الوقت- أفادت وكالة الأنباء الروسية سبوتنيك نقلاً عن مصدر روسي، أن هناك احتمالًا بأن تنسحب موسكو من اتفاقية تصدير الحبوب في يوليو / تموز لبعض الأسباب، لكن المفاوضات مع الأطراف الأخرى لمواصلة هذا الاتفاق مستمرة.
وبحسب هذا المصدر، فإن انسحاب روسيا من اتفاقية الحبوب سيؤدي إلى زيادة أسعار الحبوب والإنتاج الزراعي، وتحذر أنقرة والأمم المتحدة الشركاء الغربيين من عواقبها.
ما هي اتفاقية الحبوب؟
ووقعت أوكرانيا وروسيافي 22 يوليو 2022 في إسطنبول اتفاقين منفصلين مع تركيا والأمم المتحدة بهدف إفساح المجال أمام نقل الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية في البحر الأسود، على خلفية الحرب الروسية، التي بدأت منذ أكثر من خمسة أشهر.
وبعد أقل من 24 ساعة، أعلنت أوكرانيا السبت أن صواريخ روسية أصابت أوديسا، الميناء الرئيسي على البحر الأسود، غداة توقيع موسكو وكييف اتفاقاً لاستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية، ما يضع هذا الاتفاق على المحك.
واتهمت أوكرانيا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "بصق في وجه" الأمم المتحدة وتركيا عبر هجومه على ميناء أوديسا، حسب ما نقلت فرانس برس، مؤكدة أن موسكو "ستتحمّل مسؤولية" فشل الاتفاق على تصدير الحبوب الذي جرى توقيعه في اليوم السابق في اسطنبول.
وتهدف هذه الاتفاقية إلى تفادي أزمة غذاء عالمية، ونصت على إقامة "ممرات آمنة" من شأنها السماح بعبور السفن التجارية في البحر الأسود، وقد تعهدت موسكو وكييف "عدم مهاجمتها".
وحسب "فرانس برس"، سيكون الاتفاق صالحا لمدة "120 يوما" أي أربعة أشهر، وهي المدة اللازمة لإخراج نحو 25 مليون طن من الحبوب المكدسة في الصوامع الأوكرانية في حين يقترب موعد موسم حصاد جديد.
وكان الحصار الروسي على الموانئ الأوكرانية قد أدى إلى تقطع السبل بنحو 22 مليون طن من القمح والذرة وغيرها من الحبوب في الصوامع، مما أسفر عن آثار مدمرة على أسعار الغذاء العالمية ومستويات الفقر، وفقا لتقرير لصحيفة "واشنطن بوست".
وفي وقت سابق حذر "البنك الدولي" من أن الصراع في أوكرانيا سيغرق 95 مليون شخص إضافي في براثن الفقر المدقع، و 50 مليونا في جوع شديد هذا العام.
وفي سياق متصل، كشف برنامج الغذاء العالمي أن تداعيات الصراع التي قد تدفع 47 مليون شخص إضافي حول العالم إلى "الجوع الحاد".
التهديد الأخير ليس بالجديد
هددت روسيا، على لسان الرئيس فلاديمير بوتين، في يونيو حزيران الماضي بالانسحاب من اتفاق الحبوب الذي توصلت إليه مع أوكرانيا في إسطنبول التركية برعاية أممية، وذلك غداة إعراب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن "قلقه" بشأن الاتفاق الذي يسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية، مؤكداً "العمل بجد" لتمديده إلى ما بعد 18 يوليو/ تموز المقبل.
ومن العاصمة الروسية موسكو، أعلن الرئيس بوتين أن بلاده تدرس الانسحاب من اتفاق توريد الحبوب عبر البحر الأسود، معتبراً أن بلاده تعرضت لـ"الخداع" بشأن تنفيذ أجزاء من الاتفاق تتعلق بصادراتها.
وفي لقاء مع مراسلين عسكريين مؤيدين للكرملين أذاعه التلفزيون، أضاف بوتين أن الاتفاق الذي جاء بوساطة الأمم المتحدة وتركيا، كان يهدف إلى مساعدة الدول "الصديقة" في أفريقيا وأميركا اللاتينية، لكن أوروبا كانت أكبر مستورد للحبوب الأوكرانية التي صارت مصدراً رئيسياً للعملة الأجنبية في كييف، وفقاً لوكالة "رويترز".
وأوضح بوتين أن درس مسألة الخروج من اتفاق تصدير الحبوب سببه تحديداً "عدم احترام البنود الخاصة بتصدير الأسمدة الروسية". كما اتهم كييف باستخدام الممرات البحرية المنصوص عليها في هذا الاتفاق لمهاجمة الأسطول الروسي بمسيّرات.
ويأتي تهديد بوتين الجديد غداة إعراب الأمين العام للأمم المتحدة أمس، عن "قلقه" بشأن الاتفاق، حيث قال، خلال مؤتمر صحافي أمس الإثنين: "أنا قلق، نعمل بجد لضمان إمكانية الحفاظ على مبادرة البحر الأسود، وفي الوقت نفسه إمكانية مواصلة عملنا لتسهيل الصادرات الروسية".
