الوقت - رغم المعارك الضارية التي يشنها الجيش العراقي مدعومًا بالحشد الشعبي ضد تنظيم داعش الإرهابي، ورغم بدء انحسار السلطة التكفيرية التي فرضها تنظيم داعش الإرهابي على أجزاء من الأراضي العراقية، ورغم كل مستجدات المنطقة لازال تنظيم داعش مستمرًا في إصدار "الفتاوى العجيبة المتطرفة" التي تطال كافة جوانب الحياة التي اعتادت عليها شعوبنا العربية والإسلامية منذ سنوات طويلة.
خلال الأيام الفائتة أصدر تنظيم داعش بمناسبة مولد النبي فتوى حرم فيها أي مظاهر فرح أو احتفال بهذه المناسبة حتى أن التنظيم قام بمنع التزيين وتوزيع الحلويات وما شابه مهددًا أصحاب المحال والأهالي بالجلد والغرامة المالية التي يمكن أن تصل إلى مائة ألف دينار عراقي في حال المخالفة، وبهذا يكون التنظيم قد منع الناس من الاحتفال بالمولد النبوي للسنة الثانية على التوالي.
واللافت أن تجديد تنظيم داعش للفتوى التي أصدرها جاء بعد نهي مفتي السعودية عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ عن إقامة المولد النبوي، إذ اعتبر المفتي السعودي أن "هذه الموالد وأمثالها من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان وإن هي إلا بدعة انتشرت بعد القرون الثلاثة المفضلة"، وادّعى المفتي أن "هذه الموالد تشكل مظاهر الشر" وأن "كل هذا من الخطأ لأن هذا بدعة لا أصل لها في شريعة الإسلام ولم تكن في عهد رسول الله".
ويذكر أن جميع المسلمين والجامعات الإسلامية يؤيدون الاحتفال بالمولد النبوي، ومن بينهم الأزهر ودار الإفتاء المصرية التي أكدت أن الاحتفال بذكرى مولد النبي "جائز شرعاً"، وهو "من أفضل الأعمال وأعظم القربات"، ورغم هذا يصر كل من الفكر الوهابي والفكر الداعشي على تحريم الاحتفال بالمولد النبوي، ولا تقتصر الوحدة الفكرية بين الوهابية والداعشية على هذا، فالسياسة والدعوة واحدة جملةً وتفصيلاً، وما يدل على ذلك أن سياسة الهدم التي انتهجها تنظيم داعش ضد القبور ظهرت قبل تأسيس هذا التنظيم، إذ قام محمد بن عبد الوهاب (1703م - 1791م) بقطع شجرة "الذيب" في منطقة الجبيلة، وذلك بحجة أنها مصدر للشرك، وبدأ هذا العمل ينتشر ليتم فيما بعدها هدم القباب والقبور بما فيها قبور صحابة رسول الله.
الغريب أن نسمع كتابًا وأساتذة جامعيين يدّعون أن "الوهابية" لا ترتبط بـ"داعش"، وأنها -أي الوهابية- بسبب "نقائها وصفائها" اكتسبت شعبية ساحقة، ولكن أين هذا الصفاء وقد هدم محمد بن عبد الوهاب وأصحابه قبور الصحابة!؟، كما أن عبد الوهاب استخدم سياسات الجلد والرجم، فهل هذه سياسة نقاءٍ وصفاء؟!، كل ما يميز الوهابية أنها تحالفت مع آل سعود وتغلغلت في السلطة فنجحت في فرض سلطتها على الشعب الذي لم يكن يدري ما يحدث، في حين أن تنظيم داعش الإرهابي فشل في هذا، كما أنه يواجه مقاومة شعبية كبيرة، بسبب حالة الوعي الشعبي الذي كان مفقودًا زمن ابن عبد الوهاب.
وأما الادعاء بأن تنظيم داعش الإرهابي أساء فهم النصوص الوهابية، فإننا إذًا نقول أن محمد بن عبد الوهاب أساء فهم نصوصه أيضًا!، فهو الآخر اعتمد السياسة الداعشية أيضًا، وقصة هدم قبة زيد بن الخطاب خير مثال، إذ قال محمد بن عبد الوهاب لأحد مناصريه ويدعى (الأمير عثمان): "دعنا نهدم قبة زيد بن الخطاب فإنها أسست على غير هدى، وأن الله جل وعلا لا يرضى بهذا العمل... وهذه القبة فتنت الناس وغيرت العقائد، وحصل بها الشرك فيجب هدمها"، فأجاب عثمان: "لا مانع من ذلك"، فقال ابن عبدالوهاب: "إني أخشى أن يثور لها أهل الجبيلة –وهي قرية مجاورة للقبر-"، فجمع عثمان جيشاً من 600 مقاتل وخرجوا لهدم القبة، وعندما خرج أهل القرية لمنعهم تفاجأوا بالجيش ورجعوا وتمت عملية الهدم، والقبور التي هدمت بأيدي ابن عبدالوهاب وأتباعه كثيرة لا مجال لذكرها هنا.
هدم قبة زيد بن الخطاب خير مثال على أن أساس الدعوة الوهابية قائم على الترهيب تمامًا مثل سياسة داعش، فالدعوة إضافة إلى أنها كانت باطلة كانت تتم بالجيوش والإرهاب وليس "بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ" التي ذكرها صريح القرآن، وهذا ما أوصل بالخط التكفيري الإرهابي أن يتجرأ على أعظم رموز الإسلام المتمثل بنبي الرحمة إذ تم تحريم الاحتفال بالمولد النبوي معتبرين إياه بدعة، رغم أن النبي لم يحرمه، فهل يرى هؤلاء أن الدين ناقص عليهم أن يكملوه؟ أم أنهم يعتقدون أن الرسول قصر في تبليغه فلهم أن يصححوه!؟ وأي حجة تجيز لهم تحريم ما لم يحرمه النبي والله يقول ما فرطنا في الكتاب من شيء!.
في النهاية يمكن التأكيد أن الفكر الوهابي هو الغذاء الروحي لتنظيم داعش الإرهابي، وطالما أن الفكر الوهابي موجود فإن القضاء على داعش لن يمنع ظهور تيارات أخرى مشابهة في المستقبل، ولهذا فإن أفضل وسيلة لمحاربة الإرهاب والقضاء عليه تتمثل بمحاربة الفكر الوهابي التكفيري، وكشف حقيقته وتناقضه مع الأحكام الإسلامية السمحاء.