الوقت- انتشرت أخبار مؤخاً أنّ الحكومة التابعة للكيان الإسرائيلي، استأنفت جهودها لإقناع الكنيست (البرلمان) بإقرار جزء من مشروع القانون بالقراءة الأولى خلال جلسة التصويت المقرّرة الاثنين، حيث يشهد حزب “الليكود” (يمين متطرف)، برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه، انقساما حادا حول خطة “إصلاح القضاء” ما بين مؤيد ومعارض، ناهيك عن الشارع الإسرائيليّ الغارق بالخلافات، باعتبار أنّ الانقسام لم يعد ضمن المعارضة والسلطة ومن معهم بل داخل الحزب الذي يزعمه نتنياهو، حيث يقول قطاع عريض من الإسرائيليين إن الإصلاحات القضائية التي اقترحتها الحكومة تقوض ما يسمونها "أسس الديمقراطية"، ويخشون على مستقبل كيانهم الاحتلالي الذي تأسست على أنقاض فلسطين، ولا بد أنّ ما يدور حوله هذا الأمر في الكيان هو تسييس نظام "العدالة" وما إذا كان سيتم تأجيل الفصل بين السلطات، بالإضافة إلى أن حجتهم بأن القضاء هو "حصن النخبة" هي "خدعة"، كما أنها حملة مخطط لها لملاحقة كل شخص لا يتفق مع وجهة نظرهم أي الفاشية اليمينية المتطرفة.
تعنت حكوميّ
لا شك أن الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ترفض وقف مشروع حزمة التشريعات الخاصة بما يسمى "إصلاح القضاء"، رغم أن "إسرائيل" وقعت في خضم معركة مريرة على نحو متزايد بين تحالف من اليمين المتطرف القومي المتطرف والمعسكرات الدينية الذي يقود الإصلاحات المقترحة وتلك المعارضة، في أزمة متصاعدة سلطت الضوء على الاستقطاب العميق في المجتمع حيث انجرفت "إسرائيل" نحو بؤرة الاحتلال إلى اليمين خلال هيمنة نتنياهو السياسية لأكثر من عقدين.
ولا يخفى على أحد أن المعركة الرئيسية تدور حول الإصلاح القضائي، وهناك الكثير من الأمور على المحك فيما يصفه الكثيرون بأنه معركة من أجل روح الأمة الإسرائيلية، وإنه ليس إصلاحًا قضائيًا فقط، بل إنه أعمق وأوسع من هذا حيث يعتبر البعض حتى من أبناء الليكود "أن الأمر يتعلق بهويتهم، إنه يتعلق بماهية إسرائيل، كما أنه معركة من أجل روح إسرائيل كديمقراطية"، وهذا ما يجعل المشهد معقدا للغاية، خاصة أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي، في أكثر الوحدات حساسية، أصبح مسرحا للصراع الذي يسيطر على الأراضي الفلسطينيّة المحتلة حاليّاً، والدليل الآخر على مدى الانقسام وخطورته، هو عدم وقف مساعي إقرار خطة “إصلاح القضاء”، كما أن “الخلاف عميق” و”لن يكون هناك طريق للعودة” كما يقول مسؤولن إسرائيليون، وإذا لم توقف الحكومة حزمة التشريعات التي قلبت الوضع الإسرائيليّ، في دولة احتلاليّة ليس لديها دستور مكتوب ولا مجلس أعلى يمكن أن تصل الأمور إلى مرحلة صعبة للغاية، باعتبار أنّ القضاء والمحكمة العليا فيها على وجه الخصوص يعتبران تاريخياً بمثابة الضوابط الحيوية والتوازن للسلطة السياسية فضلاً عن ما يسميها الإسرائيليين "الدفاع عن الحقوق المدنيّة".
ويوماً بعد آخر، يزداد القلق العارم في "إسرائيل" من تصميم الحكومة الإسرائيلية الفاشية على المضي قدمًا في الإصلاحات القضائية، فيما تخشى شريحة كبيرة واسعة من المجتمع الصهيونيّ أن يتم فرض تلم القضية عليهم، حيث يواجه المشروع الإسرائيليّ معارضة شرسة، يبيد أن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو يزعم أنّ المشروع يرمي لإحداث "توازن بين السلطات"، عبر ما يسميها " تقليص صلاحيات المحكمة العليا لصالح البرلمان"،وإنّ النصّ الذي سيتمّ التصويت عليه يرمي بشكل واضح لإلغاء إمكانيّة أن يفصل القضاء في “مدى معقوليّة” قرارات الحكومة، وقد خرجت تظاهرات الإسرائيلية بأعداد كبيرة، منذ بدأ النواب التصويت على الإصلاحات القضائية، ويبرر بنيامين نتنياهو وأنصاره الإصلاحات على أنها عملية طال انتظارها، لكن نتنياهو وحلفاءه في الائتلاف يريدون للساسة ممارسة مزيد من النفوذ على المحكمة، وتشمل التغييرات المقترحة منح الحكومة السيطرة على تعيين قضاة المحكمة العليا ومنح الكنيست سلطة إبطال أحكام المحاكم التي تلغي القوانين، لكنه يظهر القليل من علامات التسوية واتهم المحتجين بتجاهل إرادة الشعب.
