الوقت - في هذه الأيام في تركيا، لا تزال قضية الأزمة الاقتصادية في مقدمة أولويات جميع الأخبار الرسمية والبيانات غير الرسمية والرأي العام.
شعارات أردوغان، الذي أصبح رئيسًا لتركيا للمرة الثالثة، لم تغير شيئًا، حيث وصل سعر الدولار الأمريكي إلى 27 ليرة تركية، وهو وضع غير مسبوق ومقلق للمشاركين في السوق والمواطنين العاديين. كما اکتفی وزير الخزانة في حكومة أردوغان، محمد شيمشك، بالقول إن على الناس شد الأحزمة وتحمل فترة من التقشف الاقتصادي.
ويعتقد بعض المحللين والمراقبين السياسيين في تركيا، أن مشاكل تركيا لا يمكن حصرها في التضخم، وأن المشاكل أعمق مما يُعتقد.
إبراهيم كيراس هو أحد هؤلاء المحللين المشهورين يقول: التضخم قضية هامشية، والسبب الرئيسي للأزمة الاقتصادية والمعيشية لأبناء هذا البلد، متجذر في مشاكل هيكلية وأساسية. سنستعرض ملاحظاته حول سوء الإدارة والمشاكل الهيكلية في تركيا فيما يلي.
المشكلة أكبر من الاقتصاد والتضخم
مشكلة تركيا ليست الاقتصاد فقط. نحن نشهد أسوأ أنواع سوء إدارة اقتصاد البلاد، ونرى أن أموالنا تُنفق بسهولة على أشياء لا قيمة لها وعديمة الجدوى، وتفرض تكاليف على البلد ليست ضروريةً حقًا.
صحيح أننا مرتبكون في الاقتصاد ولا نستطيع أن نجد طريقنا، لكن وراء كل هذه المشاكل، لدينا سبب رئيسي وعامل مهم يكرر مشاكلنا باستمرار ويعيد إنتاجها.
هذه "المشكلة الرئيسية" هي أكثر من مجرد كارثة في الاقتصاد، وتشوهات في نظام التعليم، وأخطاء في السياسة الخارجية، واضطرابات كبيرة في الزراعة. تعاني تركيا من مشاكل هيكلية، وتحتاج إلى إصلاحات هيكلية.
قال دارون عجم أوغلو، الخبير الاقتصادي المشهور عالميًا، مرات عديدة: "مشاكل تركيا هيكلية وأساسية، لذا لا يمكن حل هذه المشكلات بالخطة متوسطة الأجل وخفض التضخم فقط". وأوضح عجم أوغلو بالتفصيل ماهية هذه المشاكل الهيكلية في مقابلة مع يورونيوز.
بالإضافة إليه، وضع أستاذنا الكبير إسكندر أوكسوز إصبعه على هذه القضايا المهمة: أ) الفساد المالي. ب) عدم الكفاءة المنهجية. ج) إهمال أمر مهم يسمى الاستثمار في التكنولوجيا. د) العجز في نظام التعليم. هـ) تدهور المؤسسات.
يتساءل الكثير من الناس: لماذا تنشأ هذه المشاكل الهيكلية؟ دعونا نفهم المشكلة الضخمة التي تسمى الفساد. أنتم تعلمون أن المسألة هي الأموال الهائلة. إذا كان القانون لا يحمي ممتلكات الناس ولا يستمع إلى الحلال والحرام، فمن الواضح ماذا ستكون النتيجة.
لماذا الفساد مسموح به في كثير من المجالات؟ من المستفيد من انهيار المؤسسات والتخلي عن النظام التعليمي، والتخلي عن العقلانية في إدارة البلاد؟
الحقيقة أننا نشهد الترابط بين كل هذه المشاكل، وكلها تعمل معًا كحاويات مترابطة. على سبيل المثال، إذا كان هناك فساد في مؤسسة ما، فلا توجد إدارة جيدة في تلك المؤسسة، ولا تؤخذ الكفاءة في الاعتبار عند توزيع الوظائف والتوظيف، ولا يتم الاهتمام بالتقاليد المؤسسية.
