الوقت – تسود حالة من التوتر بين فرنسا والجزائر قد يتصاعد في قادم الأيام مع الغموض الذي يحيط بزيارة كان من المقرر أن يقوم بها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لباريس. و كان قراره بإعادة مقطع محذوف من النشيد الوطني يتوعد المستعمرة السابقة بالحساب أوضح إشارة على الفتور في العلاقات.
اعتبرت أحزاب جزائرية، الإثنين، تصريحات لوزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا حول النشيد الوطني لبلادهم بأنها “استفزازية وتدخل في شؤون دولة ذات سيادة”.
وفي 21 مايو/آيار الماضي، وقع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مرسوما يعدل ويتمم المرسوم رقم 86-45 المؤرخ في 11 مارس/ آذار 1986 والذي يحدد ظروف الأداء الكامل أو الجزئي للنشيد الوطني وشروطه، وكذلك التوليفتين الموسيقيتين الكاملة والمختصرة اللتين تعزفان في الحفلات الرسمية.
والجمعة، قالت الوزيرة الفرنسية في تصريحات لقناة “إلسي إي” الحكومية ردا على سؤال بشأن المرسوم الجزائري، إن هذا “النشيد قد تجاوزه الزمن، لا أريد التعليق على نشيد أجنبي، لكن هذا النشيد كان قد كُتب عام 1956 في سياق وظرف الاستعمار والحرب، ويتضمن كلمات قوية تعني فرنسا”.
وكانت الوزيرة تشير إلى المقطع الثالث من النشيد الجزائري الذي يقول: “يا فرنسا قد مضى وقت العتاب، وطويناه كما يطوى الكتاب، يا فرنسا إن ذا يوم الحساب فاستعدي وخذي منا الجواب”.
والنشيد الوطني الجزائري “قسما”، كتبه الشاعر الراحل مفدي زكريا داخل زنزانته خلال فترة الثورة التحريرية (1954/1962)، وتم اعتماده نشيدا رسميا للدولة بعد الاستقلال عام 1962، ويتضمن 5 مقاطع.
وخلفت تصريحات الوزيرة الفرنسية، موجة تنديد وغضب عبرت عنها أحزاب ضمن الائتلاف الحاكم بالجزائر، مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي (محافظان) وحركة البناء الوطني (إسلامي).
وقال حزب جبهة التحرير الوطني، في بيان، إن تصريحات كولونا “استفزازية وغير مقبولة، وتعتبر خرقا صارخا للأعراف الدبلوماسية وتدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة ذات سيادة”.
وأضاف: “كما يعتبر هذا التصريح، شاهدا آخر من شواهد عدم الجدية في بناء علاقات تقوم على أسس صحيحة ومبادئ ثابتة، تتميز أساسا بالندية والمنافع المشتركة”.
من جهته، اعتبر حزب التجمع الوطني الديمقراطي، أن تصريحات الوزيرة الفرنسية “فجّة وغير دبلوماسية”.
وأضاف الحزب، إن التصريحات “تأتي في سياق حملة سياسية مناوئة تقوم بها أحزاب وشخصيات يمينية متطرفة تقحم الجزائر في جدل قضايا الهجرة والحرب الدائرة في أوروبا”.
من جانبها، قالت حركة البناء الوطني (إسلامية)، في بيان، إن حديث الوزيرة الفرنسية “يتناقض في مضامينه مع الإرادة السياسية التي لا طالما أكدها المسؤول الأول بقصر الإليزيه (الرئيس إيمانويل ماكرون) والذي أكد أنه سيواصل المضي قدما لتعزيز علاقة فرنسا مع الجزائر”.
وذكرت الحركة، أن التصريحات تعد “التفافا مؤسفا ومخيبا لأي إرادة في تجاوز الخلافات الراهنة والمضي في بناء علاقة جديدة مع الجزائر على أسس صحيحة ومبادئ ثابتة”.
وعلق وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف، الثلاثاء، على تصريحات نظيرته الفرنسية كاترين كولونا، بشأن تثبيت مرسوم رئاسي جزائري للمناسبات التي تعزف فيها المقاطع الخمسة للنشيد الوطني الجزائري، بما فيها التي تتوعد فرنسا الاستعمارية.
وأعرب وزير الخارجية الجزائري في مقابلة مع وكالة "نوفا" الإيطالية عن "دهشته من أن وزيرة الخارجية الفرنسية سمحت لنفسها بإبداء رأيها في النشيد الوطني الجزائري".
وأضاف عطاف: "ربما كان يمكنها أن تنتقد أيضاً موسيقا النشيد الوطني، ربما الموسيقا لا تناسبها أيضاً".
وتابع وزير الخارجية الجزائري: "يبدو أن بعض الأحزاب أو السياسيين الفرنسيين، يرون أن اسم الجزائر أصبح سهل الاستخدام في الأغراض السياسية".
ووصل عطاف اليوم الثلاثاء إلى روما في زيارة عمل تأتي وسط مساع لتعزيز العلاقات الجزائرية الايطالية وخاصة في قطاع الطاقة وواردات الغاز لايطاليا بينما لم تغادر العلاقات الجزائرية الفرنسية مربع الشد والجذب حتى أن تبون وصفها في تصريحات سابقة بأنها متذبذبة، في توصيف يقلل من حالة التوتر لكنه تشخيص واقعي لتلك العلاقات.
ويتزامن ذلك مع زيارة للرئيس الجزائري إلى فرنسا مبرمجة قبل نهاية يونيو/ حزيران الجاري، بعد أن كانت مقررة في مايو الماضي، وأعلن الجانبان تأجيلها آنذاك، بسبب اضطرابات في فرنسا جراء مظاهرات احتجاجية على قانون التقاعد.
وستكون هذه الزيارة حال أجريت، الأولى من نوعها لتبون إلى فرنسا منذ وصوله الحكم في ديسمبر/ كانون الأول 2019.
ويرى متابعون أن المرسوم الرئاسي بشأن إعادة الجزء المحذوف من النشيد الوطني الجزائري مرتبط بالسياقات السياسية والدبلوماسية التي أُصدر فيها، والهدف المقصود من القرار تشكيل ضغط على فرنسا بشأن ملف الذاكرة الذي يعتبر أكبر ما يربك أي تقارب جزائري – فرنسي ويعيق أي تقدم لتعزيز التعاون بين الجانبين.
والتوتر حالة كامنة في العلاقات الفرنسية الجزائرية، يتجدد في كل مرة مع استحضار ملف خلافي أو تصريح من هذا الجانب أو ذاك أو من خلال حملة في إعلام البلدين، بينما يرخي التاريخ الاستعماري بظلاله على مسار تلك العلاقات.
ويتفاوض البلدان منذ سنوات بشأن 4 ملفات تاريخية عالقة، أولها الأرشيف الجزائري الذي ترفض السلطات الفرنسية تسليمه، بينما يتعلق الملف الثاني باسترجاع جماجم قادة الثورات الشعبية (موجودة بمتحف الإنسان بالعاصمة باريس).
ويتعلق الملف الثالث بتعويض ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين عامي 1960 و1966، والرابع يخص استجلاء مصير المفقودين خلال ثورة التحرير (1954-1962) وعددهم ألفان و200 مفقود، حسب السلطات الجزائرية.
ولم تتجاوب فرنسا مع أي من المطالب الجزائرية، ما عدا تسليم أول دفعة من جماجم ورفات رموز المقاومة الشعبية ضد الاستعمار عام 2020 وتردد أن الجماجم المسترجعة ليست لثوار جزائريين.