الوقت- في السنوات الأخيرة، ازدادت المنافسة بين دول منطقة غرب آسيا للعب دور أقوى في التجارة بين الشرق والغرب وممرات الطاقة يومًا بعد يوم.
في هذا المجال، من الدول التي تسعى لإيجاد موطئ قدم في السوق الإقليمية شديدة التنافسية بمبادرة جديدة هي دولة العراق، التي دخلت ما يسمى مشروع "ممر الجافة"، وهو جزء من مشروع "طريق التنمية" الأكبر، ولقد كان هبة من السماء للعراق ليتمكن من الحصول على حصة من فوائد التجارة الدولية للبضائع لنفسه.
نوقشت خطة بناء "طريق التنمية" لأول مرة في وسائل الإعلام خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى تركيا في آذار / مارس الماضي.
مع هذا المشروع، يطمح العراق في الواقع إلى أن يصبح مركزًا للنقل بين آسيا وأوروبا من خلال تطوير ميناء الفاو، وتقع الفاو في مدينة البصرة جنوب العراق وهي الميناء الرئيسي لهذه الدولة في الخليج الفارسي.
وقال السوداني قبل رحلته الى تركيا في مقال: "مشروع ميناء الفاو الكبير يشمل محور الجافة الذي يمر بالديوانية والنجف وكربلاء وبغداد والموصل بطريق سريع وخط سكة حديد، ويصل إلى حدود تركيا ثم ميناء مرسين.
أكدت وكالة الأنباء العراقية الرسمية، في 27 كانون الثاني / يناير 2023، نقلاً عن يونس خالد الكعبي، مدير الشركة العامة للسكك الحديدية بوزارة النقل في هذا البلد، أن مشروع طريق الجافة حيوي للغاية وذو أهمية خاصة، ومن بين المشاريع الاستراتيجية للحكومة.
يتم بناء مشروع الميناء هذا من قبل شركة دايو الكورية الجنوبية. وتشمل مساحة المشروع أكثر من 20 ميلاً مربعاً وتضم مناطق صناعية ومشاريع سكنية ومناطق جذب سياحي وقد بلغت تكلفتها أكثر من 4.83 مليارات دولار حتى الآن، ومن المفترض أن يبدأ تشغيل هذا المشروع بحلول عام 2025.
غموض في الاتصال بطريق الحرير الجديد
واجهت هذه الخطة الوطنية الكبيرة، التي تحاول حكومة السوداني تنفيذها، العديد من القضايا، أهمها ربما عدم اليقين الذي يثيره بعض السياسيين وأعضاء البرلمان بشأن الشكوك التي وردت في تصريحات المسؤولين الحكوميين حول الآثار الجيو-اقتصادية لممر الجافة.
القصة هي أنه في عملية تنافسية للغاية لخطط العبور لدول المنطقة لسرقة زمام المبادرة من الآخرين في المشاركة في مشروع الحزام والطريق الصيني العملاق، وادعت الحكومة السودانية بهذا الخصوص أن ممر الجافة سيكون في نهاية المطاف هو حصة العراق في مشروع الحزام أو طريق الحرير الجديد.
وفي الوقت نفسه شكك بعض أعضاء مجلس النواب وخبراء اقتصاديين في مطالبة الحكومة واعتبروا تنفيذ مشروع ممر الجافة عقبة أمام مشاركة العراق في مشروع الحزام والطريق الصيني. وفي هذا الصدد، انتقد حسن سالم، ممثل كتلة صادقون النيابية، الممثل السياسي لحركة عصائب أهل الحق في البرلمان العراقي، مرارا مشروع الحكومة التنموي الذي يربطهم مع أوروبا عبر تركيا، ويقول إن هذا هو إنهاء لأمل العراقيين في الانضمام إلى طريق الحرير الاقتصادي الذي تبنته الصين وإيران.
وقال في بيان نشره مكتبه الإعلامي: مشروع ممر الجافة يعتبر قتلاً وتدميراً للتنمية في العراق وهو ما ينفيه بعض المسؤولين والمستشارين في الحكومة ووزارة الداخلية، وفي رسالة وجهها لرئيس مجلس الوزراء بتوقيع 148 من أعضاء مجلس النواب (18 مارس)، طلب تفعيل اتفاقية /الصين – ليز/ من خلال استكمال مشروع ميناء الفاو والربط السريع لميناء الفاو بممر الحزام والطريق.
