الوقت- إن زيارة وفد عسكري عراقي إلى واشنطن أثارت عدة أسئلة على مختلف الأصعدة، إذ يراها مقرب من الإطار، زيارة للبحث في ملف انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وتحشيدها شرق الفرات قرب الحدود الغربية للعراق.
الزيارة وصفها مراقبون بـ ”البروتوكولية”، واعتبروها مؤشرا على ارتياح الولايات المتحدة لخطوات الحكومة الحالية، لكنها لن تفتح أبواب البيت الأبيض أمام رئيسها محمد شياع السوداني.
ويقول المحلل السياسي غالب الدعمي، إن “دعوة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لوفد عسكري عراقي برئاسة وزير الدفاع، هي بروتوكولية، ولن يكون لها أي تأثير، وخصوصاً أن واشنطن لا تغلق كل الأبواب، بل تترك بعضها مفتوحا للتواصل مع بعض الحكومات، وهذا ما تتبعه مع العراق”، ويضيف الدعمي، إن “واشنطن حتى اللحظة لا تعتبر حكومة السوداني محل اهتمام لها، ولو كانت تهتم فعلا بهذه الحكومة لوجهت دعوة لرئيس الوزراء لزيارتها، وذلك لأنها ترى أن هذه الحكومة، هي أقرب إلى إيران ولا تمثل المصالح الأمريكية”.
توجه وفد عسكري عراقي إلى واشنطن بدعوة رسمية
يذكر أن وفدا عسكريا، برئاسة وزير الدفاع ثابت محمد العباسي بدأ زيارته يوم الاثنين الماضي، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بدعوة رسمية من وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، ويضم رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الأول الركن عبد الوهاب الساعدي، ورئيس أركان الجيش الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يار الله، ونائب قائد العمليات المشتركة الفريق الأول الركن قيس المحمداوي وعدداً من المستشارين والضباط.
وحسب البيان الرسمي العراقي، فإن الوفد سيناقش العلاقة المستقبلية لوجود التحالف الدولي، والتعاون الأمني الثنائي بين العراق والولايات المتحدة، وتبادل الخبرات والمعلومات وخاصة في الجانب الاستخباري في ملاحقة ما تبقى من عناصر "داعش".
الفصائل وأمريكا
من جهته، يبين المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي علي فضل الله، أن “الملف الأمني، يعد من أهم الملفات في العراق، وخاصة الجزء المتعلق بواشنطن، فهو معلق ويحتاج إلى حلول، ولا سيما مع وجود مطالب برلمانية وسياسية وشعبية لإخراج القوات الأجنبية والأمريكية تحديداً من كل الأراضي العراقية”، ويلفت فضل الله، إلى وجود “اتفاق خلال تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، على عدم الحاجة لأي قوات عسكرية أمريكية وأجنبية، بل العراق بحاجة لبعض الخبراء والمستشارين، بالتالي فإن زيارة الوفد الأمني والعسكري إلى واشنطن، سوف تنظر بأمرين، الأول تنظيم العلاقة الأمنية ما بين العراق والولايات المتحدة، والإبقاء فقط على المستشارين الأمنيين”.
ويستطرد “الأمر الثاني، هو البحث بملف التحشيد الأمريكي شرق الفرات داخل الأراضي السورية، بالقرب من الحدود العراقية، وهذا الملف يستدعي التنظيم والمتابعة من قبل الحكومة العراقية، وهذا الملف سيكون ضمن أجندة الوفد العراقي، وغيرها من ملفات التنسيق العسكري المشترك”.
يذكر أن ملف إخراج القوات الأجنبية من العراق، كان من أبرز ما نادى به الإطار التنسيقي خلال الحكومة السابقة، واستخدمه ضدها، فيما اتخذت الحكومة الحالية المشكلة من قوى الإطار، الصمت تجاه هذا الملف، وهو ما ربطه محللون سياسيون بهدنة أمريكية إيرانية، إضافة إلى عدم التأثير على حكومة السوداني.
ومنذ عامين، صعدت الفصائل المسلحة وقوى الإطار التنسيقي من مطالباتها بإخراج القوات الأمريكية من العراق، وضغطت بكل السبل لتحقيق هذا الأمر، وهذا إلى جانب ظهور فصائل بأسماء وهمية، تبنت كل عمليات استهداف المصالح الأمريكية في العراق.
جدير بالذكر، أن استهداف المصالح الأمريكية عبر الطائرات المسيرة والصواريخ، كان حاضرا في ذروة الأزمة السياسية التي استمرت لأكثر من عام، حيث جرت استهدافات عدة ومن أبرزها ضد القاعدة العسكرية الأمريكية قرب مطار بغداد الدولي، وذلك في أيار مايو 2021.
