الوقت - التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مع المسؤولين السعوديين، في زيارة استغرقت يومين إلى السعودية يوم الخميس الماضي، وقد عُقدت هذه الاجتماعات بعد أن انقطعت العلاقات بين البلدين تمامًا منذ سنوات.
أظهرت السعودية نفسها حريصةً على الاستثمار في إيران، ورحبت بالمصالحة والحوار مع إيران، ويحاول هذا المقال شرح سبب تغير وتحسن العلاقة بين طهران والرياض.
قبل شرح أسباب هذه القضية، تجدر الإشارة إلى أن جميع الأحداث الدولية لها أسباب على ثلاثة مستويات من التحليل هي "النظام الدولي والحكومي والفردي"، وفي الواقع، تدرس هذه المستويات الثلاثة، على التوالي، تأثير البيئة الدولية، وتأثير الوضع الحكومي العام، وتأثير الأفراد والقادة في الأحداث الدولية.
حقيقة أنه من أي زاوية ومن أي مستوى من التحليل ننظر إلى القضايا الدولية، تخلق تحليلات مختلفة، ولهذا السبب، قدّم الخبراء أسبابًا مختلفةً فيما يتعلق بالتغييرات في العلاقات بين إيران والسعودية، ومع ذلك، يبدو أنه حتى لا تحدث الاختزالية ولا تتأثر التحليلات، يجب مراعاة جميع مستويات التحليل الثلاثة في الوقت نفسه.
ما هي التغييرات التي حدثت على المستوى الدولي؟
في السنوات الأخيرة شهدنا تغييرات مهمة في النظام الدولي، والتي يشير إليها خبراء العلاقات الدولية على أنها الحالة الانتقالية للنظام الدولي، وهذه الظروف هي حالة تكون فيها القوة العظمى الوحيدة في العالم، أي الولايات المتحدة، في وضع ما يسمى التدهور، ولم يعد بإمكانها الاستمرار في قيادة الشؤون الدولية وحدها.
في الواقع، نظرًا لوضعها المتدهور، لم تعد الولايات المتحدة قادرةً على استخدام قوتها في العالم وعلى عدة جبهات في الوقت نفسه، ولهذا السبب، أعاق صراع الولايات المتحدة على جبهات أوكرانيا وتايوان، الدور النشط لهذا البلد في جنوب غرب آسيا، وقد تسببت هذه القضية في خسارة السعودية للدعم الأمني الفعال للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
من ناحية أخرى، واجهت منطقة جنوب غرب آسيا النفوذ المتزايد للصين، الأمر الذي يجبر السعودية على التنسيق بشكل أكبر مع هذا القطب الناشئ في العالم، وعلى عكس الولايات المتحدة التي رأت استمرار قوتها في ظل الوضع غير المستقر في الشرق الأوسط والصراع بين الدول العربية وإيران، بالنسبة للصين فإن الاستقرار في هذه المنطقة والمصالحة بين الأطراف استراتيجية أساسية، وهذه الظروف هي ما يسميه الخبراء النظام الجديد للمنطقة.
وفي مثل هذه الظروف، تضطر السعودية إلى تغيير سياستها تجاه إيران لتكون أكثر انسجاماً مع سياسات الصين، وخاصةً عندما فقدت مظلة الدعم الأمريكي، وتسعى الحكومة الإيرانية الجديدة أيضًا، بفهمها الصحيح للعلاقات الدولية، إلى تعزيز العلاقات مع الصين بجدية.
ما هي التغييرات التي طرأت على العلاقات الثنائية بين إيران والسعودية؟
ما قيل هو التغيرات في البيئة الدولية والإقليمية، التي أجبرت السعودية على تغيير سياستها تجاه إيران، لكن بصرف النظر عن الظروف الدولية، حدثت تغييرات مهمة أيضًا في حالة العلاقات الثنائية بين السعودية وإيران، ما دفع السلطات السعودية إلى المصالحة مع إيران.
في العقود وحتى القرون الماضية، كانت منطقة جنوب غرب آسيا ساحة تنافس بين الإيرانيين والعرب والأتراك على السيادة وتشكيل ترتيب المنطقة المرغوبة، لكن في السنوات الأخيرة، انقلبت الموازين بوضوح لمصلحة إيران في المواجهة الأمنية، حيث أدى الوضع في اليمن وسوريا وقطر، على الرغم من التخطيط والاستثمار المكثف للسعودية، إلى هزيمة خطيرة لهذا البلد أمام استراتيجيات إيران.
من ناحية أخرى، فشلت أيضًا محاولة السعودية التدخل في الوضع الداخلي لإيران، ولذلك، توصلت الرياض إلى نتيجة مفادها بأنها لا تستطيع إجبار إيران على التراجع عن طريق الصراع، على الأقل في الوضع الراهن.
