الوقت - مع استمرار العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، ما زالت القضية الفلسطينية مثار اهتمام عالمي وعربي، إذ كانت قضية الشعوب العربية الأولى، ستبقى كذلك في ظل إيمان الوجدان الجمعي العربي بحق الفلسطينيين في أرضهم، ووجوب العمل بكل السبل لتحريرها من الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم وجود رأي عام عربي على مستوى الشعوب والقيادات، ووجود إجماع على الحق الفلسطيني، ووجوب التعامل مع الكيان الإسرائيلي على أنه احتلال يجب التحرر منه، إلا أن بعض الطفرات أصابت بعض القيادات العربية فاتجهوا إلى التطبيع مع الكيان المحتل.
الاتجاه نحو التطبيع
بدأ تطبيع بعض العرب مع الكيان الإسرائيلي أواخر سبعينيات القرن الماضي، ولكنه لم يكن ذا أثر واضح إلى أن جاء العام 2020 خلال حقبة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والذي اتجهت فيه 4 دول نحو تطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي.
وكانت مصر أول دولة تطبع مع الكيان الإسرائيلي وذلك في 26 مارس 1979، في معاهدة السلام في منتجع "كامب ديفيد" بالعاصمة الأمريكية واشنطن، ولكن هذه الاتفاقية لم تسكن وجدان المصريين، ولم يساعد الإعلام والشارع في تمرير هذا التطبيع، كما ترفض النقابات وأغلب الأحزاب المصرية كل أشكال التطبيع وتعاقب منتسبيها إن شاركوا في أنشطة تطبيعية، ولم يستطع الكيان استقطاب الأيدي العاملة المصرية، رغم وفرة المال لديه .
وفي 26 أكتوبر 1994، وقع الأردن مع الكيان الإسرائيلي معاهدة "وادي عربة" التي ضمنت الأمن لـ "إسرائيل" على أطول حدودها (نحو 360 كلم) وأعطت للأردن الحق في الإشراف على الشؤون الدينية بالقدس، لكن على المستوى الشعبي ما زال أغلب الأردنيين يرفضون التطبيع، والاتفاقيات الاقتصادية المترتبة عليه، إذ نظمت مظاهرات للتعبير عن مواقف الرفض، التي أيدها نواب في البرلمان.
وفي 23 أكتوبر 2020، أعلنت وزارة الخارجية السودانية أن الحكومة الانتقالية وافقت على تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، وهو ما قوبل بالرفض الشعبي السوداني الواسع، كما رفضته أغلب الأحزاب السودانية، وطالبت بالتراجع عنه.
وفي العام نفسه أعلنت الإمارات التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وقوبل القرار بردود فعل إماراتية رافضة لكنها أقل وضوحاً واتساعاً من بقية الدول المطبعة.
كما جرى توقيع اتفاقية التطبيع بين البحرين والكيان الإسرائيلي، في 15 سبتمبر 2021، وكذلك خرج الشارع البحريني رافضا للاتفاقية، وتشكلت مجموعات لرفض التطبيع.
وكان المغرب البلد العربي السادس، الذي أعلن التطبيع، إذ أعلن العاهل المغربي محمد السادس، في 10 ديسمبر 2020، حالة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي مقابل توقيع ترامب اعترافا بسيادة الرباط على إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة "البوليساريو.
المغاربة في وجه التطبيع
لم يكن المزاج الشعبي في المغرب يوماً راغباً بالعلاقة مع الكيان الإسرائيلي، وما إن طبع المغرب تلك العلاقة حتى بدأت الأصوات تتعالى رافضة هذا الأمر ومنددة به وداعية إلى إلغائه.
وكانت الأحداث الأخيرة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية دافعاً مباشراً لحشد المواقف وفي مقدمتها تأكيد الحق الفلسطيني ورفض التعامل مع المحتل فقد أعلنت نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب تضامنها المطلق مع الفلسطينيين ضد اعتداءات الاحتلال.
ودعت النقابة كل أبناء الأمة وأحرار العالم لمواجهة اعتداءات الصهاينة الإجرامية ومساندة الشعب الفلسطيني في مقاومته وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.
وبعدها دعت كل مسؤولي الأمة العربية والإسلامية إلى التراجع عن مسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وأوضحت النقابة في بيان لها أن الأحداث المتتالية التي شهدتها المنطقة تؤكد أن تاريخ إسرائيل هو تاريخ إجرام ونقض للعهود وتهديد للسلم والأمن.
وأضافت النقابة إن ما تقوم به إسرائيل، يعتبر تجاوزا خطيرا للقانون الدولي والقيم الإنسانية، ومخالفة واضحة للفقرة الأولى من المادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، معلنة تضامنها المطلق مع الشعب الفلسطيني في جنين وفي كل الأراضي الفلسطينية ضد استمرار اعتداءات الاحتلال الصهيوني الغاشم.
كما رفضت التطبيع أبرز الأحزاب والكتل الإسلامية في البلاد، وعلى رأسها حركة "التوحيد والإصلاح".
وأجمعت شخصيات مغربية على رفض التطبيع وإدانته وتجريمه، مشددة على دعم المقاومة الفلسطينية حتى التحرير والاستقلال.
