الوقت - بعد فترة طويلة من الصمت والجمود من قبل الجماعات المتطرفة الحاكمة لإدلب شمال غرب سوريا، مؤخراً تظهر الأخبار المنشورة من داخلهم أنهم بدؤوا تحركات سياسية جديدة لتجاوز الشلل السياسي الذي عانوه من اندفاع تركيا والدول العربية نحو دمشق، ليبقوا في المرحلة المقبلة من التطورات السورية.
وفي هذا الصدد، يقال إن هيئة تحرير الشام عقدت مؤخراً اجتماعاً في مدينة سرمدا بريف إدلب، بحضور عدد من حلفاء أبو محمد الجولاني ومديري التنظيمات والجمعيات المرتبطة بالحكومات الغربية. والهدف من هذا الاجتماع هو الإعلان عن خريطة طريق جديدة لهيئة تحرير الشام وبدء مرحلة جديدة، لتحسين صورة هذه المجموعة وإظهارها على أنها جماعة سورية معارضة.
وحسب صحيفة الأخبار اللبنانية، فقد تحدث الجولاني في هذا الاجتماع عن خطة لاستعادة السيطرة على مدينة حلب، وأعلن أن هذا الأمر سيحدث على الأرجح في غضون عام أو عامين مقبلين. وأشار الجولاني إلى خطته لتوحيد المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، لاستخدام القوة العسكرية والعصر الذهبي الذي يعيش فيه.
ولفتت بعض المصادر إلى ارتفاع مستوى التنسيق الأمني بين هيئة تحرير الشام والولايات المتحدة، وانضمام فرنسا التي أبدت مرونةً كبيرةً في التعاون مع الجولاني، ولا سيما في ملف ملاحقة الإرهابيين الفرنسيين.
ويقال إن أحد المناقشات المهمة في هذا الاجتماع، هو زيادة التعاون بين الإرهابيين والمجموعات الكردية السورية المدعومة من الولايات المتحدة، من أجل إبعاد المناطق الشمالية من سوريا عن سيطرة الحكومة المركزية، لأن تعاون هاتين المجموعتين سيمهد الطريق للاحتلال الأمريكي.
تخطط واشنطن لإقامة تحالف بين التكفيريين والجماعات الكردية لمنع التقارب بين القادة الأكراد ودمشق، الذين عقدوا اجتماعات في الأشهر الأخيرة. يسعى الأكراد والولايات المتحدة إلى إقامة حكومة مستقلة بعيدًا عن سيطرة الحكومة المركزية في شمال سوريا، ويمكن للوصفة الجديدة للبيت الأبيض أن تجعل الأكراد أكثر تصميماً على الاستمرار، لأن الأكراد هم أداة الضغط الأمريكي على الحكومة السورية.
يحاول مسؤولو البيت الأبيض إعادة احتلال كل أو أجزاء من مدينة حلب الاستراتيجية بمساعدة الإرهابيين والأكراد، وترسيخ موطئ قدمهم في شمال سوريا. وفي هذا الصدد، أعلنت الاستخبارات الخارجية الروسية في تقرير، الثلاثاء الماضي، أن الولايات المتحدة تخطط مرةً أخرى لاستخدام المتطرفين لتنفيذ عملياتها التخريبية في سوريا. ومن المحتمل أن تكون هذه الأعمال التخريبية جزءًا من اتفاق الاجتماع الأخير بين هيئة تحرير الشام والأمريكيين.
بيان الجولاني الجديد للقاء المسؤولين الأمريكيين ليس جديداً، وفي السنوات الأخيرة عقدت عدة لقاءات بين الإرهابيين والأمريكيين في إدلب. فحسب شبكة العالم، التقى قادة جبهة النصرة في حزيران/يونيو 2021 برؤساء المخابرات الأمريكية في ريف إدلب، وبعد ذلك أمر الرئيس الأمريكي جو بايدن جيش بلاده بإحياء وتقوية هذه المجموعة التكفيرية.
