الوقت- زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس مدينة جنين بالضفة الغربية يوم الأربعاء ، بعد أيام من إجبار ثلاثة من كبار مسؤوليه على الفرار من جنازة من قبل حشود غاضبة خلال ردهم على هجوم إسرائيلي قبل أيام. وسلط غضب الحشد على جنازة المقاتلين الذين قتلوا في العملية الإسرائيلية التي استمرت يومين الضوء على عدم شعبية السلطة الفلسطينية واتساع الخلافات بين الفصائل الفلسطينية المختلفة. وطرد أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح التي يتزعمها عباس الثلاثة بينما انقلب عليهم آلاف المعزين وهم يهتفون “اخرج! اخرج.
وزار عباس، الذي رفض الضغط للتنحي، المقبرة التي أقيمت فيها الجنازة، عند مدخل مخيم جنين للاجئين. وبجوار حرسه الرئاسي الخاص ، خاطب الحشود على أطراف المخيم ، حيث تشهد الشوارع الممزقة والمباني المحترقة على كثافة أكبر عملية إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة منذ 20 عامًا.
وقال عباس إن “معسكر جنين البطل وقف في وجه العدوان وضحى بجرحاه وقدم كل ما لديه من أجل الوطن”. وأخبر الحشود المبتهجة أنه ستتم إعادة بناء المخيم. وبينما أدان عباس الغارة الإسرائيلية على جنين وأعلن أنه علق اتفاقية تعاون أمني مع إسرائيل ، يشعر العديد من الفلسطينيين أن موقفه تعرض للخطر بشكل ميؤوس منه مع انتشار العنف في أنحاء الضفة الغربية. “أين كانوا كل تلك السنوات؟” قال رجل في المخيم رفض الكشف عن اسمه خوفا من انتقام قوات الأمن. “إنهم لا يهتمون بنا.” لأكثر من عام ، أصبحت الغارات الإسرائيلية في مدن مثل جنين ونابلس روتينية. وقتل المئات من الفلسطينيين ، معظمهم من المقاتلين والعديد من المدنيين أيضا ، بينما قتلت سلسلة من الهجمات الفلسطينية عشرات الإسرائيليين.
وتمارس السلطة الفلسطينية، التي تأسست في أعقاب اتفاقات أوسلو للسلام قبل ثلاثة عقود ، حوكمة محدودة على أجزاء من الضفة الغربية ، بما في ذلك جنين ، لكنها كانت عاجزة عن وقف الغارات الإسرائيلية أو السيطرة على الجماعات المسلحة. وتم نشر قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك أفراد من وحدة الحرس الرئاسي التابعة لعباس ، بأعداد كبيرة في جنين بعد اندلاع التوترات مع الفصائل الأخرى خلال الجنازة الأسبوع الماضي.
وتشهد مدينة جنين حملة اعتقالات للمقاومين المطاردين من جانب الاحتلال الصهيوني، ولكن الغريب في الأمر أن هذه الاعتقالات لم تتم على يد العدو، بل من يقوم بهذه الحملة هي أجهزة أمن سلطة أوسلو، التي تسمي نفسها السلطة الوطنية، ولكنها تفتقد للوطنية نظراً للتطبيع والتنسيق الأمني مع العدو ضد أبناء شعبهم المقاوم وأفادت الأنباء بأن حملة اعتقالات السلطة تأتي، بعد أيام من كشف وسائل إعلام صهيونية عن اتفاق بين كيان الاحتلال وسلطة محمود عباس على تجميد العمليات العسكرية الصهيونية في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، وإعطاء السلطة فرصة لفرض هيمنتها هناك.
