الوقت- نتيجة العملية الشجاعة للجندي المصري، لم يعد الجنود الصهاينة على استعداد للوجود على الحدود مع مصر، في ظل علاقة مصر المعقدة مع "إسرائيل" والتي تغيرت بشكل كبير على مر السنين، مثل كل الدول العربية الأخرى، حيث احتجت مصر على قيام "إسرائيل" على حساب فلسطين، كما رفضت مصر الاعتراف بدولة الاحتلال حتى عام 1979، فيما خاضت مصر و"إسرائيل" أربعة حروب، وتفاوتت النتائج والأسباب من حرب إلى حرب، واليوم يتعاونون على نطاق واسع ولا سيما في القضايا الأمنية، ومؤخراً بعد العملية الشجاعة للجندي المصري على الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة، يرفض جنود الاحتلال الصهيوني الوجود على الحدود مع مصر، ما يفرز تداعيات ربما تكون طويلة الأمد، حيث يرى المصريون أنّ الأيام الأخيرة كشفت أكثر عمق العنصرية والطبيعة الإجرامية للكيان الصهيوني في الوقت الذي تتصاعد فيه الوحشيّة الإسرائيليّة بحق الشعب الفلسطينيّ، وانتهاج "إسرائيل" سياسات تمييز عنصريّ واضطهاد في معاملته، في أعقاب المنهج الإباديّ الذي يتبعه العدو بحق أصحاب الأرض.
تاريخ متقلب في العلاقات
نعلم جميعاً أنّ مصر قاومت التطلعات الصهيونية من خلال دعمها الشعبي (بقيادة الإخوان المسلمين) للثورة العربية عام 1936، وفي عام 1948 عندما اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى رداً على إنشاء كيان "إسرائيل"، شاركت مصر في التحالف العربي لهزيمة "إسرائيل"، وهُزم العرب في نهاية المطاف وكان للحرب آثار مدمرة على الفلسطينيين حيث طردهم الإسرائيليون من بلادهم واستولوا على مساحة من الأرض تتجاوز المساحة المخصصة من تقسيم الأمم المتحدة، أما عن "إسرائيل" وجيرانها فقد اشتبكت مصر و"إسرائيل" مرة أخرى في عام 1953 حول قناة السويس - وهي ممر ملاحي رئيسي للعالم أجمع، وسعى الرئيس المصر آنذاك جمال عبد الناصر إلى تأميم القناة كجزء من خطابه القومي العربي، وأغلق قناة السويس وكذلك مضيق تيران، وهو نقطة وصول حيوية للغاز الطبيعي والتجارة إلى مناطق احتلال "إسرائيل"، كما غزت "إسرائيل" سيناء بدعم فرنسيّ وبريطانيّ، ولم تنسحب إلا بعد ضغوط دولية وأمريكية.
ولعل أهم الصراعات العربية الإسرائيلية هي حرب 1967، وقد نشرت مصر 100 ألف جندي في شبه جزيرة سيناء، ووقعت معاهدة دفاع مع الأردن، ومرة أخرى أغلقت مضيق تيران أمام "إسرائيل" استعدادًا لشن هجوم على الحدود الغربية للكيان، توقعت "إسرائيل" الهجوم وقصفت بشكل استباقي القوات المصرية وطردتها من سيناء ودمرت سلاحها الجوي بالكامل، ثم اتجهت "إسرائيل" نحو الشرق وهزمت الشركاء المصريين مع الأردن وسوريا والعراق ولبنان، ونتيجة للحرب، سيطرت "إسرائيل" على مناطق قطاع غزة والضفة الغربية ومرتفعات الجولان وغيرها، وقامت مصر وجميع الدول العربية الأخرى التي كانت جزءًا من منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بفرض حظر على "إسرائيل" والعديد من الدول الغربية الأخرى (بما في ذلك الولايات المتحدة)، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط.
