الوقت- مؤخراً، انتشرت بكثرة تصريحات دبلوماسي سوري، تحدث عن امكانية أن يلتقي الرئيس السوري بشار الأسد، ونظيره التركي أردوغان فقط إذا تم الوفاء بشروط سوريا المسبقة، وهذا بالطبع ما يغضب أوساط المعارضة السوريّة التي كانت أنقرة داعمها الأبرز، وقد أظهرت تركيا وداً غير مسبوق مع سوريا منذ أشهر ودعت للمصالحة بين دمشق والمعارضة لتحقيق ما أسمته "سلاما دائما"، إضافة إلى الحديث عن أن أنقرة ستواصل المساهمة بقوة في الجهود الرامية لإيجاد حل دائم للحرب في سوريا بما يتماشى مع توقعات الشعب السوريّ وغيرها من التصريحات التي اعتبرت أنّها عودة المياه إلى مجاريها مع دمشق، وقد اعتبر التقارب السوري التركي بمثابة تخل تركيّ عن المعارضة السوريّة بعد سنوات طويلة من الدعم لتحقيق المصالح الداخليّة والحزبيّة وخاصة أنّ الملف السوريّ يعد واحداً من أهم الملفات المؤثرة على تركيا من أكثر من ناحية، ومن غير المعروف كيف ومتى ستوافق أنقرة على طلبات القيادة السورية.
لقاء مشروط
في الوقت الذي أعلن فيه دبلوماسي سوري رفيع أن لقاءً بين قادة سوريا وتركيا لن يكون ممكنا إلا إذا استوفيت شروط دمشق، يبدو أن العلاقات بين البلدين حاليا باتت في طريق غير واضح المعالم، وربما يكون العكس وتكون الاتفاقات التي تجري تحت الطاولة كبيرة لكن دون علم أحد، وحسب ما نقلته قناة الميادين الفضائية عن سفير سوريا السابق في أنقرة قوله إن الرئيس السوري بشار الأسد لن يلتقي بنظيره التركي رجب طيب أردوغان حتى تستوفي تركيا الشروط الأساسية لسوريا، كما أعلن نضال قبلان أن أهم ما يحدث لسوريا هو ما يحدث على أرض الواقع، فالكرة الآن في ملعب تركيا، والقرار الحقيقي يجب أن تتخذه الحكومة التركية، وخاصة أردوغان الذي يجب عليه سحب جنوده من الأراضي السورية، ودفع الاستقرار، وإنهاء احتلال شمال وشمال غرب سوريا، وهذا شرط لسوريا غير قابل للتفاوض على ما يبدو.
وحتى اليوم لم يحدث أي تقدم جدي في عملية المصالحة بين سوريا وتركيا، لذلك فإن تصريحات الجانب الروسي بشأن خريطة طريق المصالحة تعتبر بشكل عام إطارًا نظريًا، ولا يمكن أن يتم ذلك دون وجود خطوات عملية من الجانب التركي لضمان التزاماتها، وبدء مفاوضات بشأن مطالب سوريا، والتي تشمل الانسحاب من المناطق المحتلة في سوريا، وفيما يتعلق بالحكومة التركية الجديدة، كان تعيين هاكان فيدان وزيراً لخارجية تركيا يمكن أن يكون خطوة إيجابية لتسهيل اتخاذ القرار في المستقبل، ولا سيما فيما يتعلق بوزارة الخارجية. العلاقات بين سوريا وتركيا.
هل يتجه أردوغان لمصالحة مع الأسد؟
بالنظر إلى سجل أردوغان الأسود في تبني سياسات متعددة، فإن الاستراتيجية التي اتخذتها الحكومة السورية في التفاعل مع تركيا وجهود هذا البلد للمصالحة تبدو صحيحة ومنطقية تمامًا، لأن إحياء العلاقات مع سوريا، بعد الأزمات العديدة التي تورطت فيها الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان، وعقب الانتخابات الرئاسية التركية، يعتبر أردوغان التقارب مع دمشق ضرورة له ولحزبه، وهذا الهدف كان أردوغان يسعى إليه بجدية منذ ما يقرب من عام، ويمكن أن يساعد حل قضية اللاجئين السوريين، التي أصبحت ورقة ضغط لأحزاب أردوغان المعارضة ضده وضد حلفائه في تركيا، في تحسين وضع الرئيس الحالي لتركيا بين الناس، وخاصة بعد أن فشلت حكومة أنقرة في إظهار الأداء الجيد في التعامل مع كارثة الزلزال في هذا البلد.