ولكن السؤال المطروح هنا: هو أي هيمنة تريد السلطة فرضها ؟ وعلى من تريد فرض هذه السلطة؟ وإن أمعنا النظر في الأصل هل لسلطة تحت الاحتلال، من الأساس يوجد هيمنة على الأراضي المحتلة من جانب عدو محتل لأراضي فلسطين، ويقوم يومياً بارتكاب أعمال إجرامية وإرهابية بحق الشعب الفلسطيني ويقوم بتدمير المنازل وحرق الزرع والحرث. فسلطة أوسلو تلعب اليوم دوراً بالوكالة للصهاينة لتوسعة الاحتلال تحت عنوان فرض الهيمنة واعتقال المقاومين ومواجهة المقاومة المتصاعدة في الضفة. هذه السلطة بدلاً من أن تكون الى جانب مقاومة الشعب الفلسطيني لتحرير أراضيه والمقدسات تريد أن تنهي وجود المقاومة في الضفة خدمة للعدو الصهيوني، على ماذا يدل ذلك؟ من يرى ويسمع هذه الأنباء هل يصدق أن هذه السلطة وطنية، أم إنها سلطة ضد الوطن المُحتل وشعبه.
يبدوا أن السلطة حتى الآن تعقد الآمال الواهية على أوسلو، ولم تتّخذ درساً مما حدث خلال هذه السنوات والسلوك الصهيوني وداعميه الغربيين والأمريكان. إن التعاون الأمني مع العدو الصهيوني ضد مقاومة الشعب الفلسطيني ستكون نهايته الخذلان والذل والعار، فلا تعقدوا الآمال على كيان مؤقت زائل ستكون نهايته مزبلة التاريخ، فالنصر سيكون للمقاومين الشرفاء باذن الله تعالى.
محمود عباس يؤكد أنه مضطر للتعامل مع نتنياهو رغم أنه لا يؤمن بالسلام
لا خيار سوى الحديث مع نتنياهو رغم علمي المسبق بانه ليس رجل سلام، كلمات تحدث بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في وصفه لمرحلة جديدة قديمة عنوانها بنيامين نتنياهو، وبذلك يكون ابو مازن قد عاد لحصر خياراته في التسوية فقط دون غيرها. وفي وقت يرى من يستشرف المستقبل ان حكومة نتنياهو المقبلة لن تكون كسابقاتها من ناحية التعامل مع الفلسطينيين وعدوانيتها ستكون مضاعفة لان من يحكمها هم المستوطنون. وكما يبدو فان تصريحات رئيس السلطة الفلسطينية وجدت انتقادا من السياسيين الفلسطينيين رغم ادراكهم بان الرجل صاحب نظرية اذا فشلت المفاوضات فبديلها المفاوضات. الغالبية العظمى من صنّاع السياسية الفلسطينية وان اختلفوا على آلية التعاطي مع الاحتلال فهم لا يختلفون على ضرورة قطع العلاقة تماما مع المحتل الاسرائيلي.
خدمات محمود عباس للصهاينة
نفّذ الکيان الصهيوني قبل أسبوعين هجوماً مكثفاً من البر والجو على مدينة جنين شمال الضفة الغربية، لتدمير فصائل المقاومة المتمركزة في هذه المدينة. وعلى الرغم من اتساع نطاق الاعتداءات، ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، فقد دمّر في هذا الهجوم أكثر من 800 منزل فلسطيني وقتل وجرح عشرات الأشخاص، لكن الحكومة الراديكالية لبنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، ما زالت غير قادرة على تدمير مجموعات المقاومة، وعلى عكس الادعاء بتدمير البنية التحتية ومخازن الذخيرة لفصائل المقاومة، إلا أن الجيش الإسرائيلي لم يحقق نجاحًا كبيرًا.