جاء ذلك خلال عقد الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع، مجلسها الوطني الثالث تحت شعار “جميعا مع المقاومة الفلسطينية ومناهضة التطبيع”، بالعاصمة الرباط، فالجلسة الافتتاحية ألقيت فيها كلمات لعدد من قادة التنظيمات والأحزاب الداعمة للجبهة.
وقال جمال العسري المنسق العام للجبهة، نحن جميعاً مجتمعون داخل جبهتنا من أجل تحدي الدمار وإعلان رفض التطبيع وتشبثنا بقضيتنا الأولى قضية فلسطين.
وفي كلمة الحزب الاشتراكي الموحد أكدت نبيلة منيب رفض حزبها اتفاقية التطبيع المشؤومة الموقعة عام 2020، واصفة إياها باتفاقية نفاق وخداع.
وعدّت التطبيع خيانة كبرى لحاضر ومستقبل كل الشعوب العربية والمغاربية.
كما أكد عبد الواحد متوكل رئيس الدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان أن التطبيع اليوم، أصبح سياسة رسمية للدولة، وقد أصبحنا أمام أخطبوط سرطاني يتمدد في المجتمع المغربي بسرعة رهيبة، وأن الأخطر، هو الاختراق المجتمعي الذي أصبح يستهدف ترويض المغاربة على قبول الاحتلال الصهيوني لفلسطين أو اعتبار تلك القضية هامشية لا تعنينا، وكذلك قبول القتلة والمفسدين بين ظهرانينا في المغرب أرض المجاهدين والأحرار. من هنا تتأكد أهمية التصدي للتطبيع ونشر الوعي بآثاره المدمرة للبلاد والعباد.
وفي 1/2/2023 خرج عشرات الحقوقيين المغاربة، في تظاهرات مناهضة للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي وداعمة للشعب الفلسطيني، في ظل ما يتعرض له "من تقتيل يومي" على أيدي الاحتلال الإسرائيلي بعد أحداث اقتحام جنين، والتي استشهد فيها 9 فلسطينيين.
وجاءت تلك المظاهرات بعد دعوات من "الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع"، و"مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين" في بيان لهما، للاحتجاج "تضامناً مع الشعب الفلسطيني في مقاومته الباسلة للاحتلال وجرائمه، وتنديداً بجرائم الكيان الصهيوني اليومية في حق بنات وأبناء فلسطين.
وفي 8/6/2023 نظمت حشود من المغاربة وقفة احتجاجية أمام مبنى البرلمان، تنديدا بزيارة رئيس الكنيست الإسرائيلي ورفضا لها، مجددين دعواتهم إلى إسقاط التطبيع وتحذيرهم من العواقب “الوخيمة” التي يمكن أن يجنيها المغرب من وراء التقارب والتحالف مع الكيان الإسرائيلي.
واعتبر خالد السفياني، عضو سكرتارية مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين، الزيارة أسوأ ما يمكن أن يقع في المغرب”، مؤكدا أن “استضافة رئيس الكنيست في البرلمان الذي يمثل الشعب المغربي الرافض جملة وتفصيلا للتطبيع إهانة للشعب، ومشيراً إلى أن تعليق مغربية الصحراء على اعتراف الإسرائيليين جريمة في حقنا.
أما الصحفيون المغاربة فقد وصفوا التطبيع الإعلامي مع الكيان الإسرائيلي بـ”الجريمة في حق الفلسطينيين والمغاربة والإنسانية”، معلنين رفضهم تأسيس مكتب لقناة إسرائيلية في البلاد.
ووقّع عدد من الصحفيين المغاربة، على بيان يرفض التطبيع الإعلامي مع الكيان الإسرائيلي، باعتباره جريمة في حق الفلسطينيين والمغاربة والإنسانية، مندّدين بتأسيس مكتب لقناة “i24news” الإسرائيلية في المغرب وتنظيم حفل افتتاح له، مؤخراً، مطالبين بـ”إغلاق مكتب القناة فوراً.
واعتبر بيان الصحفيين المغاربة، افتتاح مكتب القناة خطوة استفزاز لمشاعر المغاربة المرتبطة قلوبهم بفلسطين قضية وطنية كما هي الصحراء المغربية، قبل استفزازنا كصحفيين منحازين للحقيقة.
ولم تكن تلك الوقفات والمطالبات جديدة لكن وتيرتها اشتدت ورقعتها اتسعت في هذا العام، ففي كانون الأول 2020 شهدت مدينة طنجة المغربية تظاهرةً احتجاجاً على التطبيع، ورغم الإجراءات الأمنية المكثَّفة، إلا أن عدداً من المغاربة تظاهر في مدينة طنجة رفضاً للتطبيع تحت شعار "فلسطين أمانة في أعناقنا".
وفي أواخر 2020 ندد علماء وأكاديميون مغاربة باتفاق التطبيع بين المغرب والاحتلال الإسرائيلي، معتبرين إياه خطيئة وخدعة صهيونية. وأشادوا في بيان صحفي بموقف الشعب المغربي الرافض لاتفاق التطبيع والداعم للشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، كما جددوا الدعوة للتضامن مع القدس والمسجد الأقصى المبارك.
فالمجتمع المغربي بكل شرائحه المفكرين والحقوقيين والعلماء والصحفيين وغيرها يقف موقفاً واضحاً ضد التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، فهل سيغير الضغط المجتمعي من شكل المستقبل السياسي للمغرب ولا سيما فيما يخص العلاقة مع الكيان الإسرائيلي؟