وبناءً على ذلك، يرغب أردوغان بصفقة كبيرة بشأن اللقاء الثنائي مع نظيره السوري بشار الأسد في موسكو، وكان يأمل أن يحصل على موافقة بشار الأسد في المصالحة مع تركيا، لكن دمشق أصرت على شروط عدة على رأسها الانسحاب التركي، وأن المحور الرئيسي للمفاوضات هو مناقشة إعادة العلاقات التركية السورية، لكن يبدو أن أمام أردوغان طريق طويل ليقطعه لكسب موافقة بشار الأسد، ولا يمكنه التعويل على اتفاق مع حكومة دمشق قبل الانسحاب من سوريا، وتشير التقارير ذات الصلة إلى أن بشار الأسد أبلغ حكومة هذا البلد بشروطه للتوصل إلى اتفاق مع تركيا عبر وسطاء روس وإيرانيين بذلوا جهودًا كبيرة للالتقاء بين دمشق وأنقرة، والشروط تتمثل في أن حكومة أردوغان غير قادرة على توفير ضمانات لتنفيذها، وهذا العامل دفع الأسد إلى رفض الجلوس على طاولة المفاوضات مع أردوغان.
وكان الانسحاب الكامل للقوات التركية وإنهاء العدوان والاحتلال على هذا البلد وحل قضية اللاجئين السوريين من أهم شروط الحكومة السورية للتوصل إلى اتفاق مع الأتراك، لكن أردوغان أعلن أنه سيطبق هذه الشروط في وقت لاحق، وأعلن بشار الأسد، عدم استيفاء شروط سوريا للمصالحة دون سحب قوات أردوغان من أراضي سوريا، طبعا من الواضح أن هذه النظرة للرئيس السوري تجاه العلاقات مع تركيا منطقية تماما، وسجل تصرفات أردوغان يظهر أنه هو من يلعب في جميع المجالات ومصالحه الشخصية ويثبت وجوده في ساحة النفوذ، وتعتبر من أهم أولوياته، لذلك، فليس من المستبعد أن يخلف أردوغان وحزبه في وقت لاحق بوعودهم، وخاصة الانسحاب من سوريا وإنهاء دعم الإرهاب.
وعلى هذا الأساس، اتضح أن الحكومة السورية ما زالت متمسكة بموقفها من ضرورة تقديم ضمانات من تركيا لتنفيذ بنود دمشق وحتى تلتزم أنقرة بوحدة أراضي سوريا والقوات التركية إذا لم ينسحب من هذا البلد فإن الحكومة السورية لن تقبل بأي خطوات للتوصل إلى اتفاق مع تركيا، وتظهر المعلومات أن دمشق قدمت بنودا واضحة لشروطها لإعادة العلاقات مع أنقرة، وهو ما يجب على تركيا قبوله قبل عقد أي قمة، والأكيد في هذا السياق أن طهران تدعم بقوة موقف دمشق وتسعى لإقناع الأتراك بتقديم ضمانات مكتوبة ووضع جدول زمني رسمي لتنفيذ شروط دمشق.
ومن الواضح أن العديد من الأزمات المعقدة التي شهدتها سوريا في العقد الماضي نتجت عن تدخلات أنقرة في هذا البلد، ولا يمكن لأردوغان تجنب أي منها، سواء على مستوى احتلال الجيش التركي لمناطق كثيرة في شمال سوريا، أو على مستوى دعم الجماعات الإرهابية ومعارضي حكومة دمشق، في ظل التغيير في الوضع الديموغرافي لشمال سوريا، ومشكلة اللاجئين المعقدة هي أيضًا من بين الأزمات الأخرى التي خلقها الأتراك في سوريا، وفي غضون ذلك، الضرر الاقتصادي الهائل الذي ألحقته تركيا بالبلاد، وهذا لا يمكن تجاهله أبدا من قبل السوريين.
في النهاية، لا يمكن تجاهل إرادة الرئيس الأسد، لأن الاستراتيجية الحالية للحكومة السورية في تفاعلها مع تركيا تسير على المسار الصحيح، وإلى أن يتخذ أردوغان خطوة عملية لتنفيذ بنود دمشق، لا يمكننا الحديث عن تحسن العلاقة التركية – السورية، وتأتي مماطلة الحكومة التركية في تنفيذ شروط سوريا في وقت تحاول فيه دول عربية كثيرة تعميق العلاقات مع دمشق، وخاصة بعد الاتفاق بين إيران والسعودية، ونجاح التقارب بين الرياض ودمشق، وعلينا الانتظار لنرى أي خدعة سيلجأ إليها أردوغان حتى لا يسقط خلف هذه القافلة.