الوقت- مؤخراً، انتقد المبعوث الأوروبي سلوك "إسرائيل" لاستخدام ما أسماها القوة "غير المتناسبة"، وذلك خلال زيارة قام بها المبعوث الدولي إلى مخيم "جنين" في الضفة الغربية المحتلة، والذي شهد هجمات عسكرية إسرائيلية هذا الأسبوع، واعتداءات لا حصر لها على أرواح وممتلكات الفلسطينيين، وقد أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "الاستخدام المفرط للقوة" لكيان الاحتلال الإسرائيلي خلال عملية عسكرية في الضفة الغربية المحتلة، الشيء الذي أحرج الموقف الإسرائيليّ دوليًّا وفضح طريقة التعاطي من قبل الحكومة العنصرية هناك، تجاه هذا الشعب الذي يتعرض للإبادة وإعدام في شوارع بلاده، وخاصة في ظل تنديد المنظمات الحقوقية الإنسانية الدائم بجرائم حرب "إسرائيل" ضد الفلسطينيين.
استخدام مفرط للقوة
"ندين الاستخدام المفرط للقوة من قبل إسرائيل في مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية"، هذا هو موقف الأمين العام أنطونيو غوتيريش، والذي أكدّه نائبه والمتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق، بعد أن طلب سفير كيان الاحتلال الإسرائيلي، لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، من غوتيريش سحب إدانته تل أبيب بعد أن استخدمت القوات الإسرائيلية القوة المفرطة والعنف الشديد في مخيم جنين للاجئين، حيث شكل هجوم العدو الغاصب على جنين جريمة حرب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ويقول خبراء الأمم المتحدة إن تصرفات القوات الإسرائيلية التي غزت مخيم جنين ترقى إلى مستوى "انتهاكات صارخة للقانون الدولي"، في واحدة من أعنف الهجمات الصهيونية على الضفة الغربية المحتلة منذ عقدين، حيث جلبت القوات الإسرائيلية الموت والدمار على نطاق واسع في جنين.
وفي الوقت الذي قتلت الآلة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي ما يزيد ربما على 12 فلسطينيا إضافة إلى تشريد الآلاف من مخيم جنين للاجئين بسبب الهجوم الإسرائيلي الذي استمر يومين، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة للصحفيين في مؤتمر صحفي في نيويورك ردا على أسئلة حول سحب إدانة "إسرائيل" لجوتيريش وفي استمالة للطرف الإسرائيلي الذي بدا منزعجا من الفضيحة الأممية: "تدين الأمم المتحدة بشكل لا لبس فيه جميع أعمال العنف التي تؤثر على المدنيين في الكيان والأراضي الفلسطينية المحتلة، بغض النظر عن مرتكبيها".
ويبدو أن قيادات الاحتلال في تل أبيب غاضبون جدا مما قاله غوتيريش يوم الخميس الفائت، وكان غاضبا من تأثير الغارات الجوية الإسرائيلية والهجمات على مخيم جنين للاجئين، حيث إن العملية خلفت أكثر من 100 مدني جريح ناهيك عن تشريد الآلاف من السكان الذين كانوا آمنين في منازلهم، وألحقت أضرارا بالمدارس والمستشفيات وعطلت شبكات المياه والكهرباء، ولهذا، انتقد غوتيريش تل أبيب وخاصة لمنعها الجرحى من تلقي الرعاية الطبية ومنع العاملين في المجال الإنساني من الوصول إلى جميع المحتاجين.
ورغم أنّ الهجمات الإسرائيلية والعنف الاحتلاليّ أدى خلال يومين لجرائم كثيرة، وتدمير الطرق والأزقة الضيقة في مخيم جنين والتشريد القسري، ترغب "إسرائيل" من العالم الذي بات يكشف أساليبها الإبادية، أن يثني على همجيتها المفرطة وعنفها اللامحدود، ويبدو أن إدانة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "الاستخدام المفرط للقوة" الإسرائيلية خلال العمليات العسكرية في الضفة الغربية المحتلة، صفع الإسرائيليين الذين يرغبون بالتصفيق لهم بعد كل جريمة، حيث اقتحمت القوات الإسرائيلية المخيم ومدينة جنين فجر يوم الاثنين في أكبر عملية عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية منذ بضع سنوات، وشارك عدد كبير من الجنود والعربات المدرعة والجرافات العسكرية لدعم المسيرة التي شنت غارات جوية.
