الوقت- تشهد محافظة السويداء في جنوب سوريا حاليًا استعادة دعوات لاستئناف التظاهرات الشعبية، بعد تراجع وتيرتها في الفترة السابقة، يأتي ذلك في سياق دعوات مكثفة للتحضير لمؤتمر سياسي مقترح يهدف إلى مناقشة تشكيل سلطة "لامركزية إدارية". وعلى الرغم من هذه الدعوات، إلا أن هناك رفضًا ومعارضةً من جانب بعض أبناء المحافظة تجاه هذا الاقتراح، وإضافة إلى ذلك، يُشير المراقبون إلى بدء ظهور علني للدور الأمريكي في الأحداث التي تجري في جنوب سوريا، ما يثير تساؤلات حول الدور الذي قد تلعبه الولايات المتحدة في تلك المنطقة في المستقبل، حيث تجددت الدعوات لتنظيم تظاهرة حاشدة في ساحة الكرامة وسط محافظة السويداء مؤخراً، بعد أن شهدت أيام الأسبوع الماضي تظاهرات اقتصرت على مجموعات صغيرة من المشاركين، وتأتي هذه الدعوات في سياق استمرار الاحتجاجات في جنوب سوريا، حيث دخلت الاحتجاجات في المنطقة في أسبوعها الخامس.
اختطاف مطالب الأهالي
شهدت الاحتجاجات تراجعًا ملحوظًا في حيز الاهتمام والمشاركة في محافظة السويداء، وذلك حسب مصادر سورية، نتيجة لظهور مشاريع وتحركات سياسية تبعد نفسها عن جوهر المطالب التي تعبّر عنها السكان، ووفقًا لمصادر متعددة، شهدت مدينة السويداء نشاطًا اقتصاديًا عاديًا، حيث تمت عمليات البيع والشراء كالمعتاد، وتم فتح أبواب جميع المؤسسات والدوائر الحكومية لاستقبال المراجعين، ويعكس ذلك عودة الحياة في المحافظة إلى وضعها الطبيعي.
وإضافة إلى ذلك، جاءت دعوات من قادة بعض التجمعات الاحتجاجية في محافظة السويداء جنوب سوريا بتنظيم مؤتمر سياسي لمناقشة تشكيل سلطة "لامركزية إدارية"، والتي تنبثق عن حركة الاحتجاج، وتُظهر هذه الدعوات النوايا الحقيقية للاستثمار السياسي المخطط له من قبل الولايات المتحدة في حركة الاحتجاج. ويبدو أن حالة الاستياء الشعبي في السويداء والذي هو الحال في كل سوريا والناجم عن الوضع الاقتصادي الصعب، وسوء الإدارة، والفساد، والعقوبات، للضغط على الحكومة في دمشق، وتظهر هذه الدعوات بهدف التنبيه إلى مشاريع انفصالية يُفترض أن تكون وراءها الولايات المتحدة و"إسرائيل."
وعلى هذا الأساس، قامت مجموعة محلية في محافظة السويداء بدعوة لتنظيم مؤتمر بهدف تشكيل هيئة سياسية مدنية تهدف إلى إنشاء لجان محلية، تمتلك كل لجنة مهمة خاصة في مجالات الخدمات والشؤون السياسية والاقتصادية داخل محافظة السويداء. وتُبرر المجموعة هذه الخطوة بوجود فراغ في مؤسسات الدولة في المنطقة، على الرغم من أنها نفسها كانت قد قامت بجهود لتقويض هذه المؤسسات بزعم وجود فساد.
ومنذ ذلك الحين، قامت المجموعة بتحويل مطالب الأهالي في السويداء من حركة احتجاج تنديدًا بارتفاع الأسعار وتدهور الوضع المعيشي إلى مطالب سياسية تتزامن بشكل كبير مع أهداف الولايات المتحدة، وتتمثل هذه المطالب في تنفيذ القرار رقم 2254 وغيرها من المطالب الأُخرى، وتشمل أيضًا مطالب بإقامة إدارة ذاتية في السويداء تشبه ما قامت به الفصائل الكردية في مناطق شرق نهر الفرات، بالاعتماد على دعم مباشر وواضح من الولايات المتحدة، ويتصاعد اهتمام الرأي العام بحزب اللواء السوري، الذي لم يكن معروفًا قبل أحداث السويداء الأخيرة، ويبدأ هذا الحزب الناشئ في توسيع نطاق عمله من خلال تشكيل مكاتب خدمية، وسط تساؤلات متزايدة حول مصادر تمويله الحقيقية.
ويظهر أن الحزب الصاعد أصبح لاحظًة بين الأحداث الجارية في المنطقة، وقد دفع باتجاه مشروع إقامة "إدارة ذاتية"، يجب أن يتم فهم أن هذه العبارة تخفي خلفها مخططات انفصالية، تُدار بشكل حثيث من قبل الإدارة الأمريكية، هذه المخططات تهدف في النهاية إلى تفتيت وتجزئة سوريا إلى دويلات صغيرة تقع جلها تحت النفوذ الأمريكي المباشر، وعلى الرغم من الأنشطة والمشاريع التي تجتاح المحافظة السوريا الجنوبية حاليًا، يبقى هناك تصميم قوي وصارم على مقاومة هذا المشروع من داخل السويداء، وخاصةً من قبل أبناء الطائفة الدرزية، على الرغم من مشاركتهم في حركة الاحتجاج ومشاركتهم في الاستياء الشامل من أداء الحكومة في دمشق، إلا أن هؤلاء الأفراد يتحلون بموقف صريح وثابت، وترفض نخب وفعاليات وشخصيات روحية ونشطاء، إضافة إلى شرائح واسعة جدًا من سكان المحافظة، فكرة الإدارة الذاتية، وهم يؤكدون بشكل قاطع أنهم جزء لا يتجزأ من وحدة الوطن السوري، وأنهم يعملون على الحفاظ على هذه الوحدة والتلاحم الوطني.