ملف محسوم
في المقابل، يرى المحلل السياسي المقيم في واشنطن نزار حيدر، أن “الزيارة ليس لها علاقة بملف جدولة انسحاب القوات الأمريكية من العراق، إذ إن هذا الملف محسوم، حيث أكد السوداني أكثر من مرة أن العراق ما زال بحاجة إلى وجود قوات التحالف الدولي ومنها القوات الأمريكية، وما تتحدث عنه الفصائل المسلحة هو للاستهلاك المحلي ولتنفيذ أجنداتها فقط”، ويتابع حيدر إن “هذه الفصائل أُخرست منذ تشكيل الحكومة ولم ترم حجرة واحدة على المصالح الأمريكية، على الرغم من أنهم ادعوا وقتها أنهم أمهلوا السوداني 6 أشهر لإخراج القوات الأجنبية من العراق”،
مضيفا إن “زيارات الوفود العسكرية الأمريكية إلى بغداد، وعلى أعلى المستويات لم تنقطع، وكان أبرزها زيارة وزير الدفاع الأمريكي قبل أشهر”، ويلفت إلى أن “واشنطن مرتاحة لما يبديه السوداني بصفته القائد العام للقوات المسلحة من التزامات بالحرف الواحد بشأن التعامل مع الفصائل، إذ نجح في لجمها وتحديد حركتها إلى حد كبير، إضافة لما يبديه من اهتمام في ملف تنظيم وتسليح وتمكين القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والعسكريَّةِ على مختلف الأصعدة وبالتعاون مع واشنطن وبقية أطراف الناتو والتحالف الدولي”.
نتائج الزيارة
اختتمت في العاصمة الأمريكية واشنطن، أعمال «حوار التعاون الأمني المشترك» بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية، باتفاق ثنائي يقضي بتشكيل «لجنة عُليا» لتقييم دور القوات الأمريكية و«التحالف الدولي» في العراق وتحوّل مهامه العسكرية بعد تطوّر قدرات القوات العراقية في مواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» فيما جدد العراق التزامه بحماية «الأفراد والمستشارين» الأمريكان والمستشارين الأمريكيين والتحالف المتواجدين على الأراضي العراقية بطلبٍ من الحكومة.
وانتهى الحوار بتوقيع محضر اجتماع أكد الالتزام الثنائي بالتعاون الأمني والدفاعي المستمر في جميع المجالات، بما في ذلك مهمة القضاء على التنظيم المتشدد التي يقودها العراق.
وافتتح «حوار التعاون الأمني المشترك» بين الولايات المتحدة والعراق في العاصمة واشنطن في الفترة من السابع إلى الثامن من آب 2023، وأكدت وزارتا دفاع البلدين، مجدداً التزامهما بـ«التعاون الأمني ومصالحهما المشتركة بالاستقرار الإقليمي» وفقا لبيان صادر عن السفارة الأمريكية أمس، وأوضح البيان أن «وفداً من جمهورية العراق، برئاسة وزير الدفاع ثابت العباسي، ووفداً أمريكياً بقيادة مساعد وزير الدفاع سيليست والاندر، ناقشا مجموعة من قضايا الدفاع الثنائية وفقاً لاتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق للعام 2008 وكجزء من الشراكة الأمريكية – العراقية الشاملة».
التحديات المستقبلية
واستعرض الجانبان التحديات والفرص المشتركة للتعاون مع التركيز على «الإنجازات الرائعة لحملة هزيمة "داعش" والجهود الجارية لمنع عودة التنظيم، والتأكيد على التعاون المشترك مع القوات الأمنية العراقية ضمنها قوات البيشمركة ومع التزام مشترك بالاستقرار الإقليمي».
كما استعرض الوفدان «الدعم العملياتي الحاسم المُقدّم من خلال مهمة قوة المهام المشتركة ـ عملية العزم الصلب لتدريب وتقديم المشورة والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع قوات الأمن العراقية.
ولقد ناقش الوفدان الحاجة الملحة لإعادة توطين النازحين والمعتقلين الموجودين حالياً في شمال شرق سوريا إلى بلدانهم الأصلية ودعم جهود إعادة الاندماج في المجتمعات المحلية» وفقا للبيان الذي أشار أيضاً إلى أن «الولايات المتحدة وجمهورية العراق تعتزمان التشاور بشأن إجراء مستقبلي، منفصل عن حوار التعاون الأمني المشترك متضمناً التحالف، لتحديد كيفية تحول المهمة العسكرية للتحالف وفقاً لجدول زمني وبناءً على العوامل الآتية: التهديد من "داعش" والمتطلبات العملياتية والظرفية ومستويات قدرات قوات الأمن العراقية».
توسيع الفرص
واستعرض الوفدان «فرص توسيع الفرص التعليمية المتاحة للمهنيين العسكريين في العراق سواء من خلال برامج التدريب أو التبادل التعليمي.
كما تشاور الجانبان حول فرص توسيع مشاركة العراق في التمارين العسكرية بقيادة القيادة المركزية الأمريكية».
ودعماً لسيادة العراق وأمنه، أكد البلدان مجدداً أن «القوات الأمريكية موجودة في العراق بدعوة من الحكومة العراقية فقط لدعم قوات الأمن العراقية في قتالها ضد "داعش"، كما أكدت حكومة العراق من جديد التزامها بحماية أفراد ومستشاري الولايات المتحدة والتحالف الدولي والقوافل والمنشآت الدبلوماسية».
وأشار الوفدان إلى عزمهما «عقد حوارات تعاون أمني مشتركة لاحقة واجتماعات ذات صلة في المستقبل لمناقشة تطور التهديد من "داعش" والمتطلبات العملياتية الحالية والمستقبلية والجهود المبذولة لتحسين قدرات قوات الأمن العراقية».