جرائم وأضرار كبيرة
بناء على طلب دولة الإمارات العربية المتحدة، ناقش مجلس الأمن الدولي العملية العسكرية الإسرائيلية في جنين خلف أبواب مغلقة يوم الجمعة وتلقى إحاطة من وكيل الأمين العام خالد الخياري، ففي المخيم المنكوب، خرج السكان لتفقد الدمار الهائل الذي خلفه الجيش الإسرائيلي، مع تدمير جدران المباني أو تشكيل الشقوق فيها نتيجة الضربات الإسرائيلية،، وتضررت البنية التحتية للمخيم بشدة خلال عملية زعمت فيها العصابة الصهيونية إنها استهدفت مسلحين فلسطينيين، لكن الهدف الإسرائيلي بات واضحا للجميع وهو إبادة كل فلسطيني، فيماذكرت الأمم المتحدة أنه تم تدمير 8 كيلومترات من أنابيب المياه و 3 كيلومترات من أنابيب الصرف الصحي، وتضرر أكثر من 100 منزل وتضرر العديد من المدارس بشكل طفيف، وقد دعا مسؤولو الأمم المتحدة إلى تمويل للمساعدة في إعادة بناء المخيم.
ويعيش حوالي 18 ألف فلسطيني في المخيم الذي يعد من أفقر المخيمات وأكثرها ازدحاما، وقد استهدفت القوات الإسرائيلية المدنين بشكل مباشر، لكنها ادعت أن عملياتها العسكرية في جنين استهدفت المقاتلين الفلسطينيين ومستودعات الأسلحة والبنية التحتية، والدليل عهلى نفاق الإسرائيليين وكذبهم الأعمى، ما قاله ريني ستينس، نائب الأمين العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) ، حول وجود حاجة إلى السيولة لاستعادة الخدمات وزيادة الدعم للأطفال، مشيرا إلى نقص خطير في التمويل.
ومن الجدير بالذكر أن عدة دول عربية أعلنت دعمها لمخيم جنين بعد العمليات العسكرية الإسرائيلية، فيما أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عن قراره تقديم 30 مليون دولار من الإعانات المالية للمساهمة في إعادة إعمار جنين، كما أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن دعم بقيمة 15 مليون دولار لوكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين، لخدمات وكالة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين وعملياتها، ودعم عاجل للأسر الفلسطينية المنكوبة، وخاصة في مدينة جنين ومخيماتها، واشتملت التكتيكات الإسرائيلية على غارات جوية وإطلاق نيران القناصة من منازل الفلسطينيين.
ولا يخفى على أحد أن المدنيين تحملوا العبء الأكبر من الهجمات، حيث استهدفت الآلة العسكرية الإسرائيلية المستشفيات والمرافق الحيوية، فيما بات الآلاف من الأشخاص، لاجئين بالفعل ، وتُركوا بلا مأوى مرة أخرى وأجبروا على الفرار، ويقول خبراء حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة، إن الهجوم على جنين قد يشكل جريمة حرب ، ووصف شهود عيان، بمن فيهم صحفيون، المنازل والمباني الكبيرة التي دمرها جيش العدوان الإسرائيلي، الذي أرسل 1000 جندي، معظمهم من وحدات الكوماندوز الخاصة، إلى المنطقة السكنية المكتظة بالسكا، بتفاصيل محزنة للغاية، وحسب لجنة الأمم المتحدة، فإن "الهجمات كانت الأعنف في الضفة الغربية منذ تدمير مخيم جنين عام 2002". وشملت الضربات الجوية الأولى منذ عقدين، فيما كان نظام الرعاية الصحية هدفًا خاصًا، حيث تم الإبلاغ عن عدة تقارير عن منع سيارات الإسعاف من إخلاء الجرحى وإطلاق قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي الغاز المسيل للدموع على مستشفى جنين العام.
في النهاية، تشكل إدانة الأمم المتحدة للجرائم الإسرائيلية بهذا الشكل غير المسبوق، أهمية كبيرة للغاية في فضح الجرائم الصهيوينة، والتي كان آخرها في مدينة جنين، باعتبار أنّ الأمم المتحدة عندما تدين "إسرائيل" كمرتكبة عمل إجرامي، يتقبل الرأي العام العالمي وبالأخص الغربي الذي تحاول وسائل إعلامه التعتيم على الجرائم الصهيونية والتغطية على الحرب في أوكرانيا، أي نوع من الإدانات الدولية للمجرمين وخاصة الصهاينة، الذي أدموا قتلا في الفلسطينين وأشبعوا بلادهم استيطانا واحتلالا، في هجمات تشكل عقابا جماعيا للسكان الفلسطينيين الذين وصفتهم السلطات الاسرائيلية بـ" تهديد امني جماعي "، لكن ما وراء هذا التقييم؟، وهل سيواجه أي شخص العدالة الدولية؟