الوقت- منذ إبرام معاهدة الخيانة أو اتفاقية "ابراهيم" بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، دخلت العلاقات بين حكومات بعض الدول العربية وتل أبيب مرحلة جديدة من التسوية، لكن على الرغم من تطبيع العلاقات من قبل بعض دول الخليج الفارسي ودول عربية أخرى، فإن شعوب هذه الدول تعارض بشدة عملية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وقد أجرى معهد واشنطن للأبحاث مسحًا حول مستوى رضا شعوب الدول العربية عن عملية التطبيع، وكان له نتائج مهمة، حيث أظهر هذا الاستطلاع أن نسبة كبيرة من العرب تعارض اتفاق تطبيع العلاقات مع محتلي القدس، ما يفسد احتفاء الكيان المستمر بتوقيع اتفاق التطبيع الذي ضم أيضا كلاً من المغرب والسودان إليه، وتعكس استطلاعات الرأي حالة الإرباك الشديد في حكومة الاحتلال من "ثمار" اتفاقيات التطبيع وخاصة على المستوى الشعبيّ العربيّ، ويظهر هذا الأمر جليّاً في التقييمات التي تُنشَر إسرائيليّاً وغربيّاً وأمريكيّاً، في ظل تفاخر الكيان بخيانة بعض الدول العربيّة التي وقّعت اتفاقية للاستسلام.
الشعوب العربية بوجه التطبيع
في الفترة الماضية، أجرى معهد واشنطن للأبحاث مسحًا حول مستوى رضا شعوب الدول العربية عن عملية التطبيع، وكان له نتائج صاعقة أظهرت أن الإماراتيين والبحرينيين والمغربيين وغيرهم من العرب يعارضون اتفاق تطبيع العلاقات مع الكيان الغاصب، ولم يخف استطلاع الرأي الذي أجراه معهد واشنطن للأبحاث الأمريكي، حول التطبيع في كل من السعودية والبحرين والإمارات، أن أكثر الغالبية العظمى من المواطنين في البحرين والسعودية والإمارات، باتوا غير مؤيدين لاتفاقية التطبيع من أنظمتهم، في ظلّ خيانة فلسطين والعرب عبر اتفاقات تدخل الخنجر في خاصرة هذه الأمة التي تعاني من مشكلات جمة، وقد ازدادت بعد أن تحالف حكام بعض الدول العربيّة مع أشدّ الكيانات إجراماً واحتلالاً تحت ذرائع واهية وبرعايةٍ أمريكيّة.
وقد تشددت المواقف في البلدان التي كانت اتفاقات أبراهام لا تحظى فيها في البداية باهتمام كبير، وارتفعت نسبة الذين يرون ذلك على أنه "سلبي للغاية" في جميع البلدان العربية الكثيرة التي شملها الاستطلاع، كما أصبحت الآراء حادة حول العلاقات التجارية والرياضية للدولة الفرعية مع الإسرائيليين أكثر تنوعًا في جميع أنحاء العالم العربي وخاصة في الإمارات والسعودية ومصر والأردن، وبهذه الطريقة تعارض معظم شعوب العالم العربي إقامة أي مسابقة رياضية أو إقامة علاقات اقتصادية مع الكيان الصهيوني، من ناحية أخرى، فإن الدول التي ليس لها علاقة بـ"إسرائيل" (رسمية أو غير رسمية) تعارض بشدة أكثر من مصر والأردن، وتظهر هذه الاستطلاعات أن التطبيع كان له تأثير مختلف على الرأي العام، وقد يكون نطاق الاتفاقات مخيبًا للآمال للعديد من تلك الدول في بعض دول الخليج التي اعتبرته في البداية إيجابياً.
فوائد ضعيفة للغاية
لا شك أن تل أبيب عملت على أنّ تكون فوائد التطبيع مع بعض العواصم العربية كبيرة للغاية، إلا أنّها كانت منخفضةً بالمقارنة مع التوقعات التي كانت لديها، حيث علقت جميع الأطراف كثيراً من الآمال على هذه الاتفاقيات التطبيعيّة، لكنّها وكما تقول المعلومات انحصرت بين حكومات لا أكثر ولم تخترق أبداً المجتمعات العربيّة التي تنظر للعدو الإسرائيليّ ببغضة واشمئزاز، وقد أظهر الاستطلاع الأمريكي الجديد، أن جل العرب يعارضون التطبيع، وما يؤكّد ذلك، أنّ كل السياسيين والمحللين والخبراء والمختّصين في الكيان الصهيونيّ وحتى في دول التطبيع يتجاهلون بشكل كامل ومقصود في تحليلاتهم مواقف الشعوب العربيّة الرافِضة للتطبيع مع الصهاينة، وخير مثال على أنّ هذه الشعوب لا يمكن أن تغير عقيدتها تجاه "إسرائيل" واستعمارها العسكري أنّ الشعب العربيّ ما زال كما السابق يرفض الخيانة بشكل مُطلق، ويُطالِب بإلغاء أي ارتباط مع من سرق أراضيهم العربية وشرد وقتل الآلاف.