روسيا غير راضية عن الاتفاق
تشمل مطالب موسكو استئناف نقل الأمونيا من روسيا عبر الأراضي الأوكرانية إلى ميناء بيفديني في أوديسا حيث يجري تصديرها. وتوقف نقل الأمونيا بعد أن أرسلت روسيا قواتها إلى أوكرانيا العام الماضي.
وتتضمن المطالب أيضا إعادة ربط البنك الزراعي الروسي بنظام سويفت الدولي للمدفوعات.
ولا تخضع صادرات روسيا من المواد الغذائية والأسمدة للعقوبات الغربية، لكن موسكو تقول إن القيود المفروضة على أنظمة الدفع والخدمات اللوجستية والتأمين تشكل عائقا أمام التصدير.
وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إنها لفتت انتباه ممثلي الأمم المتحدة إلى العقبات التي تواجه منتجي المواد الزراعية ومورديها في روسيا.
وأضافت "(هم) ما زالوا مجبرين على التغلب على عدد من القيود والعوائق التي أثارتها العقوبات غير القانونية بحق روسيا فيما يتعلق بالمدفوعات المصرفية وتسليم البضائع والتأمين عليها بأنفسهم وبتكاليف عالية، مما يؤثر سلبا على الأسعار وتوافر السلع".
اتفاقية الحبوب والاتحاد الأوروبي
دعا قادة الاتحاد الأوروبي،في اجتماعهم الأخير إلى ضرورة تنفيذ مبادرة "نقل الحبوب" عبر البحر الأسود، معربين عن قلقهم إزاء "التباطؤ في تنفيذها".
وجاء في بيان لقمة قادة دول الاتحاد الأوروبي: "يشعر مجلس أوروبا بقلق عميق إزاء استمرار التباطؤ في تنفيذ مبادرة حبوب البحر الأسود ويدعو إلى الاستئناف السريع والكامل لعملياتها".
ويدرس الاتحاد الأوروبي مقترحاً للبنك الزراعي الروسي لإنشاء شركة فرعية تتيح له إعادة الاتصال بالشبكة المالية العالمية كوسيلة ترضية لموسكو وضمان استمرار اتفاق تصدير الحبوب، حسب ما نقلته وكالة رويترز.
كما أوضحت "فايننشيال تايمز" أنه في ظل خضوع البنك لعقوبات، تستهدف هذه الخطوة حماية اتفاق تصدير الحبوب عبر موانئ البحر الأسود التي تتيح لأوكرانيا تصدير الغذاء إلى الأسواق العالمية.
تأتي هذه الخطوة بعدما قالت روسيا، الأسبوع الماضي، إنها لا ترى أي سبب لتمديد اتفاق تصدير الحبوب إلى ما بعد 17 يوليو/تموز؛ لأن الغرب تصرف بطريقة "مشينة" تجاه الاتفاقية، لكنها أكدت للدول الفقيرة أن صادرات الحبوب الروسية ستستمر.
فيما نقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة قولها إن خطة موسكو، التي طرحت في محادثات تجري بوساطة الأمم المتحدة، ستسمح للوحدة التابعة للبنك بمعالجة المدفوعات المتعلقة بصادرات الحبوب.
وأضافت "فايننشيال تايمز" أنه سيُسمح للوحدة الجديدة باستخدام نظام سويفت العالمي للرسائل المالية الذي أغلق أمام أكبر البنوك الروسية بعد العملية العسكرية في أوكرانيا العام الماضي.
هل يستفيد الجميع من صفقة الحبوب؟
ليس تماماً، في أعقاب العملية العسكرية في أوكرانيا رفع الاتحاد الأوروبي جميع الرسوم المفروضة على الحبوب من أوكرانيا عن طريق البر، وذلك لتسهيل الصادرات.
ومع ذلك تسبب هذا في تدفق وفرة من الحبوب الأوكرانية الرخيصة إلى وسط وشرق أوروبا، ما أضر بمبيعات المنتجين المحليين.
وكان بعض المتظاهرين قد أغلقوا حركة المرور ونقاط التفتيش الحدودية بجرارات على طول الحدود بين رومانيا وبلغاريا في محاولة لمنع الشاحنات الأوكرانية من دخول بلادهم، وقال وزير الزراعة البلغاري يافور غيتشيف إن "بلغاريا تتضامن مع أوكرانيا، ولكن هناك تخمة محلية في السوق الزراعية، لأنه بدلاً من ممرات التصدير، أصبحت بلادنا مستودعات"
لتهدئة هذه الاضطرابات، تبنى الاتحاد الأوروبي بعد ذلك إجراءً مؤقتاً يحظر تصدير القمح والذرة وبذور اللفت وبذور عباد الشمس التي نشأت في أوكرانيا إلى بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا.
إذا من الواضح أن الاتحاد الأوربي يفكر جدياً بتقديم تنازلات لروسيا من أجل السماح لأوكرانيا بتصدير الحبوب عبر البحر الأسود بدلاً من إلحاق الضرر باقتصاد دول أوروبا الشرقية ولكن الجانب الروسي الذي بات يرى في هذا الاتفاق أنه التزام من طرف واحد بات يهدد بالانسحاب منه ويريد أن يلتزم الجانب الآخر والأطراف الدولية بتزويد روسيا باللازم من المواد الأولية للزراعة والسماح لبنوكها بالاستيراد المباشر.