وكانت آخر حرب بين مصر و"إسرائيل" هي حرب 1973، عندما شنت مصر وسوريا هجومًا مفاجئًا على الإسرائيليين خلال يوم الغفران، أقدس عطلة يهودية، ما أدى إلى مفاجأة الإسرائيليين. في البداية، وكان المصريون والسوريون قادرين على تحقيق مكاسب إقليمية ضد الإسرائيليين، لكن "إسرائيل" في النهاية قطعت القوات المهاجمة وشنت هجومًا مضادًا من جانبها، وتم التوصل إلى وقف إطلاق النار بوساطة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وجعلت الحرب "إسرائيل" تدرك أنها لا تستطيع تحمل العداء المستمر مع جيرانها، وقادتهم إلى اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 ومعاهدة السلام في العام التالي، كجزء من المعاهدة انسحبت "إسرائيل" من سيناء بشرط أن تبقيها مصر منزوعة السلاح وتعترف بدولة الاحتلال، وأدى اعتراف مصر بـ "إسرائيل" إلى طرد مصر من جامعة الدول العربية لما اعتبر خيانة للقضية الفلسطينية.
عقب ذلك، تمتعت مصر و"إسرائيل بعلاقات سلمية"، وإن لم تكن ودية، ومنذ ما أُطلق عليها "معاهدة السلام" أثارت ثورة 2011 قلق الإسرائيليين الذين حُرموا من قنوات اتصالهم الرسمية القديمة مع الحكومة المصرية، وبعد الثورة، استولى آلاف المصريين على سفارة العدو في القاهرة، وجاء الاستيلاء رداً على مقتل "إسرائيل" عرضياً لقوات الأمن المصرية في شبه جزيرة سيناء، وأدى انتخاب مرسي، وهو إسلامي سياسي متشدد، إلى قلق الإسرائيليين بشكل أكبر، ومع ذلك تمسك مرسي بكل المعاهدات التي كانت قائمة بين البلدين، وفي الواقع، توسط مرسي في وقف إطلاق النار بين "إسرائيل" وحماس في صراع عام 2012.
كذلك، تعاون نظام السيسي مع "إسرائيل" على نطاق واسع، حيث وصفته الإيكونوميست بأنه "أكثر الرؤساء المصريين تأييدًا لإسرائيل على الإطلاق"، أشرف السيسي على استيراد الغاز الطبيعي من "إسرائيل" وتعاون في القضايا الأمنية، وتحديداً في شبه جزيرة سيناء حيث تواجه مصر تمردًا متزايدًا يضم تنظيم الدولة الإسلامية والمتطرفين العنيفين الآخرين، وشاهد على قوة العلاقة هو حقيقة أن دولة العدوان الإسرائيلي وافقت بسهولة على زيادة عسكرة سيناء حتى تتمكن مصر من محاربة تمردها المتطور، وعلى الرغم من أن التعاون بين الحكومتين هو حقيقة راسخة في المنطقة، إلا أنه لا يزال هناك استياء عميق من "إسرائيل" مع الشعب المصري، ووفقًا لاستطلاع للرأي العام أجراه المركز المصري لأبحاث الرأي العام في مايو 2015، كان رأى الجمهور المصري أن "إسرائيل" هي الدولة الأكثر عدائية (-88 على مقياس من -100 إلى 100) من بين 26 المذكورة في الاستطلاع.
حادثة قلبت الموازين
بعد العملية الباسلة للجندي المصري على الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة، والتي أسفرت عن مقتل 3 جنود صهاينة وإصابة صهيوني آخر بجروح من جنود إحدى الكتائب، وأعلن الكيان الصهيوني عدم وجودهم في هذه المنطقة، وحضروا وقاموا بدوريات لمدة 12 ساعة، وحسب الأنباء المسربة، فقد أبلغه الجنود الصهاينة، سرا في تحد لأوامر قائدهم، بأنهم لا يستطيعون حراسة حدود مصر وفلسطين المحتلة لمدة 12 ساعة في ظروف جوية صعبة، وطالبوا بتغيير فوري للأوضاع.
وعلى هذا الأساس، أعلن الجنود الصهاينة أن الدوريات في ظل هذه الظروف لن تكون مجدية، ويشار إلى أنه في عملية شجاعة قتل الجندي المصري محمد صلاح ثلاثة جنود صهيونيين وجرح جنديًا آخر بمهاجمة دورية للعدو الصهيوني على الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة، وكان كل هؤلاء من أفراد كتيبة الجيش الصهيوني، ولا يزال النقاش حول هذا العمل الشجاع للجندي المصري ساخنًا في الأوساط الصهيونية وتوابعه مستمرة.