الوقت- انزعاجٌ إسرائيليّ كبير، تسبب به طرد عارضة أزياء إسرائيلية من فندق في القاهرة، وأفادت مصادر عبرية بأن تل أبيب منزعجة للغاية من هذا الإجراء الذي قام به المصريون، وذكرت صحيفة جيروزاليم بوست الناطقة بالعبرية، أن عارضة الأزياء الإسرائيلية "شاي زانكو" التي سافرت إلى مصر للمشاركة في حفل لمغني راب أمريكي، طُردت من الفندق.
تجاهل الإسرائيليون لسنوات رفض التعامل معهم من قِبَل الشعب المصري الذي يمكن تفسيره بالعديد من العوامل التاريخية والسياسية والثقافية.
وعلى مر العقود، شهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية توترًا كبيرًا بسبب الصراعات والحروب بين البلدين، بما في ذلك الصراع العربي - الإسرائيلي وحروب 1956 و1967 و1973، وتعزز هذه الصراعات السلبية صورة دموية لكيان الاحتلال الإسرائيليّ في عقلية الشعب المصريّ.
إهانة كبيرة للكيان
"على الرغم من إلغاء حفل مغني الراب الأمريكي، قرر زانكو زيارة الأماكن الترفيهية والسياحية في مصر، فإن مسؤولي الفندق الذي كانت تقيم فيه هذه المرأة الإسرائيليّة، بعد أن أدركوا أنها من كيان العدو، طردوها على الفور من الفندق"، وأكد المسؤولون في هذا الفندق المصري أنه وفقًا لجواز السفر الذي كان بحوزتها، فإنهم لم يعرفوا جنسيتها الأصلية وبعد أن علموا بهذا الأمر، اتخذوا إجراءً على الفور وطردوها من العمل، وفي حديث مع الصحيفة المذكورة، ذكرت عارضة الأزياء الإسرائيلية أنها تأثرت بشدة بهذا السلوك وشعرت بالإهانة الكبيرة.
ومن الضروري العودة إلى التاريخ قليلا، فعندما تم التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد في عام 1978 واتفاقية "السلام" المصرية - الإسرائيلية في عام 1979، شعر العديد من المصريين بأن الاتفاقات لم تلبِ تطلعاتهم ولم تحقق العدالة الكاملة للشعب الفلسطيني، هذا أدى إلى تعزيز الشعور بالاستياء والرفض تجاه التعامل مع الإسرائيليين، ومن الجانب الثقافي، تلعب القضية الفلسطينية دورًا مهمًا في تشكيل الرأي العام المصري، ويروج الكثيرون في مصر للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي ويعتبرون الدعم للقضية الفلسطينية ورفض التطبيع مع "إسرائيل" جزءًا من الواجب الوطني.
الشعب المصريّ يعادي "إسرائيل"
على الرغم من وجود "اتفاقات سلام" رسمية بين الحكومة في مصر و"إسرائيل"، إلا أن التوترات والاحتقان العام بين الشعب المصري والمستوطنين الإسرائيليين لا تزال قائمة، ويعزى ذلك إلى التاريخ القبيح للإسرائيليين ودموية آلتهم العسكرية، وإن الرفض الشعبي لا يزال له تأثير كبير على العلاقات الثنائية مع الاحتلال ويعكس صعوبة بناء أي ثقة، وتعد العلاقات المصرية الإسرائيلية معقدة للغاية، وتتأثر بالعديد من العوامل، وهنا بعض النقاط الأخرى التي يمكن أن تساهم في الرفض الشعبي المصري للتعامل مع الإسرائيليين، وأولها قضية فلسطين التي تحظى بتأييد واسع في مصر، وتعتبر قضية عادلة ومحورية في الوعي العام المصري.
يروج العديد من الساسة والنشطاء والإعلاميين في مصر للدعم القوي للفلسطينيين وحقوقهم، وهذا يعزز رفض التعامل مع "إسرائيل".
أيضاً، الإعلام وأهميته، حيث تلعب وسائل الإعلام دورًا مهمًا في تشكيل الرأي العام، وقد يتم تعزيز الصورة الحقيقية لـ"إسرائيل" من خلال التغطية الإعلامية الواضحة أو التركيز على الأحداث الدموية المرتبطة بالعلاقات المصرية الإسرائيلية، فالتاريخ والذاكرة حاضران دائما، وترتبط العلاقات المصرية الإسرائيلية بتجارب تاريخية مؤلمة، مثل جرائم الاحتلال الإسرائيلي في سيناء والصراعات العسكرية السابقة، وهذه الذاكرة المؤلمة لا تزال تؤثر على العلاقات الحالية وتعزز رفض التعامل مع الاحتلال وأدواته.