جاء في رسالة هذا النائب: "طريق الحرير الجديد" أعلنه الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2013، ويسمى هذا المشروع رسمياً مشروع "الحزام والطريق" ويضم 130 دولة، وهدفه تطوير البنية التحتية البرية والبحرية من أجل تحقيق اتصال أفضل بين الصين وأوروبا وأفريقيا عبر إيران.
في الوقت نفسه، وزارة النقل لا توافق على هذا الادعاء وتدحض كل هذه الشكوك والأدلة، لكن بعد نفي وزارة النقل، استمر سالم في الإصرار على مزاعمه وهاجم الحكومة في تغريدة نقلا عن اقتباس من السفير الصيني في العراق، بالقول:
"قبل أيام كانوا ينفون طريق الحرير، واليوم يكذبون بأن السفير الصيني قال لهم بأن طريق الجافة مكمل لمشروع الحزام والطريق، ألا يوجد مستشار سيخبر رئيس الوزراء أن السفير الصيني حذرنا وأرادنا أن نفهم أن الحزام والطريق أولوية ".
طريق وعرة
في النقاش حول ما إذا كانت خطة ممر الجافة لحكومة السوداني ستكون مفيدة للمصالح الاقتصادية للعراق من الارتباط بممرات إقليمية ودولية أم لا، هناك قضية مهمة أخرى وهي الصعوبات والعقبات العديدة التي تعترض طريق تنفيذ هذا المشروع.
على الرغم من الأهمية الكبيرة لهذا المشروع المستقبلي للحكومة العراقية، إلا أن هذا المشروع يواجه سلسلة من التحديات السياسية والأمنية والمالية التي تحول دون استكماله، بينما أعلنت الحكومة العراقية أن عام 2029 هو عام تشغيل المشروع، إلا أن تقرير معهد الدول العربية للخليج الفارسي في واشنطن أعلن أن استكمال مشروع ممر الجافة مستحيل قبل عام 2038، وأن تكلفته أكثر من 20 مليار دولار.
وقال فرحان الفرطوسي، مدير عام شركة موانئ العراق، في تصريح لوكالة أنباء الأناضول التركية نهاية العام الماضي (2022)، إنه يتوقع الانتهاء من مشروع إنشاء ميناء الفاو بحلول عام 2025 والسكك الحديدية الخاصة به بحلول عام 2029 على أبعد تقدير.
وبالتأكيد فإن توفير التكاليف المالية لهذا المشروع هو أحد المشاكل العديدة للحكومة العراقية التي تحاول حل هذه المشكلة عن طريق ضخ استثمارات أجنبية في المشروع، لهذا الغرض، راهنت بغداد على جذب انتباه الدول العربية الواقعة على طول الخليج الفارسي والادعاء بسرعة ربط الخليج الفارسي بتركيا وأوروبا.
من ناحية أخرى، حذر مراقبون من أن عدم الاستقرار السياسي وانعدام الأمن في العراق قد يعرض هذا المشروع للخطر، وحسب تقرير معهد الدول العربية للخليج الفارسي في واشنطن، فإن نجاح المشروع يعتمد بشكل خاص على الظروف الأمنية في المنطقة، وقد تعطل مجموعات "داعش" والميليشيات وحزب العمال الكردستاني (PKK) تنفيذ هذا المشروع.
لذلك، بشكل عام، انطلاقا من دراسة مختلف جوانب تنفيذ مشروع ممر الجافة، فإن السؤال المطروح أمام العراقيين هو ما إذا كانت الطريقة البديلة والإقليمية لربط الخليج الفارسي بتركيا ثم أوروبا عبر إيران، لأنها اقتصادية وأقل تكلفة وآمنة وأقل صعوبة، فضلاً عن ضمان أن مشروع الحزام والطريق الصيني لا يتماشى أكثر مع مصالح العراق, بينما يتعين على الحكومة العراقية المرور عبر مراحل عديدة لتنفيذ مشروع الجافة وقضاء عدة سنوات لتنفيذ الاتصال بأوروبا، بينما سيحصد المتنافسون بسرعة فوائد التعاون السريع مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، ويكفي لبغداد أن تضع تطوير مشروع سكة حديد الشلامجة - البصرة باتجاه الخليج الفارسي على جدول الأعمال.