مشروع خطير في الجنوب السوري
تلعب الوعود والمغريات دورًا مهمًا في محاولة جذب الأفراد الذين يشعرون برفض واضح وقلق من التوجه نحو مشاريع قد تكون لها عواقب غير محسوبة، هذه المشاريع تهدد بالانزلاق نحو عملية تقسيم وتفتيت، تعرض وحدة ومستقبل البلاد للخطر، ومن بين الأدوات التي تستخدم لإغراء الأفراد تأتي مقولات تشير إلى أن الإدارة الذاتية لن تكون محصورة في محافظة السويداء فقط، بل ستمتد لتشمل جميع المناطق الجنوبية في سوريا، وهذا يتضمن المعابر الرسمية مع الأردن وضمان تلبية الحاجات الأساسية للسكان، كما تُخصص للإدارة الذاتية موارد تمكنها من تقديم الخدمات بشكل مستقل عن الحكومة في دمشق.
وتأتي هذه المقولات التي يتم ترويجها بين أبناء السويداء من الجانب الأمريكي، ولم تعد الولايات المتحدة تكتفي بالدور الخفي في المحافظة أو تقتصر على إصدار بيانات تدعم حركة الاحتجاج، كما كانت تفعل في السابق، مثلما تم أخيرًا بإصدار السفارة الأمريكية الافتراضية في سوريا بيانات داعمة للحركة قبل أسبوعين، ولقد بدأت الولايات المتحدة بالتواصل مباشرة مع قادة مشروع الإدارة الذاتية ومع بعض الشخصيات ذات الاعتبار في المحافظة، وهذا يشير إلى التزام الولايات المتحدة الأكبر والمباشر بالمناطق والأحداث في المنطقة، وذلك في إطار جهودها لدعم مشروع الإدارة الذاتية وتعزيز الحضور الأمريكي في الجنوب السوري.
وتلقى أحد كبار المشايخ الروحيين للموحدين الدروز في محافظة السويداء، الشيخ حكمت الهجري، مكالمتي هاتفيتين في غضون أسبوع واحد، الاتصال الأول جاء من النائب الجمهوري الأمريكي فرينش هيل، فيما جاء الثاني من عضو مجلس النواب الأمريكي عن الحزب الديمقراطي برندن بويل، ويبدو أن الولايات المتحدة تظهر اهتمامًا بزيادة التوترات في المحافظة، وذلك بهدف تعجيل تنفيذ مشروعها في جنوب سوريا، يُفهم أن هذا المشروع يخدم مصالح الولايات المتحدة و"إسرائيل"، وقد يثير تساؤلات حول مدى توافقه مع مصالح سكان السويداء.
لكن بالمقابل، تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية الرئيسية عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي وصلت إليها سوريا. يعزى ذلك جزئياً إلى قانون العقوبات الشهير "قيصر"، الذي يؤثر بشكل كبير على حياة المواطن السوري وسبل معيشته، دون أن يطال المسؤولين السياسيين والحكوميين في البلاد، إضافة إلى ذلك، يعزى تدهور الأوضاع أيضًا إلى نهب الولايات المتحدة للنفط والغاز السوري واستيلائها على مساحات واسعة من حقول القمح والقطن والمساحات الزراعية في شرق الفرات، هذا التحكم في الموارد الاقتصادية السوريا أثر بشكل سلبي على مصدر رزق الشعب السوري وحرمهم من الاستفادة منها.
ومن الجدير بالذكر أنّ رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني والزعيم الدرزي، طلال أرسلان، أكّد في بيان موجه إلى مشايخ وأبناء جبل العرب، أن الموحدين الدروز لا يضيّعون البَوصلة، وأن الأفعال العدوانية والمغرضة من قبل القلة لن تنجح في سحب السويداء ومشايخها وأهلها إلى مستقبل مجهول، وكانت لافتة زيارة السفير الروسي في "إسرائيل"، أناتولي فيكتوروف، إلى الزعيم الروحي لطائفة الدروز في فلسطين، الشيخ موفق طريف، ويمكن تفسير هذه الزيارة في سياق تنبيه الروس لخطورة المشروع الأمريكي في جنوب سوريا، وفي الوقت نفسه، بدأت تظهر تصاعدًا في التوترات العسكرية بين كيان الاحتلال الإسرائيلي والجيش السوري على الحدود الجنوبية، و قام الجيش الإسرائيلي بقصف مواقع سوريا بزعم انتهاك الجيش السوري لخطوط الهدنة، وأشارت دمشق بطرق غير رسمية أنّها سترد بشكل واضح هذه المرة.