على صعيد آخر، يلعب الأمن القومي دورًا مهمًا في صياغة السياسة المصرية تجاه "إسرائيل"، وقد يرى المصريون أن التعامل الوثيق مع الكيان الإسرائيلي في مجالات الأمن والاستخبارات يعتبر تنازلاً عن مصالح مصر الوطنية، ويمكن أن تؤثر التحولات السياسية في مصر على العلاقات المصرية – الإسرائيلية.
وعلى مر السنوات، شهدت مصر تغيرات سياسية وثورات، وهذه التحولات يمكن أن تؤثر في التوجهات والمواقف العامة تجاه الاحتلال بشكل سلبي أكثر.
التضامن العربي: تلعب العواطف العربية والتضامن مع قضايا العرب الأخرى دورًا في الرفض الشعبي للتعامل مع "إسرائيل". يرون الإسرائيليين كأعداء للعرب ويعتبرون التعامل معهم خيانة للتضامن العربي.
ولا شك أن الحالة الفلسطينية الراهنة والأوضاع السياسية الحالية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مثل الاستيطان الإسرائيلي والانتهاكات الحقوقية، تعزز الرفض الشعبي للتعامل مع "إسرائيل" ويرى المصريون أن التطبيع مع الكيان يعني تجاهل حقوق الفلسطينيين، فيما تلعب الديناميات الإقليمية دورًا في تشكيل الرأي العام المصري، على سبيل المثال، تتأثر العلاقات المصرية الإسرائيلية بالتوترات مع حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان وسوريا، وهذا يؤثر على ارتفاع حدة كره المصريين لكيان الاحتلال الإسرائيليّ.
من ناحية أُخرى، تؤثر القوى الإيديولوجيا على طريقة النظر للكيان، باعتباره يرتكب بشكل يوميّ مجازر يندى لها الجبين وتحرك الروح الدينية والتحررية لدى المصريين، ناهيك عن وجود سياسة ليست بضعيفة للحركات الإسلامية المؤثرة في مصر، والتي تعارض بشكل تام التعامل مع كيان الاحتلال الإسرائيليّ، ويعتبرون "إسرائيل" كياناً غير شرعي ويروجون للمقاومة ضده، ناهيك عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية، حيث يؤثر الوضع الاجتماعي والاقتصادي في مصر على تفاعل الشعب مع الاحتلال الإسرائيلي، وتركز الاهتمام والاحتياجات الأساسية للشعب المصري على القضايا المحلية، وقد يرى البعض أن التعامل مع من يصفونه بـ "العدو" ليس شرعيّاً.
ماذا عن موقف الأمة العربية؟
لا يخفى على أحد أنّ نظرة المصريين لـ "إسرائيل" تماثل تماماً نظرة الأمة العربية لكيان الاحتلال، وتختلف فقط في مستوى الكره بين الأفراد والمجتمعات والدول العربية المختلفة، وهناك عدة جوانب يمكن أن تساهم في فهم هذه النظرة، حيث تعتبر القضية الفلسطينية مركزية في الوعي العربي والإسلامي، ويعتبر الكثيرون الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات اليهودية عليها انتهاكًا لحقوق الشعب الفلسطيني واستمرارًا للظلم التاريخي، وبالتالي، ينظر الكثيرون إلى "إسرائيل" على أنها دولة احتلال وعدو للعرب والمسلمين، وفي السنوات الأخيرة، شهدت بعض الدول العربية تطبيعًا رسميًا للعلاقات مع الكيان، مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، وهذه الخطوات تثير استياءً وانتقادًا في الأوساط العربية، حيث يعتبرها العرب خيانة للقضية الفلسطينية وتطبيعًا مع العدو، ومن الممكن أن يزيد هذا التطبيع من الانقسامات والتوترات داخل العالم العربي.
إضافة إلى ما ذُكر، تتمتع قضية فلسطين بتضامن واسع في العالم العربي، ويروج الكثيرون للدعم والمساندة للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة في الحصول على دولة مستقلة، وبالتالي، يعتبر الاحتلال الإسرائيلي عدوًا للتضامن العربي ويؤدي إلى رفض التعامل مع "إسرائيل" على المستوى الشعبي والرسمي، كما تلعب الثقافة والدين دورًا في تشكيل نظرة الأمة العربية للاحتلال، ويرتبط الكثيرون بالمفهوم العربي الإسلامي للأرض المقدسة ويرون تل أبيب كعدو للإسلام والمسلمين، إضافة إلى ذلك، تعتبر القضية الفلسطينية جزءًا من الهوية العربية والإسلامية، ما يعزز الرفض للتعامل مع الصهاينة، وذلك بغض النظر عن الأحداث التاريخية المؤلمة مثل تأسيس "إسرائيل" على أنقاض فلسطين ونكبة الشعب الفلسطيني والحروب بين الكيان والدول العربية، والتي تترك أثرًا عميقًا في الوعي العربي، وتُذكر هذه الأحداث بالظلم والاستبداد الذي تعرض له الفلسطينيون والعرب، ما يؤدي إلى استمرار الرفض للتعامل بشكل قطعيّ مع "إسرائيل".