عندما يحصل شخص ما، لسبب ما، على السلطة ويتصرف خارج القانون، فإنه يعيد إنتاج سلسلة من المشاكل. إن الفساد وعدم الكفاءة والإدارة غير المنتظمة والتعسفية وانحلال المؤسسات وعدم الكفاءة الهيكلية، هي أمور واضحة للعيان.
على سبيل المثال، عدم الكفاءة هو شكل من أشكال الفساد. عندما يأخذ غير المستحق مكان المستحق، يظهر فساد المؤسسات وانهيار العقلانية من تلقاء نفسه. ومثل هذا الشيء يعني أن تركيا عانت من مشاكل هيكلية كبرى، والتي هي، قبل كل شيء، نتيجة للعقلية السياسية والتفكير الإداري للقادة والمدراء.
أصبحت هذه المشاكل أكثر فأكثر منذ عام 2017 ومع إنشاء النظام الرئاسي الجديد. لكن لكي نكون صادقين، واجهتنا مشاكل مماثلة في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين. لكن حزب العدالة والتنمية، الذي يتمتع بميزة عشرين عامًا من قوة الرجل الواحد ونموذج الإدارة الفردي، رفع مشاكلنا إلى مستوى أعلى بكثير مقارنةً بالفترة السابقة.
ألقوا نظرةً على سياسة الهجرة الخاصة بنا. على سبيل المثال، نشتري الرعاة من أفغانستان، لكننا نرسل أطباء ومهندسين إلى أوروبا. في العام الماضي، سافر 3 آلاف طبيب تركي إلى الخارج، وقد يصل هذا الرقم هذا العام إلى 4 آلاف.
إن راتب الطبيب الذي يتم اختياره من بين ألمع العقول في جيله ويتم تدريبه لسنوات، لا يختلف كثيرًا عن راتب الموظف العادي. وعلى الرغم من أن راتب الموظف نفسه أقل من خط الجوع، إلا أن الطبيب يمكنه العيش في ظروف مختلفة تمامًا عن طريق الهجرة إلى الخارج.
ولدينا وضع غريب فيما يتعلق بالفئات ذات الدخل المنخفض. فنظرًا لأن التضخم في تركيا يتزايد يومًا بعد يوم، يتعين على الحكومة رفع الحد الأدنى للرواتب عدة مرات في السنة، حتى لا يتم سحق المواطنين ذوي الدخل المنخفض تحت عبء التضخم.
من ناحية أخرى، بما أن رواتب الأطباء أو المهندسين أو المهندسين المعماريين أو التجار لا تزيد بنفس المعدل، فإن دخل العمال المهرة والمؤهلين والمتعلمين يقترب من الحد الأدنى للأجور كل يوم، وهم أيضاً يزدادون فقراً.
كان "متوسط الأجر" في تركيا ضعف الحد الأدنى للأجور في عام 2006، ويبلغ هذا الاختلاف اليوم حوالي 5٪. وهذا يعني أن المجتمع التركي لم يعد لديه طبقة وسطى. بحيث إن هناك مجموعة صغيرة من الأغنياء والباقي فقراء.
لقد جلبت السياسات الحكومية الأخيرة المساواة، ولكن المساواة في الفقر! فهل هناك تفاهم وراء هذه السياسات يشوه سمعة النخبة المتعلمة التي تشكل الطبقة الوسطى في المجتمع؟
نحن من بين الدول التي لديها أقل راتب للمعلمين في العالم، وهذا هو مستوى اهتمامنا بالتعليم. عدد الجامعات وخريجي جامعاتنا أعلى بكثير من المتوسط العالمي، لكن جودة الإنتاج الأكاديمي متخلفة.
وفي تصنيف أفضل الجامعات في العالم، يمكن لجامعة أو اثنتين من الجامعات التركية بصعوبة الدخول ضمن أفضل 500 جامعة أو أفضل 1000 جامعة في بعض المجالات. ونحن نعتقد أن فتح كلية في جبل أو قرية أو مستوطنة أمر جيد وإيجابي!
لا بد أنكم لاحظتم أن هذه المشاكل لا علاقة لها بالاقتصاد، معظم هذه المشاكل ناتجة عن سوء الإدارة والنظرة الخاطئة للسلطات تجاه إدارة الدولة ومؤسساتها.