الوقت- اقترح ممثل الرئيس الفرنسي، الذي حقق انجازا في الجولة الأولى من رحلته إلى بيروت لحل الأزمة اللبنانية، تشكيل لجنة خماسية للتعامل مع القضية الرئاسية في البلاد. وبينما لا يزال هناك أفق واضح لحل الأزمة السياسية في لبنان، وصف صندوق النقد الدولي أمس الوضع الخطير في هذا البلد وأعلن أن الشعب اللبناني يمر بأصعب أيام حياته وينتظر معجزة لإنقاذه من الوضع الراهن وإيقاظه من كابوسه وأعرب بأن الغيوم السوداء التي تلقي بظلالها على هذا البلد لن تختفي قريبا. ولبنان تحكمه سلطة فاسدة لا تسعى لإنقاذ البلد وليس لديها رغبة في إصلاحه ولا حتى اللجوء إلى حلول مؤقتة لمنع الانهيار الكامل للبنان.
وحذر صندوق النقد الدولي من أن عامل الوقت ليس في مصلحة اللبنانيين، ومع مرور الوقت يزداد شعب هذا البلد فقرا يوما بعد يوم، وهم الضحايا الوحيدون لهذا الوضع وعواقب الانهيار الاقتصادي للبنان الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ هذا البلد. ويزداد هذا الخطر عندما لا يكون هناك حل لهذه الأزمات، إضافة إلى عدم وجود نية لدى السلطات اللبنانية لتخفيف العبء المالي على المواطنين.
وأعلن الصندوق في نيسان/أبريل 2022 توصّله إلى اتفاق مبدئي مع لبنان على خطة مساعدة بقيمة ثلاثة مليارات دولار على أربع سنوات. لكن تطبيق الخطة مرتبط بالتزام الحكومة تنفيذ إصلاحات مسبقة، لم تسلك غالبيتها سكة التطبيق بعد.
ومن بين الإصلاحات إقرار تشريعات تتعلق بإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتعديل قانون السرية المصرفية وتوحيد سعر الصرف. وقال رئيس بعثة الصندوق إلى لبنان ارنستو راميرز ريغو في إيجاز عبر الانترنت مع صحفيين في بيروت إن استمرار الوضع الراهن "يشكّل أكبر المخاطر".
ومع الاستمرار في إرجاء تطبيق الإصلاحات، توقع أن يكون هناك "نقص في الاستثمارات الأجنبية وأن يبقى البلد في وضعية غير مستدامة"، في وقت "لا يريد أحد أن يقرض دولة تعجز حكومتها عن الوفاء بالتزاماتها الخارجية". واعتبر ريغو أن ثمّة "حاجة ماسة للغاية للبنان من أجل المضي قدماً" بالإصلاحات لأن "التكلفة باهظة للغاية، لا على سمعة البلاد فحسب" بل أيضاً على "ملايين اللبنانيين العالقين في النظام المصرفي"، وحسب التقرير، تسارعت وتيرة التضخم لتصل الى 270 في المئة على أساس سنوي في نيسان/أبريل 2023، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 261 في المئة. كما تراجع الاحتياطي الإلزامي في المصرف المركزي إلى عشرة مليارات دولار مقابل 36 مليار دولار في العام 2017.
وفي حال استمرار الوضع الراهن بغياب الإصلاحات المحلة، فإن إجمالي الدين العام قد يصل الى 547,5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2027. وكان البنك الدولي قد حذر قبل أسابيع من تنامي الاقتصاد النقدي بالدولار الأميركي بعدما بات يُقدر بنحو نصف إجمالي الناتج المحلي في العام 2022. ويشهد لبنان شللاً سياسياً منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية تشرين الأول/أكتوبر. وقد فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي حاد. وبينما يبدو الملف اللبناني غائباً عن الاهتمام الدولي وحتى الإقليمي، تقود فرنسا، بلا جدوى، منذ أشهر حراكاً لتسريع انتخاب رئيس في بلد يقوم نظامه السياسي على مبدأ المحاصصة السياسية والطائفية
الفريق المناهض لحزب الله لا يقبل دعوة فرنسا للحوار
في غضون ذلك، تتركز الأنظار في لبنان على عودة "جان إيف لودريان"، ممثل الرئاسة الفرنسية إلى بيروت، ليقدم أي مبادرة لديه لإخراج لبنان من الوضع الفوضوي الراهن. هذا فيما أعلن عضو مجلس النواب اللبناني غسان حاصباني أن حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع لن يستجيب لدعوة لودريان لإجراء محادثات بعد عودته إلى بيروت. طبعا حزب الكتائب والتيار الوطني الحر اللذان يحاولان مع حزب القوات اللبنانية منع فوز سليمان فرنجية زعيم تيار المورد والمرشح المدعوم من حزب الله وحركة أمل، لم تستجب بعد لدعوة الممثل الفرنسي.