أسس إسرائيلية مهددة
يؤثّر هذا التغيير الذي يسعى إليه نتتنياهو على تعيين الوزراء، ففي كانون الثاني/يناير أجبر قرار من المحكمة العليا رئيس الوزراء الصهيوني على إقالة الرجل الثاني في الحكومة أرييه درعي المدان بالتهرّب الضريبي، وبما أن منتقدي الحكومة يصرون على أن الأسس الديمقراطية التي بني عليها الكيان باتت مهددة، ويخشون أن تسمح الإصلاحات للحكومة بالدوس على حقوق الإسرائيليين وتمكين الجماعات الصهيونية المتشددة والدينية من تعميق دور الدين في المجتمع، باتت "إسرائيل" على مفترق طرق تاريخي خطير، وتحاول حكومة الفشيين في الكيان التي تشكّلت في نهاية كانون الأول/ديسمبر بمشاركة أحزاب يمينيّة متطرّفة وأخرى دينيّة متشدّدة للغاية، تمرير مشروع الإصلاح القضائي والدوس على كل من يعارضهم، وكانت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قد أعلنت في آذار/مارس “تعليق” جهودها لإقرار الإصلاح بعد فشل المفاوضات مع المعارضة والتي رعاها رئيس الكيان إسحق هرتسوغ، وأعلن زعيما المعارضة في "إسرائيل" يائير لبيد وبيني غانتس في 14 حزيران/يونيو تعليق مشاركتهما في المفاوضات الرامية للتوصّل إلى تسوية بشأن هذا المشروع، فيما شدد نتانياهو على أنّه سيواصل مساعيه لإقرار مشروعه المدمر لكن بدون البند الذي كان يرمي للحدّ من صلاحيات المحكمة العليا.
وفي هذا الشأن، زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد تقديم المقترح الأصلي، أنه غيّر بعض التفاصيل نحو الأفضل، وبالتالي فإن فكرة بند الاستثناء التي تسمح للبرلمان، أو الكنيست، بإلغاء قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة، سبق وزعم أنه تخلى عنها، وقد تبنّى النواب في قراءة أولى بندًاً آخر خلافياً يُعنى بتعديل عملية تعيين القضاة،وفقا لتقارير إخبارية، وقد أثار مشروع الحكومة الإسرائيلية حفيظة أبرز حلفاء "إسرائيل"، ورأى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جو بايدن أنّ حكومة الاحتلال الإسرائيلي لا يمكن أن “تواصل هذا الطريق” على حد وصفه، معبربً عن أمله في أن “تتخلّى” تل أبيب عن هذه الإصلاحات، خاصة أن استطلاع للرأي نشرته وسائل الإعلام العبرية مؤخرا تحدث أنّ 31 في المئة من الإسرائيليين يؤيّدون الإصلاح القضائي فيما يعارضه 43 في المئة، وقد برهنت التظارات على ذلك.
ومن الجدير بالذكر أنّ المشروع الحكوميّ المقترح في "إسرائيل" لاقى احتجاجات شعبية هي من بين الأضخم في تاريخ احتلال فلسطين، إذ يواصل عشرات آلاف المتظاهرين منذ كانون الثاني/يناير النزول إلى الشوارع كل ليلة سبت للتعبير عن رفضهم للتعديل المقترح، وشارك في تظاهرات الأيام الماضية في تلّ أبيب التي تعتبر معقل اليسار الصهيونيّ، أكثر من 180 ألف متظاهر، وتجاوز هذا العدد معدّلات الأسابيع الفائتة، والإثنين المنصرم، وصلت الاحتجاجات الإسرائيلية إلى مطار بن غوريون قرب تل أبيب حيث قرع محتجّون طبولاً واستخدموا أبواقاً وحملوا لافتات كتب عليها “الديموقراطية ستنتصر"، ودعا منظمو الاحتجاجات إلى يوم غضب ضدّ الحكومة الثلاثاء إذا ما تمّ تمرير نص المبدئي، خاصة أنّ الصهاينة يعتبرون كيانهم هو الديموقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، لكنّ العديد من المنتقدين خارج فلسطين وداخلها، يشيرون إلى الطبيعة “غير المكتملة” لهذه الديموقراطية الكاذبة انطلاقاً من التمييز العنصريّ الذي تعانيه الأقلية العربية فيها واستمرار الاحتلال العسكريّ الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
بالاستناد إلى كل ما ذُكر، منذ فوزه في انتخابات العام الماضي، صاغ الائتلاف تشريعات على عدد من الجبهات، تتراوح من الإصلاحات القانونية إلى التغييرات التي تسمح للأشخاص المدانين بارتكاب جرائم، ولكنهم وفروا من السجن بالعمل كوزراء، كما قامت بإضفاء الشرعية على تسع بؤر استيطانية يهودية في عمق الضفة الغربية، حتى أن "إسرائيل" اعتبرتها مبنية بشكل غير قانوني، لهذا يجمع الإسرائيليون على "نهاية وتفت الكيان"، في وقت تفقد حكومة نتنياهو شرعيتها يوماً بعد آخر، وتأخذ الكيان إلى طريق نهايته وخيمة، نتيجة تعنت نتنياهو، فيما يردد غالبية الإسرائيليين عبارة “إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة”، وإنّ موضوع "نهاية إسرائيل" يطغى بشكل كبير على لسان المواطنين والكثير من المحللين والمسؤولين الإسرائيليين، استناداً إلى إلى أدلة كثيرة أهمها الصراع على السلطة والتماسك الداخليّ الذي بات مجرد ماض لا رجعة إليه.