وبالاستناد إلى ما تنشره وسائل الإعلام العبرية، تدرك تل أبيب أنّ علاقاتها مع أنظمة التطبيع لا ترتبط أبدا مع شعوب تلك الدول، فهم غير معنيون بخيانة حكامهم الخانعين، وجميعنا شاهدنا وفي أكثر من مناسبة أن العرب يرفضون بالمطلق التطبيع مع الكيان الصهيونيّ، ويرونه عدواً كبيراً للمسلمين والعرب والفلسطينيين لأنّه من أكثر الكيانات إجراماً في العالم، ويؤمنون بأنّ خيانة حكومتهم محض صفقة مذلة معزولة تمت في الظلام، وتم استدراج بلادهم إليها رغم أنفهم، في خيانة حكوميّة تحقق نصراً معنوياً وسياسياً لكيان محتل ظالم، وخذلاناً قاسياً لشعب يباد ليل نهار.
أسباب الرفض الشعبي العربي للتطبيع
شهدت العديد من الدول العربية تطبيعًا تدريجيًا مع "إسرائيل"، وتحديدًا بعد اتفاقيات أبرمت بين تل أبيب والإمارات العربية المتحدة والبحرين في سبتمبر 2020، تلك الاتفاقيات جاءت بعد عقود من رفض العديد من الدول العربية التطبيع مع الكيان بسبب القضية الفلسطينية واحتلال فلسطين، وشعبيا ما زال رفض التطبيع مع المحتل الإسرائيلي ينبع من عدة عوامل وأسباب، بما في ذلك القضية الفلسطينية، حيث يعتبر العرب أن القضية الفلسطينية قضية رئيسية في العالم العربي، وترتبط معظم تحديدات الرأي العام حول التطبيع بتطورات الوضع في فلسطين ومستوى الصراع بين الفلسطينيين وكيان الاحتلال.
ومن جهة ثانية، الأمن القومي، فقد تتسبب بعض الدول في رفض التطبيع بسبب المخاوف من التأثير على أمنها ومصالحها القومية، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي، إضافة إلى التاريخ والثقافة، حيث تلعب العلاقات التاريخية بين الدول العربية وشعوبها مع الكيان الإسرائيلي دورًا في تشكيل وجهات نظر الناس وتأثيرها على رفض أو قبول التطبيع، ولا ننسى التحالفات الإقليمية والدولية التي يمكن أن تأثر على مواقف الدول من التطبيع وما يتبعها من تحالفات وعلاقات دولية، كما تلعب السياسة الداخلية أو العوامل الداخلية للدول دورًا في تحديد مواقفها ومواقف شعوبها أحيانا من التطبيع، بما في ذلك العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن هذه الأسباب لا تمثل جميع آراء الشعوب العربية في المنطقة، والرأي العام قد يختلف من دولة إلى أخرى ومن فئة إلى أخرى داخل الدول نفسها، لكن تظل قضية التطبيع مع "إسرائيل" موضوعًا حساسًا وغير قابل للنقاش مع الشعوب العربية.
النتيجة، يُلاحظ أن قضية التطبيع مع "إسرائيل" تظل من أكثر القضايا الحساسة والمثيرة للجدل في المنطقة العربية، رغم التطورات الإقليمية والدولية التي شهدتها السنوات الأخيرة وأدت إلى تطبيع علاقات بعض الدول مع تل أبيب، فإن هناك مجموعة كبيرة من الدول العربية ونسبة عظمى من الشعوب لا تزال تعارض هذه الخطوة، ويستمر الرفض الشعبي العربي للتطبيع مع الكيان على الرغم من تحرُّكات بعض الدول، ويأتي ذلك بسبب ارتباطه بالقضية الفلسطينية التي تظل محور اهتمام كثير من الشعوب العربية، كما أن قضية فلسطين تعتبر قضية عادلة ومستمرة في السعي لتحقيق السلام والعدالة الاجتماعية والسياسية في المنطقة.