ومن أسباب سفر عباس إلى جنين أنه خلال الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على هذه المنطقة، أطلق الفلسطينيون موجةً من الاحتجاجات ضد المنظمة وانتقدوا موقف عباس السلبي. ولهذا السبب، لم تلق زيارة عباس إلى جنين استقبالًا جيدًا لإظهار أن السلطة الفلسطينية فقدت شرعيتها بين أبناء هذه المنطقة. تصريح عباس في جنين بأن "لدينا سلطة واحدة وحكومة واحدة وقانون واحد وأمن واحد واستقرار واحد"، كان استعراضًا للقوة ضد فصائل المقاومة وتنفيذ أوامر تل أبيب. إن السلطة الفلسطينية وحركة فتح لم تلتزما الصمت فقط تجاه جرائم الکيان الصهيوني في غزة وجنين، بل أصبحتا تُتهمان الآن بشكل متزايد بالتعاون مع الاحتلال ضد الانتفاضة الجديدة للشعب الفلسطيني.
يأتي إسناد أمن جنين إلى قوى الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، فيما أعربت السلطات الصهيونية، وخاصةً نتنياهو، عن قلقها من انهيار هذه المنظمة في الأسابيع الأخيرة، وقالت إنه يجب منع انهيار السلطة الفلسطينية بأي طريقة ممكنة. وأظهر هذا الموقف الداعم للحكومة الصهيونية الأكثر تطرفاً في السنوات الأخيرة، أن الصهاينة يعتبرون ضعف السلطة الفلسطينية تهديداً لمصالح احتلالهم في الضفة الغربية. وبما أن الصراع مع فصائل المقاومة في الضفة الغربية له ثمن باهظ على الكيان الصهيوني، لذلك تحاول سلطات تل أبيب استخدام قوة السلطة الفلسطينية لقمع خلايا المقاومة في جنين.
من ناحية أخرى، تعتمد السلطة الفلسطينية على الموارد المالية التي يتلقاها من الكيان الصهيوني من أجل بقائها، وبما أن حكومة نتنياهو الراديكالية قلصت المساعدات المالية لهذه المنظمة، فهي في وضع صعب. لذلك، يسعى قادة السلطة إلى حل المشاكل المالية للمنظمة الخاضعة لقيادتهم باتفاقات جديدة، مقابل مصالح تل أبيب في جنين. وفي هذا الصدد، أعلنت وسائل الإعلام العبرية، نقلاً عن مصادر أمنية لهذا الکيان، أن حكومة نتنياهو تعتزم تقديم تسهيلات مدنية واقتصادية لهذه المنظمة بعد تقليص هيمنتها على شمال الضفة الغربية، وبعد توصيات وضغوط الولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي يتعاون فيه محمود عباس مع الکيان الإسرائيلي، يبدو أنه يتفاعل مع مجموعات المقاومة، حيث دعا الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية لحضور الاجتماع في القاهرة الذي سيعقد في 30 يوليو. وبينما لم تستجب حماس بعد لهذه الدعوة، قال محمد الهندي، نائب الأمين العام للجهاد الإسلامي، إن هذه الحركة ستشارك في هذا الاجتماع. تأتي دعوة عباس للفصائل الفلسطينية بينما أظهرت تجربة اللقاءات السابقة أنه لا يمكن الوثوق بعباس. ففي الاتفاقات التي تم التوصل إليها العام الماضي بين فصائل المقاومة في غزة والسلطة الفلسطينية في الجزائر، كان من المفترض أن تتحد كل الفصائل والمجموعات ضد الکيان الصهيوني، لكن عباس يخطو نحو خيانة قضية القدس، وهذه المرة أيضًا إذا أعطى التزامات ظاهرية لجماعات المقاومة، فلن يتم تنفيذها عملياً.
إن خيانة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ومواجهة نفوذ فصائل المقاومة، لن تؤدي إلا إلى زيادة غضب وكراهية الفلسطينيين ضد محمود عباس، لأن كل الفلسطينيين يؤمنون بحقيقة أنه لا جدوى من التسوية والمفاوضات مع الاحتلال، والطريقة الوحيدة لتحرير الأراضي المحتلة هي السير في طريق المقاومة، وتجربة انتصارات حماس والجهاد الإسلامي ضد الکيان الإسرائيلي في العقد الماضي هي تأكيد لهذه الحجة.