وبالنظر إلى استراتيجية الحكومة الإيرانية الحالية لتعزيز سياسة الجوار، فإن استمرار العداء السعودي قد يؤدي إلى إضعاف مكانة هذا البلد في المنطقة، وهذا الاستنتاج أجبر السعودية على اختيار طريق بديل للصراع، أي المصالحة مع إيران.
ما هي التغييرات التي طرأت على نظرة القادة السعوديين؟
رغم تغير الظروف الدولية والتنافسية بين السعودية وإيران، إلا أن هناك شيئًا آخر لعب دورًا مهمًا في الوضع الحالي، يرتبط بتغييرات جوهرية في تصور القادة السعوديين لحال العلاقات مع إيران.
وعلى الرغم من أن الممارسة العامة للدول، بشكل عام وعلى المدى الطويل، لا تخضع لاختلافات جوهرية حتى مع تغيير القادة؛ ومع ذلك، لا يمكن تجاهل دور قرارات القادة في اللحظات التاريخية الحرجة.
إن القادة هم الذين يصلون إلى فهم معين، ويتفاعلون بطريقة معينة من خلال تقييم الظروف الخارجية، وفي الواقع، قد يكون للحادث الدولي، مهما كانت أهميته، معنى خاص للقائد.
كل من الأحداث التي تم شرحها في الظروف الدولية والثنائية لإيران والسعودية، كان من الممكن أن تحفز السعوديين على الشعور بمزيد من المنافسة، لكن التغيير في نظرة السعوديين هو الذي جعل اختيار السعودية في الوضع الحالي هو المصالحة مع إيران.
في الواقع، يبدو أنه على الرغم من التغييرات الدولية والثنائية المهمة، حدثت تغيرات جوهرية أيضًا في عقلية القادة السعوديين، ما أدى إلى تصور هذه الأحداث بهذه الطريقة، وإلى تحسين علاقات السعودية مع إيران؛ لكن ما الذي غيّر نظرة القادة السعوديين؟
لا يتغير تصور قادة البلدان بالحوار أو التفاوض؛ وفي الأساس، العلاقات الدولية، وخاصةً في المواقف العدائية، ليست ناتجةً عن سوء الفهم الذي يمكن حله وتغييره من خلال الحوار، إن ما يغيّر الظروف الإدراكية للقادة، هو تغييراتهم الحسابية تجاه مؤشرات مهمة، مثل الأمن والمصالح ومستوى القوة.
يبدو أن العامل الرئيسي الذي غيّر حسابات السلطات السعودية، وخاصةً ولي العهد السعودي، هو حادثة أرامكو والانخفاض الخطير في طاقة إنتاج النفط السعودي في بضع ساعات في عام 2019، هذه الحادثة الناجمة عن هجوم الطائرات المسيرة للقوات اليمنية علی السعودية، غيرت نظرة القادة السعوديين للعلاقة مع إيران.
في الواقع، توصلت السلطات السعودية إلى استنتاج مفاده بأن عدم رد إيران على الأعمال العدائية السعودية في السنوات الأخيرة لم يكن بسبب عدم الكفاءة، ولكن بسبب جهود السلطات الإيرانية للحفاظ على الأخوة بين الدول المجاورة والمسلمة.
إن ما حدث في عام 2019، أدى بالسعوديين إلى استنتاج مفاده بأنهم لا يستطيعون الاعتماد على الولايات المتحدة في أمنهم، وفي الواقع، انتهى دور السعودية كلاعب سعی جاهدًا لتأسيس النظام الأمريكي المنشود في المنطقة، عند هذه النقطة.
وقد تم تطوير هذا الدور من خلال اتفاقية مبادلة النفط السعودي بالأمن الذي توفره الولايات المتحدة في السنوات السابقة، ومع ذلك فقد دفعت أحداث عام 2019 المسؤولين السعوديين إلى استنتاج أنهم بحاجة إلى التوقف عن لعب دور اللاعب المفضل للولايات المتحدة.
لذلك، يبدو أنه إضافة إلى التغييرات الدولية المهمة والعلاقات الثنائية، لعبت العقلية المتغيرة للسعوديين دورًا رئيسيًا في تحسين العلاقات الإيرانية السعودية.
طبعاً، هذا الموضوع لا يعني نهاية تعاون السعودية مع الولايات المتحدة، كما أنه من الواضح تماماً أن تحسين العلاقات بين إيران والسعودية، لن يعني نهاية التنافس بين البلدين من أجل النفوذ الأكبر في المنطقة.