حتی أن الحكومة الأمريكية وعدت جبهة النصرة بإزالة اسمها من قائمة التنظيمات الإرهابية في العالم، وتضمين هذه المجموعة في إطار ما تسمى "المعارضين المعتدلين"، لتكون الورقة الرابحة لواشنطن في أي مفاوضات مستقبلية.
من ناحية أخرى، أفادت وكالة سبوتنيك للأنباء، نقلاً عن مصادر محلية في ريف إدلب، في آذار الماضي، باجتماع بين ضباط المخابرات البريطانية وقادة هيئة تحرير الشام. وفي هذا الاجتماع، قام ضباط المخابرات البريطانية بتسلُّم 3 مسلحين أجانب لم تُعرف هويتهم الدقيقة.
كما أعلنت شبكة الميادين، في أيار من العام الماضي، أن زعيم هيئة تحرير الشام ومسؤولين في المخابرات التركية قد اجتمعوا مع بعضهم البعض. وعقدت قوات المخابرات التركية، في كانون الثاني من العام الماضي، اجتماعاً سرياً مع وفد هيئة تحرير الشام لبحث كيفية التعامل مع الجماعات المسلحة المعارضة لهيئة تحرير الشام، وآخر المستجدات في شمال سوريا.
بالنظر إلی اللقاءات السرية للإرهابيين مع السلطات التركية والأمريكية، يبدو أن هناك نوعًا من التعاون بين هذه الدول والتكفيريين، حتى يتمكنوا من الاستمرار في جعل الداخل السوري غير آمن.
على الرغم من أن تركيا تسعى إلى تطبيع العلاقات مع سوريا، إلا أنها تعارض هذا المسار بأفعالها المشبوهة، تعتزم تركيا بناء مليون منزل في شمال سوريا للاجئين، معظمهم في إدلب والمنطقة الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، وهذا يعني أن أنقرة ستواصل دعم هذه الجماعات.
ويظهر البيان الجديد للجولاني، الذي وصف فيه القوات الخاضعة لقيادته بأنهم جنود الغرب الجدد، أن الإرهابيين غير راضين عن الوضع الذي يحدث في غرب آسيا.
لقد أدت عودة سوريا إلى الجامعة العربية وتحركات تركيا لتطبيع العلاقات مع دمشق، إلى تضييق الخناق علی الجماعات التكفيرية في إدلب، التي تحولت إلى الغرب من أجل بقائها. لأن مشيخات الخليج الفارسي وتركيا كانت أكبر الداعمين لهذه الجماعات، لكنهم الآن مدوا يد الصداقة إلى دمشق، ما يعني التخلي عن التكفيريين لصالح الجيش السوري.
من الواضح أن الإرهابيين لا يمكنهم البقاء على قيد الحياة دون المساعدات الخارجية، وبالتالي، بفقدانهم حلفاءهم الإقليميين، فإنهم يبحثون عن بدائل. هيئة تحرير الشام، التي تعيش حالةً ماليةً صعبةً، يمكنها الحصول على الكثير من الموارد بمساعدة الولايات المتحدة وترانزيت النفط السوري المسروق، لحقن دماء جديدة في الأوردة الضعيفة لبقية عناصرها.
إشعال نار الحرب لمواصلة الاحتلال
بعيدًا عن الجماعات الإرهابية التي تبحث من سياسة التحالف مع الغرب عن طريق للهروب من الأزمة الأمنية، فإن لدى واشنطن أيضًا أهدافًا لإحياء هذه الجماعات تتماشى مع سياساتها الإقليمية.
على الرغم من تطبيع العلاقات بين العرب وتركيا، لا يزال المسؤولون في واشنطن يدّعون أنهم لن يطبعوا علاقاتهم أبدًا مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد. لذلك، من أجل تبرير وجودها الاحتلالي في شمال سوريا، فإنها بحاجة إلى خلق أزمة، ويمكن لتكفيريي تحرير الشام إبقاء نيران الحرب ساخنةً في سوريا وکأنهم مشاة الغرب.