لكن دوائر حزب الله وحركة أمل ما زالت تشدد على ضرورة إجراء حوار للتوصل إلى حل للقضية الرئاسية اللبنانية، وأعلنت أن هذا الحوار يجب أن يكون غير مشروط ويشمل جميع المرشحين بمن فيهم سليمان فرنجية. في غضون ذلك، أعلنت مصادر مطلعة أن جان إيف لودريان أعلن في تقريره عن الأوضاع في لبنان للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الوضع في لبنان خطير للغاية وأن الطرفين الرئيسيين في هذا البلد لن يتراجعا عن مناصبهم في لبنان.
تشكيل لجنة خماسية لحل الأزمة اللبنانية
لذلك، اقترح لو دريان على ماكرون تقديم مبادرة جديدة خلال الجولة الثانية من رحلته إلى بيروت، والتي تتضمن تشكيل لجنة خماسية تتكون من الولايات المتحدة وقطر والسعودية ومصر وفرنسا للتعامل مع أزمة لبنان، على أن يتواصل الرئيس الفرنسي مع السلطات الإيرانية في هذا الصدد، حتى لو لم تكن إيران جزءًا من اللجنة المذكورة.
وأفادت مصادر مطلعة على الشأن السياسي اللبناني بأن هناك علاقة قوية بين باريس والدوحة، وأن فرنسا لديها أيضًا علاقات متناغمة مع السلطات المصرية. وفي غضون ذلك تحاول الدوحة والقاهرة أن تجعل جوزيف عون قائد الجيش اللبناني رئيساً لهذا البلد. في غضون ذلك، يشبه موقف فرنسا إلى حد ما موقف السعودية التي لا تقدم أي اسم كمرشح لرئاسة لبنان وتحاول إجراء حوار بين الأطراف اللبنانية دون أي شروط مسبقة.
وحسب هذا التقرير، أبلغ حزب القوات اللبنانية السفير السعودي في بيروت قبل شهرين ونصف بأنه يدعم جوزيف عون للوصول إلى منصب الرئيس، لكن السفير السعودي رد بأن الرياض ما زالت مصرة على موقفها الحيادي.
دعم أمريكي لقائد الجيش اللبناني
أمام الولايات المتحدة، ولا سيما الجيش ووزارة الدفاع في هذا البلد، اللذان يقومان بتسليح الجيش اللبناني وتدريب جنوده منذ 50 عامًا، رغم إعلانهما أنهما لن يتدخلا في الشؤون السياسية لهذا البلد، فإنهما يواصلان دعم جوزيف عون للوصول إلى منصب رئيس لبنان.
وأعلن الممثل الخاص لرئيس فرنسا في لبنان في لقاء مع جميع المسؤولين والشخصيات السياسية اللبنانية أن المشكلة تتعلق بشكل أساسي بالداخل اللبناني واللبنانيين أنفسهم. وهذا يعني أن مشاكل لبنان الداخلية تمنع الجهات الأجنبية من إقناع اللبنانيين بحل الوضع في بلادهم. الواقع أن الأحزاب اللبنانية هي الآن في وضع لا يستطيع أي منهم فيه الفوز أو السماح للطرف الآخر بالفوز.
بشكل عام، هناك عدة تحليلات لنتائج زيارة جان إيف لودريان إلى لبنان، لكن حتى تتخذ فرنسا موقفًا واضحًا من مقاربتها للقضية الرئاسية اللبنانية، لا يمكن إبداء رأي نهائي، والآن أصبح الجميع في انتظار عودة ممثل ماكرون إلى بيروت، وهل لدى فرنسا بالفعل مبادرة لحل الأزمة السياسية في لبنان، أم إن على اللبنانيين الاستعداد لمرحلة جديدة من الجمود السياسي؟. وعليه، نصحت بعض المصادر الدبلوماسية الإقليمية المسؤولين اللبنانيين بعدم التفاؤل بالمواعيد المحددة لحل الأزمة السياسية في لبنان، لأنه لا توجد معلومات حقيقية وجادة حول حل هذه الأزمة في المستقبل القريب.