييتي.
انضمام أرمينيا إلى "الناتو"
قد جاءت هذه الخطوة من جانب أرمينيا في توقيت مواكب لما تردد عن مصادر الاتحاد الأوروبي حول احتمالات انضمام أرمينيا إلى حلف "الناتو"، وهي التصريحات التي وصفها نائب وزير الخارجية الروسية ألكسندر غروشكو بأنها "أوهام كبرى"، دحضها بقوله إن "البلدين يواصلان تعاونهما في المجالات السياسية والعسكرية"، غير أن رئيس حكومة أرمينيا، نيكول باشينيان، كان قد أدلى بحديث صحفي، قبل تصريح غروشكو نائب وزير الخارجية الروسية وصف فيه اعتماد أرمينيا على روسيا في مجال الأمن بأنه "خطأ استراتيجي"، وذلك فضلاً عما قاله حول إن "روسيا اليوم، عندما تحتاج إلى الأسلحة والذخائر، فمن الواضح أنها حتى لو أرادت ذلك، لن تكون قادرة على تلبية الاحتياجات الأمنية لأرمينيا".
وأضاف رئيس الحكومة الأرمينية، "هذا المثال يجب أن يوضح لنا أنه في مجال الأمن، فإن الاعتماد أو الارتباط بمركز واحد فقط هو في حد ذاته خطأ استراتيجي"، وأعرب عن رأي مفاده بأن "روسيا غير راغبة أو غير قادرة على الاحتفاظ بسيطرتها على ممر لاتشين"، وهو الطريق الجبلي في منطقة لاتشين في أذربيجان، والرابط الوحيد بين أرمينيا ومقاطعة ناغورنو قره باغ الذي يسيطر عليه الأرمن، وتعتبره أذربيجان جزءاً من أراضيها، وحسب باشينيان، توقفت قوات حفظ السلام الروسية عن السيطرة على ممر لاتشين، واعترض على تفسير ذلك بأن الدول الغربية تدفع يريفان لإخراج روسيا من المنطقة، قائلاً "على العكس من ذلك، نرى أن روسيا نفسها تخرج من المنطقة بسبب الخطوات التي تتخذها أو التي لا تتخذها".