لأن الأمريكيين يزعمون أنهم موجودون في سوريا لمحاربة الإرهابيين، وإذا تم إضعاف هذه الجماعات، فلا عذر لتبرير وجود الاحتلال الأمريكي، ولهذا تحتاج أمريكا إلى إعادة تأهيل الإرهابيين لسرقة النفط والغاز السوريين.
كما تريد واشنطن أن تظهر أن الإرهابيين يمكن أن يظهروا قوتهم في غياب الدول العربية وتركيا، وتحاول إحياء النوى الضعيفة لهذه الجماعات. من ناحية أخرى، يدخل جزء من سرقة موارد النفط السوري من قبل الولايات المتحدة إلى تركيا عبر معبر إدلب الحدودي، لتصديره إلى الأراضي المحتلة ومناطق أخرى، والتعاون مع هيئة تحرير الشام سيسرع عملية هذه التجارة المربحة.
والمسألة الأخرى هي أن واشنطن لا تتحمل استقرار وأمن سوريا، والذي يعتبر انتصاراً كبيراً لمحور المقاومة، وتحاول زيادة التحديات الأمنية لدمشق بتكثيف الأزمة. كما أن بدء جولة جديدة من الصراعات في سوريا بشرى سارة لأمن الأراضي المحتلة، ومع انشغال الحكومة المركزية بالأزمة الداخلية، سيتركز اهتمام الکيان الإسرائيلي على الإرهابيين.
لأن تزايد قوة بشار الأسد، والذي يعني من وجهة نظر الأمريكيين زيادة قوة ونفوذ إيران بالقرب من الصهاينة، يعتبر تهديداً خطيراً للاحتلال الإسرائيلي، وفي الوضع الراهن حيث الأراضي المحتلة شديدة الاشتعال من الناحية السياسية والأمنية، ستكون تل أبيب محاطةً بالأزمات الأمنية.
دعم تنظيم القاعدة المعادي للولايات المتحدة
رغم أن أمريكا تعتبر دعم الجماعات الإرهابية الخيار الوحيد لتصعيد الأزمة في سوريا، إلا أنه ليس خيارًا سهلاً. فهيئة تحرير الشام التي تعيد إحياءها أمريكا انبثقت من القاعدة، التي تزعم واشنطن أنها في حالة حرب معها منذ سنوات.
واشنطن تستثمر في هيئة تحرير الشام، بينما أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية، في كانون الأول/ديسمبر 2012، جبهة النصرة كمنظمة إرهابية، وحتى في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، خصصت مكافأةً قدرها 10 ملايين دولار مقابل معلومات عن زعيم هذه المجموعة الإرهابية. حتى أن احتلال أفغانستان تم بهدف تدمير القاعدة، وهناك عداء طويل الأمد بين واشنطن وهذه الشبكة الإرهابية.
بالنظر إلى نهج هيئة تحرير الشام القتالي، فإن تعزيز الإرهابيين في المستقبل يمكن أن يكون له تكاليف لا يمكن تعويضها للولايات المتحدة والأوروبيين، وقد يتكرر تنفيذ عمليات إرهابية مثل تلك التي حدثت في قلب فرنسا في السنوات الأخيرة من قبل داعش.
من ناحية أخرى، تعتقد واشنطن والأوروبيون أنه من خلال إعطاء التنفس الاصطناعي للإرهابيين، يمكنهم على الأقل إظهار الأجزاء الشمالية من سوريا على أنها لا تزال حرجة، ولديهم العذر اللازم لمواصلة الاحتلال.
لكن هناك عشرات المجموعات الصغيرة في إدلب في صراع مع بعضها البعض، وليست على استعداد لأن تكون تحت قيادة الجولاني، وفي العامين الماضيين كانت هناك اشتباكات دامية بين هيئة تحرير الشام وهذه المجموعات.
ولذلك، فإن لجوء واشنطن إلی هذه الجماعات للانتصار على الجيش السوري، جهد عقيم وعديم الجدوى، لأن الجيش السوري الآن في ذروة قوته، ولن يتمكن الإرهابيون من فعل أي شيء بمساعدة السلاح والدعم المالي من الغرب.